صُدم العالم وهو يسمع الأخبار القادمة من نيجيريا عن هجوم شنته جماعة بوكو حرام المتطرفة على مدرسة للفتيات، واختطاف أكثر من مائتي تلميذة. وتسارعت فصول القضية التي وقعت في بلدة (شيبوك) قرب عاصمة ولاية بورنو (مادوغري) في 14 أفريل الماضي، مع ظهور المزيد من التفاصيل المأساوية، ورغبة الجماعة في بيعهن.. ثم أخبار أخرى عن مبادلتهن مع سجناء نيجيريين. أصيبت فتاة نيجيرية فرت من جماعة بوكو حرام بحالة من الرعب والخوف الشديدين، حين استضافتها إحدى القنوات الفضائية الغربية. قالت إنها هربت مع بعض رفيقاتها في جنح الليل، بعدما رفضت أوامر الجماعة بركوب شاحنة كبيرة. لم تكشف الفتاة عن وجهها أو هويتها أو مكانها، ورفضت مجرد الإدلاء بمعلومات قد تدفع الخاطفين لإعادة اختطافها من جديد، ورفضت حتى الإفصاح عن الأزياء التي يرتديها الخاطفون. قالت إنها هددتهم برمي نفسها من الشاحنة حين أمروها بدخولها. وأضافت: (قلت لهم إني أفضل الموت على الذهاب معكم، ثم ركضنا بين الأدغال إلى أن تمكنا من الهرب)، وأنهت المقابلة: (أشعر بالخوف الشديد، نحن خائفون). وذكرت صحيفة (زي نيشن) النيجيرية أول من أمس، أن (بوكو حرام) بثت شريط فيديو ظهرت فيه المختطفات محجبات وجالسات على الأرض بعد أن أعلن دخولهن الإسلام، وظهرن في الفيديو وهن يؤدين الصلاة. قائد الجماعة، أبو بكر محمد شيكو، أعلن في تسجيل فيديو مسؤوليته عن خطف التلميذات، وهدد ببيعهن باعتبارهن سبايا أو (تزويجهن بالقوة)، وقال: (أنا الذي اختطفهن، والمزيد من الهجمات ستعقب ذلك قريبا، وسنواصل أخذ الفتيات لأنهن إماء). ولا يعد هذا الفيديو الأول الذي يكشف عن سلسلة العمليات التي نفذتها الجماعة التي يفوق رصيدها المئات من العمليات الإرهابية وضحاياها بالآلاف. وتزامنت عملية الاختطاف مع تفجير أودى بحياة 75 شخصا قرب العاصمة أبوجا، وجهت أصابع الاتهام بتنفيذه ل"بوكو حرام"، كأول هجوم على العاصمة النيجيرية، وأعقبه هجوم مماثل بعد أسبوعين في المنطقة نفسها تقريبا، قتل فيه 19 شخصا وأصيب 34 في ضاحية "نيانيا". النيجيريون مصدومون، رغم اعتيادهم الفظائع التي ظلت ترتكبها الحركة المتمردة طوال خمس سنوات. * تحريم التعليم الغربي (بوكو حرام) جماعة نيجيرية مسلحة، وتعني بلغة الهاوسا السائدة محليا، في نيجيريا: (تحريم التعليم الغربي)، وهي مجموعة مؤلفة، خصوصا، من طلبة تركوا الدراسة واتجهوا لدراسة العلوم الشرعية في شمال البلاد. أسسها المدرس ورجل الدين محمد يوسف، في ولاية (بورنو) بشمال نيجيريا عام 2002، تحت اسم (جماعة أهل الكتاب والسنة للدعوة والجهاد). وبدأت عملياتها الفعلية ضد مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية عام 2004، عقب انتقالها إلى ولاية (يوبي) قرب الحدود مع النيجر. تقول الحركة التي لقبت لاحقا ب(طالبان نيجيريا)، إنها تعمل على منع وتحريم التعليم الغربي والثقافة الغربية، وتعدهما (إفسادا للمعتقدات الإسلامية)، وتسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا. ويعد الطلاب الرافضون للمناهج والتعليم الغربي، الزاد الفعلي للحركة، فضلا عن أعداد من الناشطين الإسلاميين غير النيجيريين، بعضهم من دولة تشاد وغيرها. ورغم تقارب نموذج "بوكو حرام" من نموذج "طالبان الأفغاني"، من حيث آليات التفكير والعمل، فإن دارسي الحركات الجهادية لم يعثروا على ما يؤكد وجود صلة بينهما. في عهد مؤسسها محمد يوسف، كانت عملياتها تستهدف الشرطة ومراكز الأمن والمتعاونين مع السلطات المحلية، وهو الأمر الذي أدى إلى القبض على مؤسسها بعد مطاردة ومواجهات مسلحة أواخر جويلية 2009 في شمال نيجيريا، بين عناصر الحركة وقوات الأمن أسفرت عن سقوط مئات القتلى. وقتل مؤسس "بوكو حرام" في 30 جويلية 2009 بعيد ساعات من اعتقاله واحتجازه في أحد مراكز الشرطة النيجيرية، وعد الأمر وقتها عملية "اغتيال". وعقب مقتله، أعلنت أبوجا القضاء على الحركة تماما. يقول المدير السابق لمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم، البروفسور الأمين أبو منقة محمد، في تصريح لصحيفة (الشرق الأوسط)، إن "بوكو" تعني الكتاب الذي لا علاقة له بالقرآن الكريم، ويعرف "بوكو حرام" بأنها تعني تحريم الكتاب الغربي، ومن ثم المدرسة الحديثة على النمط الغربي. ويضيف أبو منقة، وهو مختص في اللغات الإفريقية ومن بينها لغة "الهوسا"، ودراسات غرب إفريقيا: (هناك حساسية كبيرة تجاه التعليم الغربي في منطقة شمال نيجيريا، لأن الاستعمار وضع التعليم في يد الكنيسة، وشرع في عمليات تنصير بمناطق المسلمين التي شهدت تطبيق الشريعة الإسلامية لأكثر من 100 سنة في مملكة دانفوديو الإسلامية). ويوضح البروفسور أبو منقة، وهو من أصول نيجيرية، أن الاستعمار الإنجليزي احتل نيجيريا قبل وصول الإسلام للسواحل الجنوبية للبلاد، مما أتاح للكنيسة تثبيت أقدامها والسيطرة على التعليم، أما في الشمال فقد ترك المسلمون على حالهم تحت ذريعة عدم التدخل في شؤونهم ومساجدهم وطرق تعليمهم. وخلق هذا الوضع عدم ثقة كبيرة بين المجموعتين، وجعل التعليم الغربي يرتبط في أذهان أهل الشمال النيجيري بأنه ضد الإسلام، ومن ثم فهو حرام، ومن هنا جاءت التسمية "بوكو حرام"، وهم يضعون "بوكو" - وتعني كتاب - أو "بايبل" مقابل "اللو"، المأخوذة من "اللوح" العربية، وهو سطح خشبي، تكتب عليه وتمحى منه الآيات القرآنية في الخلاوي والمدارس الدينية. ويوضح أبو منقة أن تلك النظرة انتقلت مع المهاجرين إلى منطقة "مايرنو" ويقطنها سودانيون من أصول نيجيرية أو من غرب إفريقيا - 400 كيلومتر جنوبالخرطوم مما أدى إلى إحراق المدارس فيها مرتين. ويقول أبو منقة، وهو من "مايرنو"، إن بعض سكان مايرنو تركوها بسبب المدارس، ليس لأنها مدارس تدرس المسيحية، بل لأنهم على الدوام ظلوا يعدونها المدارس المكافئة ل"الكفر"، وأن طلابها يدرسون اللغة الإنجليزية ويصبحون كفارا. إضافة إلى عدم الثقة بالمدارس، فإن أبو منقة يعتقد أن شيوخ الخلاوي والمدارس الدينية لعبوا دورا في ترسيخ هذه الصورة عن التعليم المدرسي، لأنه سيكون على حساب خلاويهم. ويرجع الموقف من المدرسة إلى أن تجربة أهل غرب إفريقيا كانت سيئة مع الاستعمار، لدوره في عمليات التنصير، وإعلاء شأن الصليب ومدلولاته الكنسية، مما خلق داخلهم عقدة ضد التعليم الغربي والنظامي. وانتقلت - حسب- أبو منقة تلك العقدة حتى للذين هاجروا إلى السودان رغم اختلاف المدارس هنا، وجعلهم لا يثقون بالمدرسة، ويشنون حربا نفسية عليها، تبلغ حد وصف تلاميذها بفساد الأخلاق. ويقول: "ما يعيشه المنتمون إلى (بوكو حرام) النيجيرية الآن، عشناه نحن هنا في السودان حتى نهاية خمسينات القرن الماضي". * علامات استفهام كبيرة تضع (بوكو حرام)، (علامة استفهام كبيرة) أمام مدير جهاز المخابرات السودانية السابق، الفريق الفاتح الجيلي المصباح، الذي يقول إن تصرفات الحركة المتطرفة فيها الكثير من الغرابة والعنف الشديدين، مما جعلها بعيدة عن الفكر الإسلامي. ويضيف الفريق المصباح: "هناك حركات في هذه المنطقة تبدو كأنها مصنوعة لإثارة البلبلة وخلق المشاكل في المجتمعات الكبيرة، مثل المجتمع النيجري ذي الثروات الغنية". ويبدي المصباح استغرابه لنشوء مثل هذه الحركات. يقول: "يصعب علي تفسير دوافع هذه الحركة"، وفي الوقت ذاته، ينفي وجود روابط تربط بينها وبين دول أخرى في المنطقة، لأن أهدافها بعيدة كل البعد عن الحركات العالمية الموسومة بالإرهابية المعروفة. واتفق أبو منقة مع المصباح على وجود ما يسميه "أيديا غير إسلامية تحرك (بوكو حرام)"، بل ويعدها امتدادا لحركة مشابهة سابقة لها "ميتا سينا"، يقول: "في آخر أيامي بجامعة كانو النيجيرية 1982، نشأت حركة ميتا سيني، في مناطق مايدوغري، كانو، أداما، قرب حدود الكاميرون، نفس المنطقة التي ظهرت فيها (بوكو حرام)، وقتل زعيمها ميتا سيني الذي أخذت اسمها منه". ولا يؤكد أبو منقة أو ينفي وجود ارتباطات للحركة بحركات متطرفة أخرى، ويقول: "لو كانت موجودة فهي غير واضحة، ف(بوكو حرام) تحولت لظاهرة، فلو كانت لها ارتباطات بحركات متطرفة في مالي أو بتنظيم القاعدة لكانت علاقات معروفة". * زعيم منفصل عن الواقع تصف تقارير صحافية زعيم الحركة "أبو بكر محمد شيكو" بأنه لا يبدو في وعيه السياسي الكامل ومنفصلا عن الواقع، مستدلة بأنه هدد بقتل زعيمة حزب العمال البريطانية الراحلة مارغريت ثاتشر والبابا يوحنا بولس الثاني رغم أنهما متوفيان قبل تصريحاته، فهو يعلن على الملأ صراحة بأنه يحب أن يقتل من يأمره الله بقتله، وتنقل عنه "أحب أن أقتل من يأمرني الله بقتله، تماما كما أحب قتل الدجاج والأغنام". ولد شيكو، حسب تلك التقارير، بين (1965 - 1969) في قرية صغيرة أهلها من الفلاحين ومربي مواشي، بولاية يوبي شمال شرقي نيجيريا قرب الحدود مع النيجر. ودرس الفقه لدى رجال دين محليين في عاصمة ولاية بورنو "مايدوغوري"، وتعرف على مؤسس "بوكو حرام" محمد يوسف خلال تلك الفترة. وجذبت الحركة المتطرفة الشباب العاطلين عن العمل في مايدوغوري، وحملت "القيم الغربية" الوافدة مع الاستعمار البريطاني مسؤولية الفساد المتفشي والفقر المدقع في صفوف النيجيريين. ازدادت الهجمات على المدنيين المسيحيين والمسلمين عقب وصول شيكو لرئاسة الحركة، مما أنسى الناس خطابات مؤسسها محمد يوسف المناهضة للنظام النيجيري الفاسد، وكان شيكو يصف زعيمه قبل مقتله بأنه "معتدل أكثر من اللازم". ومنذ 2011، استهدفت "بوكو حرام" الكنائس والمساجد ورموز السلطة والمدارس والجامعات ومساكن الطلاب، وقتلت تلاميذ أثناء نومهم. وبعد أن اعتدت على مقر الأممالمتحدة في أبوجا أوت 2011 وقتل 23 في العملية، اختارت "بوكو حرام" تنفيذ عمليات نوعية أشاعت الخوف من ارتباطها بمجموعات جهادية عالمية. ورغم الزعم أن كوادرها تدربوا في الجزائر والصومال، فإن تلك العلاقة غير مؤكدة. وذكرت (مجموعة الأزمات الدولية) في تقرير، أنه (مع تولي شيكو قيادة (بوكو حرام) أصبحت الحركة أكثر عنفا وفتكا وتدميرا، الأمر الذي دفع (جماعة أنصار الإسلامية) التي خطفت أجانب وبثت أشرطة فيديو عن إعدامهم على الإنترنت، للابتعاد عنها، وتسمية عملياتها (المجازر العشوائية والوحشية)). * ليس تطبيقا للشريعة يقول الداعية السعودي الشيخ خالد الشايع في فيديو مبثوث على الإنترنت، إن (بوكو حرام) بدأت بتدريس العلم والقرآن، ثم استولى عليها من يريد القفز بها من الدور الأول إلى المائة. ووصف الشايع ما فعلته بالمخالف للنواميس الكونية التي أمر الله بمراعاتها، الشيء الذي جعلها تصل لنتائج خاطئة ومخالفة، وعد اختطافها الفتيات كسبايا وغنائم والتهديد ببيعهن "لا يمثل الإسلام"، وقال: (الإسلام بريء من ما أقدمت عليه (بوكو حرام) وما عدته سبيا وتطبيقا للشريعة). وأضاف: (ليس في الإسلام اختطاف وليس فيه غدر، وخيانة. الإسلام بريء من هذا، وكان النبي الكريم أشد حرصا على حماية سمعة الإسلام، حتى حين يساء إلى ذاته الشريفة كان يرفض أن يقتص له حفاظا على سمعة الإسلام، ويمنع الصحابة عنه بقوله: (كيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه!))، وتساءل الشايع: "ماذا نقول عندما تنقل الوكالات الاختطاف بصفته تطبيقا للشريعة الإسلامية؟". ويقول الداعية النيجيري داود عمران مالاسا، إن "بوكو حرام" جماعة مشبوهة، وإن أعمالها لا علاقة لها بالإسلام أو بالمسلمين، وإن مسلمي نيجيريا يدينون "الفعل الإجرامي"، ويطالبون بالإفراج عن الطالبات البريئات. وقال الشيخ مالاسا إن معلوماته تقول إن عدد الفتيات المختطفات 234 فتاة، تمكنت 30 منهن من الفرار، وبينهن مسيحيات ومسلمات. وأضاف: (يبدو أن المجموعة الخاطفة طلبت مفاوضة الحكومة للإفراج عن عناصر (بوكو حرام) المسجونين لدى الحكومة، ودفع فدية بقيمة 50 مليون نايرا (الدولار يساوي 150 نايرا)). واتفق مالاسا مع ما ذهب إليه أبو منقة في قوله إن "بوكو حرام" تعني (التعليم الغربي حرام)، وأوضح (البعض لا يعرف أن هذه الجماعة تضم في صفوفها مسيحيين أيضا، وهي نسخة شبيهة بجماعة (ماتا سينا) المتشددة في السبعينات، التي كانت تقتل بالطريقة نفسها"، مشيرا إلى أنها تضم متشددين من كل المشارب، ونشأت على أنقاض جماعة كانت تسمى (جماعة أهل الكتاب والسنة للدعوة والجهاد).