بقلم: صفات سلامة يعد العمل الجماعي بروح الفريق ، من أهم العوامل الحاسمة لتحقيق الأهداف ونجاح المهام في أي منظمة أو مؤسسة تطمح للإستجابة السريعة مع الظروف المتغيرة في عالم اليوم، فبيئات العمل متقلبة ومعقدة والمنافسات شديدة ومتزايدة في عالم الإقتصاد المعرفي وهناك حاجة مستمرة للإبتكار والإبداع. هذه الظروف والمتغيرات العالمية الجديدة أصبحت في حاجة ضرورية وأكثر من أي وقت مضى الى مزيد من العمل الجماعي والتعاون بين الأفراد داخل المؤسسات والمنظمات، لتحقيق الأهداف والطموحات المتميزة. وفي عالمنا العربي يمكن القول بأن غياب العمل بروح الفريق، من بين أسباب عجزنا عن إقامة أنظمة علمية أو سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية ناجحة بإنجازات ذات مردود عالي. فمن بين مشاكل البحث العلمي العربي على سبيل المثال، الإفتقار الى العمل بروح الفريق، فالباحثون يعملون وكأنهم في جزر منعزلة، فهناك أنانية مفرطة في البحث، والبحوث متكررة ومتشابهة الى حد كبير، فالتغيير فقط قد يكون في بعض متغيرات أو مصطلحات البحث، والهدف من غالبية هذه البحوث هو تحقيق ترقيات الباحثين، والنتيجة النهائية هي ضعف قيمة وجودة هذه البحوث وعدم مساهمتها في التنمية المجتمعية، كما أنها لا ترقى الى مستوى البحوث العالمية. في الدول المتقدمة نجد أن في الجامعات والمراكز البحثية هناك عالماً متميزاً يرأس مجموعة بحثية ويقود فريق من الباحثين، يهتمون بموضوع بحثي معين أو جزئية بحثية صغيرة، إلا أنها موضوعات وأفكار بحثية متميزة وجديدة في فكرتها وأهميتها للمجتمع وللعالم أجمع، والفريق البحثي يعمل نحو تحقيق هدف ومصلحة عامة وليس مصالح وأهداف فردية شخصية كما يحدث في عالمنا العربي، فغياب روح الفريق وتكرار البحوث من بين العوامل التي تهدد البحث العلمي لدينا، وكذلك عدم الدقة في إختيار قادة وأفراد الفريق البحثي، وعدم وضوح الأهداف، ففي الجامعات ومراكز البحوث العربية، قد يعمل الباحثون على أفكار ومشروعات بحثية متشابهة الى حد كبير، وقد يتم تمويلها بمبالغ طائلة، الأمر الذي يمثل هدراً للطاقات البشرية والموارد المادية. لقد أصبح العمل الجماعي بروح الفرق علماً مهماً في الدول المتقدمة، فمن خلاله يتم تعليم القادة أهمية وضرورة العمل كفريق لنجاح أهداف المؤسسة أو المنظمة، وكذلك كيفية تصميم وإختيار فريق العمل بعناية، لممارسة التفاعل بنجاح وكفاءة، وإدراك أن الفريق قد يتغير في أى لحظة، كما أن العمل الجماعي يسهم في تطوير مهارات التفكير المعرفي ومهارات الإتصال الفعالة بين الأفراد، كما يعمل على توسيع المعارف والخبرات بينهم، بحيث تتمكن المؤسسة أو المنظمة في النهاية من تحقيق أهدافها بنجاح، ففي مجال البحث العلمي يتم حالياً في الدول المتقدمة التعليم والتدريب على ديناميات العلاقات والعمل بفعالية بين الأفراد ضمن فريق بحثي، بإعتبارها من الأمور الأساسية للحصول على الدعم والتمويل اللازم لإجراء البحوث ولتحقيق النجاح، كما أن الفرق البحثية العلمية مفيدة أيضاً لتدريب الباحثين وطلاب الدراسات العليا المتميزين والطموحين للتعرف عملياً على أسس البحث العلمي وكيفية حلول المشاكل البحثية وكيفية تجنب المخاطر المتوقعة في البحث، فأهمية إختيار القائد البحثي والباحثين وتنظيم الباحثين في فرق بحثية بطريقة واضحة ودقيقة، وصياغة وتحديد أهداف الفريق بدقة وعناية، وأهمية أن يكون الباحث جزءاً وعضواً في فريق يعرف أدواره ومهامه جيداً، وكيفية التواصل والتعاون والتلاحم المتناغم مع الآخرين، والإستجابة السريعة مع الظروف المتغيرة، وتحديد وتوصيف المشاكل المتعلقة بالعمل والبحث وحلها بشكل جماعي، وكيفية الوصول لحلول إبداعية، وأفضل الطرق لتسهيل الإتصال بين أعضاء الفريق وإتخاذ قرارات سليمة ومستنيرة، وتقييم مدى نجاح أداء الفريق البحثي، وكيفية معالجة المسائل العلمية المعقدة التي تتطلب العمل من فرق بحثية متعاونة ومتعددة التخصصات، كلها أمور وقضايا ذات دلالة وأهمية بالغة في ممارسة البحث العلمي بنجاح وكفاءة، لتحقيق الإنجازات البحثية الرائدة وطنياً وعالمياً. لقد أصبح هناك ضرورة عاجلة في عالمنا العربي لغرس ثقافة وقيم وأخلاقيات العمل الجماعي بروح الفريق لتصبح نمطاً شائعاً في كافة مؤسسات ومنظمات وهيئات المجتمع، بإعتبارها أحد السمات والركائز الأساسية لتحقيق التميز والإنجازات الرائدة، وكذلك ضرورة توافر قاعدة بيانات عربية للبحث العلمي يتم تحديثها بإستمرار وتسهيل وصولها للعلماء والباحثين، وأهمية إنشاء هيئة عربية مستقلة للتنسيق بين الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية للتعرف على البحوث والأجهزة العلمية المتوفرة للإستفادة الجماعية منها، ولتجنب تكرار الموضوعات والمشروعات البحثية وتقليل الجهد البشري والإنفاق المادي على هذه البحوث المكررة، وضرورة تطوير نظم الترقيات الجامعية لأعضاء هيئات التدريس بحيث تتضمن معايير جديدة، مسترشدة في ذلك بالأنظمة الجامعية العالمية المتقدمة، بحيث تصبح البحوث في النهاية ذات قيمة وجودة قومية وعالمية. العمل الجماعي بروح الفريق، ضرورة تنموية ومحرك أساسي لتحقيق الإنجازات والآفاق الكبرى، ليس فقط في البحث العلمي، بل أيضاً في جميع أنظمة ومؤسسات وهيئات المجتمع.