إننا إذ نجتاز السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، نواجه عالما مغايرا يموج بالتحولات ويشهد طفرة غير مسبوقة في شتى مجالات العلوم والتقنيات وفي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على وجه الخصوص، صارت هذه الطفرة سمة من سمات عالمنا اليوم ومعلما رئيسيا من معالمه· يطرح هذا العالم متغيرات وتحديات جديدة، من بينها اتساع الهوة بين الدول المتقدمة والنامية في مستويات المعيشة والتقدم، وتزايد الفجوة بين دول الشمال والجنوب في مجال العلوم والتقنيات الحديثة، وتتمثل هذه الفجوة الآخذة في الإتساع أكثر ما تتمثل في ظاهرة الإنقسام الرقمي وتباعد المسافة بين العالمين المتقدم والنامي في تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، ويزيد من تعقيدات هذا العالم المغاير والمتحول ما يطرحه من مصاعب في مجال نقل التكنولوجيا المتقدمة للدول النامية، يمتد ذلك ليشمل مجالات العلوم والمعارف التي تشتد حاجتنا إليها في شتى ميادين الانتاج والخدمات كنظم المعلومات المتطورة فائقة السرعة والهندسة الوراثية والكيمياء الحيوية والعلوم ذات الصلة بالمستحضرات الطبية والصناعات الدوائية ومصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وغيرها· تصاحب ذلك صعوبات مماثلة في مجال بناء القدرات لكوادر الدول النامية، وتأهيل أبنائها لاستيعاب العلوم والتقنيات الحديثة في عصر يشهد إدراكا متزايدا لأهمية التنمية البشرية والإرتقاء بمستويات التدريب والأداء والقدرة على المنافسة كعنصر رئيسي لا غنى عنه في تقدم الدول· إن رأب هذه الفجوة الآخذة في الإتساع يطرح تحديا كبيرا ويلقي مسؤولية ضخمة على علماء العالم النامي وباحثيه، كما يضع على عاتق بلدنا ومؤسساتنا البحثية مسؤولية مماثلة في دعمهم لصاحبها مسؤولية موازية لصاحب كل فكرة علمية من أجل مواجهة تلك التحديات والتغلب على هذه المصاعب· فنحن في الجزائر لسنا بمعزل عن كل ما اكتشف واخترع في العالم، ولا نملك إلا مواجهة هذه المتغيرات، علينا أن نتفتح على هذا العالم وأن نتعامل مع ما يطرحه من تحديات ونغتنم ما يتيحه من فرص ومكاسب ونواكب تطوراته المتسارعة في شتى مجالات العلوم والمعارف، ونعزز استفادتنا من العلم والعلماء في جهودنا على طريق التنمية والتقدم تحقيقا لطموحات شعوبنا لمستقبل أفضل· إننا إذ نمضي على هذا الطريق بخطى ثابتة، نؤمن إيمانا راسخا بأن التنمية والتقدم لا يتحققان دون دور فاعل للعلم والعلماء والتفاعل المستمر بين مؤسسات البحث العلمي ومراكزها المتميزة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، والاستفادة من هذا التفاعل ونتاجه في حل مشكلات المجتمع وتحقيق طموحاته وغاياته· إن ضرورات رأب الهوة الآخذة في الاتساع بين العالم المتقدم والجزائر في مجالات العلوم والتقنيات وفي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في وقت أصبح فيه العلم والمعرفة يمثلان مجالا عابرا للحدود والقارات، ويوفران أرضية مشتركة لحوار الفكر والعقول المبدعة لصالح البشرية وتراثها الإنساني، فالجزائر اليوم في حاجة لعلمائها وباحثيها بما لديهم من إسهام تشتد الحاجة إليه في تطوير مجتمعنا وتحديثه وفي اقتحام مشكلاته بحلول خلاقة يتيحها التقدم العلمي والتكنولوجي الراهن، وهذا مما يوجب العمل على توسيع قاعدة البحث العلمي وتعزيز تعاونها في هذا المجال الحيوي مع دول الوطن العربي والعالم المتقدم ويتأسس هذا سعيا لتحقيق ذلك على عدد من الأسس والمنطلقات· أولا: وضع سياسات واضحة لدعم البحث العلمي بحسب ظروف البلاد ومشاركة العلماء أنفسهم في صياغة التكنولوجيا من دول العالم المتقدم في إطار التعاون بين العلماء أنفسهم في صياغة وتطوير هذه السياسات· ثانيا: الاهتمام بتنمية الموارد البشرية وتطوير مناهج التعليم في فروع الرياضيات والعلوم المتقدمة وإرساء قيم ومبادئ ومفاهيم البحث العلمي ومناهجه الأكاديمية· ثالثا: العناية بإنشاء مؤسسات بحثية جديدة ومتميزة تتمتع بالاستقلالية ودعم المؤسسات البحثية القائمة بما يضمن لها التطور وملاحقة الجديد في شتى مجالات العلوم والمعرفة· رابعا: تعزيز التعاون بين الدولة ومؤسسات القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني في تمويل البحث العلمي واعتماد سياسات للتمويل تتأسس على المشاركة وتضع نتاج مراكز البحث العلمي في خدمة المجتمع وشتى مجالات الانتاج والخدمات· خامسا: توفير المناخ الدولي المواتي للدول النامية في مجال نقل التكنولوجيا من دول العالم المتقدم في إطار التعاون بين الشمال والجنوب والتعاون بين الدول النامية بعضها البعض· ولتحقيق هذا كله لا بد من جهود ضخمة ومتواصلة لدول العالم النامي ومن دوله الجزائر، خاصة وأننا نتطلع لمزيد من دعم شركائنا الدوليين من أجل تعبئة المواد المالية ونقل التكنولوجيا المتقدمة هذا مع سعينا لنظام دولي يعي أهمية تضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، إلا أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتقنا وعلينا أن نثبت قدرتنا على النهوض بها، وعلى الجزائر اليوم أن تعمل على تعزيز التعاون بين الجنوب جنوب في شتى المجالات بما في ذلك مجال العلوم والبحث العلمي وأولت اهتماما لتطوير التعاون في تكنولوجيا وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي· هذا مع المضي في تعزيز التعاون مع العالم العربي وفي إفريقيا ومع الدول النامية على اتساع العالم والاستمرار في تعزيز الإمكانيات المتوفرة في جامعاتنا كي تواصل دورها في تحقيق هذه الغاية المهمة والسامية، إن أمام جامعاتنا دورا مهما في تحقيق تلك الغاية، فقد شهدت الجامعة الجزائرية تطورا متواصلا منذ نشأتها وصارت مؤهلة للإضطلاع بهذا الدور بذخيرتها من أبناء الجزائر ونحن كجزائريين على ثقة في قدرة الجامعة الجزائرية على مواصلة عطائها تعزيزا لقاعدة البحث العلمي في الجزائر وإسهاما في جهودنا على طريق تنمية وتطوير مجتمعنا، فالجزائريون لا زالوا على ثقة في قدرة جامعتنا على مواصلة عطائها تعزيزا لقاعدة البحث العلمي في بلدنا واسهاما في جهودنا على طريق تنمية وتطوير مجتمعنا، وصنع الغد الذي نتطلع إليه والمستقبل الأفضل الذي نبنيه للأبناء والأحفاد·