كسفت الشمس يوم مات سيدنا إبراهيم ابن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، كان عمره أقل من عامين بقليل، فقال الصحابة كسفت الشمس لموت ابن النبي، فقال عليه السلام: (الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته). لكنه بكى صلى الله عليه وسلم، كما لم يبك أحد من قبل.. بكى ليعلمنا أن البكاء على الراحلين رحمة من الله. كان عبد الرحمن بن عوف قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أو لم تنه عن البكاء)؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيت عن النياحة ونعت الميت بما ليس فيه). بكى النبي ولده، وقال: (إنما البكاء رحمة، ومن لا يرحم لا يرحم). كان سيدنا إبراهيم قد أسلم روحه وهو في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.. (يا إبراهيم لولا أنه أمر الحق لحزنا عليك حزنا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب) .. قام سيدنا النبي صلى عليه ثم دفنه وسوى تربته بيديه الكريمتين. ولما أصيب سيدنا جعفر وأصحابه دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيته وطلب أولاد جعفر، فشمهم واحدا واحدا وعيناه تدمعان، فقالت زوجته أسماء: بأبي وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: (نعم أصيبوا هذا اليوم)، فقالت أسماء: فقمت أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول واعماه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (على مثل جعفر فلتبك البواكي). حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر منتصرا، كان الحزن يخيم على بيت ابنته السيدة رقية؛ فقد توفيت ولها من العمر اثنتان وعشرون سنة.. التقته فاطمة على الباب، فطلب إليها أن تصحبه إلى قبرها. وقف صلى الله عليه وسلم أمام قبرها صامتا. أما فاطمة فقد جلست أمام القبر تبكى.. فجلس الرسول إلى جوارها على ركبتيه واحتضنها ولم يُدر كم من الوقت مر عليهما وهي تبكى وهو، صلى الله عليه وسلم، يمسح دموعها بطرف ثوبه. موقف آخر، لما توفيت السيدة رقية حزن زوجها سيدنا عثمان حزنا شديدا وكان دائم البكاء عليها. قال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن رآه يبكى رقية (إن الله يأمرني أن أزوجك أختها، والذي نفسي بيده لو أن عندي مئة بنت يمتن واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى حتى لا يبقى بعد المئة شيء). فزوّجه صلى الله عليه وسلم السيدة أم كلثوم التي عاشت مع أبيها أياما صعبة.. فقد ماتت أمها السيدة خديجة بين أحضانها وشهدت أباها وهو يدفن أمها بنفسه ويعود إلى بيته محزونا. وفاة السيدة أم كلثوم مرت أيام شديدة عانت فيها السيدة أم كلثوم من الحصار والجوع الذي فرضته قريش بقسوة وضراوة على المسلمين عام الحزن..كانت تستقبل أباها صلى الله عليه وسلم يوميا، وعلى جسده ندوب المعركة وعلى ثيابه الطاهرة آثار ما كانت تلقيه عليه قريش من قاذورات؛ ذات يوم دخل إلى البيت بعد أن نثر فوق رأسه الشريف أحد سفهاء قريش ترابا، فأقبلت أم كلثوم تغسل عنه التراب، وهى تبكي فقال لها صلى الله عليه وسلم: (لا تبكى يا بنية إن الله مانع أباك). يوم وفاة أم كلثوم جلس سيدنا النبي أمام غرفة الغسل يوجه من خلف الباب النسوة اللاتي يغسلنها، طلب منهن أن يغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا بماء وشيء من الكافور، وطلب أن يبدأن بميامنها ومواضع السجود منها، ولما فرغن مد يده وناولهن الكفن الذي كان يحمله. واراها الثرى إلى جوار شقيقتها رقية، ثم وقف أمام القبر بدموعه يحمد الله على ما أعطى وعلى ما أخذ.