التبليغ عن جرائم الاغتصاب لا يتجاوز 10 بالمائة تسجل الجزائر يوميا أكثر من حالة اغتصاب تذهب ضحيتها نساء تتراوح أعمارهن ما بين 15 و45 سنة، أرغمن على الممارسة الجنسية تحت طائلة التهديد أو الضرب والإكراه... فقضايا الاغتصاب التي قلما كنا نسمع عنها تحوّلت إلى ظاهرة وتفشت بشكل أثار انتباه الأخصائيين وأسال الكثير من الحبر حول الأسباب التي غيرت من سلوكيات الجزائري، وضاعت الحقيقة بين اتهام الفتيات بالعري والاستفزاز وبين تخلي الرجل الجزائري عن شهامته. حسيبة موزاوي إذا تجولت في شوارع العاصمة، تجد الكثير من الفتيات ضحية هذه الجريمة البشعة التي تبدأ بالتحرش الجنسي وتنتهي بالاغتصاب والإرغام حتى لو كلف ذلك حياتها، وأدى بها إلى الموت لو رفضت أن ترضخ لهذا العمل الوحشي للدفاع عن نفسها وشرفها، حيث أضحت الفتيات يسقطن كفرائس بهدف انتهاك أعراضهن هذا ما دفعنا للبحث عن من خضن تلك التجربة البشعة من بنات حواء، ولم يكن الأمر بالشيء الهين خاصة وأنهن يفضلن التزام الصمت وكبت أسرارهن خوفا من انتشار فضيحتهن وسط مجتمع لا يرحم، إلا أننا توصلنا لبعض الحالات بعد زيارتنا لمكاتب المحامين والعيادات النفسية والجمعيات، حيث باتت تلك الأماكن تستقبل عددا كبيرا من النساء اللواتي يهدفن لاسترجاع حقوقهن واثبات براءتهن أو أردن التخلص من مشاكلهن النفسية بعدما تعرضن للاغتصاب بالإكراه. "سعاد" ضحية اغتصاب جماعي شقاء سعاد من تجربة الاغتصاب الذي تعرضت له لم يكن أمرا هينا، حصلت على الطلاق قبل سنة، بعد زواج لم يدم سوى ستة أشهر، وعادت للعيش في بيت والديها والعمل في البيوت كخادمة لتوفير لقمة العيش لأسرتها. غادرت في وقت متأخر في إحدى ليالي الصيف الماضي عملها بعد أن تأخرت في حفل في البيت الذي كان تشتغل فيه، لم تنتبه إلى السيارة التي كانت تلاحقها، وعندما أحست بذلك ترجل شابان بسرعة من السيارة وأمسكا بها، أغلق أحدهما فم سميرة بقوة لكي لا تصرخ وأدخلاها على الفور إلى السيارة التي غادرت الحي بسرعة، لتحكي سعاد ل (أخبار اليوم) (اغتصبوني بوحشية ولم أتعرف على أي واحد منهم لأنهم كانوا ملثمين، ظللت أبكي بلا توقف طيلة أسبوع، لأزور طبيبا نفسيا وصف لي أدوية مهدئة وباشرت التبليغ عن الحادث لدى السلطات الأمنية). شاع الخبر في الحي عن حادث الاغتصاب الجماعي، وبدأت أعين الجيران تراقب بصمت سعاد وأفراد أسرتها، وعيونهم تحمل الأسى لمصابها، تعترف سعاد بخيبة (لا أنكر أن عائلتي وقفت إلى جانبي في محنتي، وهو ما لم أكن أتوقعه أبدا، لكنني أحس دائما بأنني ملوثة وأكره النظر إلى الرجال مرة أخرى). فكرت سعاد في الاتصال بإحدى الجمعيات المتخصصة في رصد حالات العنف ضد النساء بالدار البيضاء لعرض قصتها، لتلتقي بالعديد من السيدات اللواتي تعرضن للاغتصاب مثلها وتتعرف عليهن، تتابع قائلة (انطفأت نار الانتقام من الجناة في نفسي تدريجيا عندما أتيت إلى الجمعية، مازلت أمشي مطأطأة الرأس في الحي لكنني على الأقل استعدت ثقتي في نفسي، بعد أن وجدت فرصة شغل في مصنع للأقمشة). وطور مركز طبي هولندي نوعا جديدا من العلاج الجماعي لضحايا الاعتداءات الجنسية، ويهدف النوع الجديد من العلاج الذي يحمل اسم (ستيبس) إلى تقليل أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بين المراهقات اللاتي وقعن ضحية للعنف والاغتصاب. وتدور فكرة العلاج حول إتاحة الفرصة للفتيات لتبادل خبراتهن المتعلقة بتلك المواقف مع الفتيات الأخريات في مجموعات صغيرة لا يزيد عدد المشتركات فيها عن أربع فتيات. ويقول الباحثون إن الفتيات يستفدن من تبادل خبراتهن المتعلقة بتلك المواقف مع نظيراتهن اللائي مررن بمواقف مماثلة، كانت سعاد تدرك جيدا أن حياتها ستتغير بعد الاغتصاب وأن تجاوزها لآثار الحادث سيتطلب وقتا طويلا. لم تعد سعاد تفكر في الانتحار، كما في السابق، ولم تعد فكرة الزواج مرة ثانية ضمن مخططاتها المستقبلية، لأنها تعتقد أنها عاجزة عن الدخول في علاقة جسدية، حتى لو كانت في إطار شرعي، (لا يمكنني أن أغير ما حصل لي لأن الأمر كان مقدرا، ابتعدت كثيرا عن مخالطة الناس رغم أنني كنت إنسانة اجتماعية في الماضي، لا أفكر الآن سوى في كيفية التعايش مع ما جرى لي). البداية غرام والنهاية كابوس ريمة فتاة اتخذت من العلاقات الغرامية هدفا لها لاستغلال الشباب مستغلة شبابها وجمالها وإقبال الرجال عليها، فكانت تدفعهم رغم صغر سنها لتقديم أغلى الهدايا لها من ذهب وهواتف محمولة، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة، لأن تعدد العلاقات الغرامية دفع أحد ضحاياها إلى الانتقام منها لأنها تلاعبت بعواطفه ومثلت عليه الحب ووعدته بالزواج فاغتصبها انتقاما لرجولته ولقلبه المكسور، حدث كل ذلك لريمة وهي لا تتجاوز ال23 سنة وهي طالبة في أحد معاهد العاصمة، تعترف بأنها كانت مخطئة في حق نفسها وفي حق من مثلت عليهم وابتزتهم بغرورها، فلم تقدم أي بلاغ ضد الجاني واعتبرت ما حدث لها درسا لا يمكن أن تنساه، درسا منحها التوبة أخيرا لكن بعد فوات الأوان. وتعترف ريمة أن الكثيرات من بنات جيلها من المثقفات استسهلن العلاقات الغرامية التي تتيح لهن الخروج والتمتع والحصول على الهدايا دون أن يخسرن شيئا، لكن النهاية ليست دائمة كما يتصورن، فالكثيرات حدث لهن ما حدث لي وهو أمر عادي تماما كما يحدث إن وضعت البنزين أمام النار، وهو ما تدركه الفتيات مؤخرا وبعد فوات الأوان. وتذكر ريمة قصة صديقتها نوال التي أدمنت الحياة السهلة التي وفرها لها أحد أصدقائها وهو أرمل يفوقها بست عشرة سنة، كان يعرض عليها زيارته في بيته لقضاء وقت ممتع، وقد أشعرها بالأمان حتى استكانت له وصارت لا تمانع زيارته في أي وقت، إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان ولم يكن بإمكانها التقدم بشكوى أو اتهامه باغتصابها لأنها كما يقول المثل الشعبي (اللي جابوه رجليه الحديد ليه).. هذه نماذج مما يحدث في المجتمع اليوم لم نكن نسمع عنها من قبل، ومن المؤكد أن كل من يقرأ هذه السطور أو يسمع عنها يدرك حتما أنها نتاج تأثير الفضائيات ليس الغربية فحسب بل العربية قبلها بما تعرضه من سموم ونماذج عن العلاقات الغرامية والزواج والعري وما إلى ذلك من الأفكار الدخيلة على مجتمعنا. لكن واقع الاغتصاب في مجتمعنا لم يعد يمس مثل هذه النماذج وهو الأخطر، لأن الضحايا صرن من القاصرات والمحصنات وربات البيوت اللواتي لا يد لهن في ما حدث لهن وما تعرضن له، وذلك لتغيرات عدة طرأت على مجتمعنا في السنوات الأخيرة سهلت تفشي الظاهرة كالعامل الأمني، الاقتصادي والعادات الدخيلة على مجتمعنا وكذا بعض الآفات كتعاطي المخدرات. التكتم درءا للفضيحة ليس حلا ومن جهته قال (رشيد.ب) أستاذ الطب الشرعي (التكتم يشجع الجاني على تكرار الاغتصاب)، حيث أرجع الأستاذ في الطب الشرعي (رشيد .ب) تفشي ظاهرة الاغتصاب إلى عدة أسباب أهمها انعدام ثقافة العلاقات الجنسية في مجتمعنا، واعتبر أن عدم التبليغ عن الحالات من أهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم التحكم في الظاهرة والسيطرة عليها لأنها تضاعف من معاناة الضحايا وتتيح للجاني الإفلات من العقاب وبالتالي تكرار مثل هذه الاعتداءات، كما أن الحالات المسكوت عنها تجعل من المستحيل الإلمام بكل المعطيات لرصد الظاهرة. وسلط أستاذ الطب الشرعي الضوء من خلال تحليله للظاهرة على التفكك الأسري، مؤكدا على أن الفتاة التي تعاني من طلاق والديها تصبح هشة وأكثر عرضة للاعتداء، كما أن افتقادها للتوازن يجعل منها فريسة سهلة. وذكر أن الجناة والمعتدين اليوم يستخدمون وسائل مبتكرة لم نكن نسمع عنها من قبل مثل وضع الحبوب المنومة في الشاي أو المشروبات. مشيرا إلى أن الجاني للأسف يكون أحيانا من أقرب المقربين ومن المحارم كالأب والأخ أو العم أو الخال والنماذج صارت أكثر من المعتاد، ما يشير إلى وجود خلل في مجتمعنا اليوم يثير أكثر من تساؤل ويدعو إلى الدراسة المعمقة وتكاثف الجهود للتصدي لها. نفسانيون: "أسباب عديدة وراء الظاهرة" كما أشارت الأخصائية النفسانية (زهرة فاسي) إلى أن التصريح بالاغتصاب لا يمثل سوى 10 بالمائة من الواقع، حيث أرجعت الأخصائية النفسانية زهرة انتشار الاغتصاب في مجتمعنا إلى التغيرات التي طرأت على المجتمع في السنوات الأخيرة كالعوامل الأمنية والاقتصادية والغزو الثقافي الذي طرأ على على المجتمع، والجديد في الظاهرة اليوم أن فئة المتورطين من الجامعيين والأساتذة ولم تعد تخص الفئة الأمية، وأضافت أن إحصاءات الاغتصاب للأسف لا تمثل سوى 10 بالمائة من الواقع، ذلك لأن هذا الطابو مسكوت عنه من طرف أغلبية الضحايا خوفا من العار والفضيحة وقليلا ما تظهر الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها إذا ما اقترنت بجرائم أخرى خاصة القتل أو التعذيب والتنكيل أو الحبس بالإكراه مما يفضح حتما الحادث. وأكدت الأخصائية بأن المغتصب في أغلب الأحيان يملك مواصفات نفسانية معينة كالعدوانية أو دافع الانتقام من المرأة أو أنه يعاني من خلل نفسي أو اضطرابات وفي الكثير من الأحيان يكون المغتصب من مدمني المخدرات. وتضيف الأخصائية الجديد في ظاهرة الاغتصاب أنه لم يعد يقتصر على الفتيات المستهترات أو اللواتي تتهمن دوما بأنهن السبب المباشر أو غير المباشر في حدوث الاغتصاب، بل صارت تمس حتى ربات البيوت والطالبات الجامعيات، لذا من الخطأ تجريم الضحية لأي سبب كان لأن الضحية هي ضحية مهما كانت والجاني هو المذنب ولا يجب أن نعطيه الأعذار على جريمته. وأضافت أنه قد حان الوقت ليغير المجتمع نظرته وإدانة المجرمين الذين يهتكون أعراض المحصنات والقاصرات وعدم اعتبار من وقعت ضحية مجرمة أو شريكة فيما حدث، لأن الاغتصاب أعمى وأغلب الضحايا لا يعرفهن الجناة. وأكدت أن ظاهرة الاغتصاب نتيجة طبيعية لانتشار القنوات الفضائية الإباحية وقنوات الكليبات العارية. وقالت إنه ينبغي الالتفات إلى أن أكثر جرائم الاغتصاب تتم في المناطق العشوائية، وهو ما يدل أيضاً على أن الكبت النفسي والعيش في مجتمعات عشوائية خارجة عن القانون، كالأحياء القصديرية التي ذاع صيتها مؤخرا بضواحي العاصمة والتي تعيش فيها النساء وحيدات دون حماية وهو أحد الأسباب القوية لشيوع ظاهرة الاغتصاب، كما أن للعنوسة والعزوبة التي صارت واقعا لا يمكن الهروب منه دور في انتشار مثل هذه الظواهر التي تنم عن مرض المجتمع وفقدان أفراده للتوازن. وصمة العار تلاحق الفتاة دون الشاب لتبقى المرأة منتهكة الحقوق خاصة أن وصمة العار تظل مرسومة على جبينها، بينما يقضي الجاني عدة سنوات بالسجن دون أن يدينه المجتمع وكأنه لم يرتكب شيئا، في حين تظل من انتهك عرضها منبوذة ومرفوضة بمجتمع لايرحم من فقدت شرفها حتى وإن كان تحت وقع الإجبار، خاصة أن أغلب من يتعرضن للاغتصاب يفضلن عدم إيداع شكوى خوفا من انتشار الفضيحة، فيتحملن مسؤولية تثقل كاهلهن كما تدمر مستقبلهن الاجتماعي خاصة أن أغلب من انتهكت أعراضهن يفضلن إخفاء فضيحتهن خوفا من وصمة العار.