80 بالمائة منهم قاصرات في عمر الزهور شهدت المحاكم الجزائرية مؤخرا ازديادا رهيبا في القضايا المتعلقة بالاعتداء على القصر من الجنسين، وتحريض الفتيات القاصرات على الدعارة، خاصة منهن الهاربات من البيت، سواء عن طريق العنف أو الأغراء، وفي هذا الصدد ستعالج محكمة جنايات العاصمة في دورتها المقبلة بداية جانفي المقبل 20 قضية كاملة من هذا النوع، تورط فيها 25 متهما، وسيمثل 14 متهما غير موقوفا للمحاكمة. * ويواجه المتورطون في مثل هذه القضايا تهما تتعلق بممارسة وتحريض قاصرات على ممارسة الدعارة، وحجز شخص بدون إذن من السلطات المختصة متبوع بالتعذيب، واستدراج القاصرات لاحتراف الدعارة تحت الإكراه والعنف. والغريب في الأمر أن غالبية القاصرات المتورطات في هذه القضايا هاربات من بيوتهن لأسباب متنوعة مما يعرضهن للاستغلال من طرف شبكات الدعارة، حالهن يشبه المستجير من الرمضاء والعطش بالنار، وتجدر الإشارة إلى أن قضايا الاعتداء على القاصرات وتحريضهن على ممارسة الفعل المخل بالحياء تعالج على مستوى محاكم الجنح والجنايات في جلسات سرية، حفاظا على سمعة الضحايا وحتى المتهمين، وهو الأمر الذي يجعل تفاصيلها تغيب عن الرأي العام، وبالتالي تدفن حيثياتها، وهو أمر يساعد على انتشار مثل هذه الآفة في المجتمع، في حين لو كانت القضايا تعالج على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام لاتعظ كثير من المتهمين وأيضا لاحتاطت العائلات الجزائرية بدل الغفلة التي تغط فيها. *
* العلاقات الغرامية ..بداية الانحراف * حسب القضايا المعالجة في المحاكم فإن القاصرات عادة ما تتورطن في علاقات غرامية مع شباب بالغين، وتحت وطأة هذا الحب يتم جرهن لامتهان جرائم مختلفة على غرار السرقة، تعاطي المخدرات، وأخطرهن الدعارة، والأمثلة كثيرة نذكر منها إقدام فتاة قاصر لا يتعدى سنها 15 سنة على سرقة جدتها بتحريض من أشخاص كانت تتردد رفقتهم على أماكن مشبوهة، والقضية تعود حيثياتها إلى نهاية السنة المنصرمة، أين سرقت القاصرة (ق،م) مفاتيح بيت الجدة، وتوجهت نحو شقتها، وسرقت مجوهرات تقدر قيمتها ب14 مليون سنتيم، لتتفطن الضحية للأمر وأودعت شكوى لدى مصالح الأمن الحضري الثاني بالعاصمة، متهمة حفيدتها بالسرقة، ليتم توقيف القاصرة في شهر فيفري 2010، وقد اعترفت بالجرم مصرحة بأن الشابين (ب،أ) و(م،م)، تلاعبا واستغلا صغر سنها، حيث كانا ينقلانها إلى أماكن مشبوهة، وأضافت بأنها سلمت المجوهرات لامرأة تعرفت عليها لبيعها، وقد أدانت محكمة حسين داي الشابين بعامين حبسا نافذا عن تهمة السرقة واستغلال قاصر، في حين تم تبرئة ساحة الفتاة التي حاولت الهروب من بيت جدتها بعد الفضيحة. * وفتاة أخرى من رويبة لا تتعدى السابعة عشر وقعت في حب شاب يفوقها سنا، يقطن بشارع ديدوش مراد، وكانت القاصرة تهرب من مقاعد الدراسة لغرض الالتقاء بخليلها، وترافقه إلى أماكن خالية على غرار حظائر السيارات المهجورة ومقطورات السكك الحديدية المهجورة، إلى أن فقدت عذريتها وهي لا تزال قاصرا، وحتى في الجلسة كانت تبدو غير مبالية أو واعية بخطورة ما أقدمت عليه، لدرجة أنها ردت على صديقها لما قال للقاضي بأنه كان يأخذها للسيارات المهجورة فقط ليقبلها، وهذا لينكر تهمة اغتصابها، فقد قالت للقاضي وبكل جرأة "لو كان يريد تقبيلي فقط، لقبلني أمام الناس فالجميع يفعل هذا الآن وعلنا"، وقد تم إدانة الشاب بالسجن النافذ، وأما الفتاة فقد رفضت العيش مع أهلها واختارت الشارع، قضايا أخرى حيث تغامر القاصرات بالتعرف على شباب في الشوارع والأسواق ويرافقونهم إلى أماكن خالية وشقق فارغة، وهناك تكتشف الفتاة بأن الشاب اتصل بأصدقائه، ليتم الاعتداء على الفتاة جماعيا. * فيما يتعرض قصر لا يتعدون العاشرة من عمرهم ومن الجنسين إلى اعتداءات جنسية من بالغين وكهول على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، ففي قضية عالجتها محكمة سيدي أمحمد، حيث اعتدى شاب في الثلاثينات من عمره على فتاة في الرابعة من عمره، حيث استدرجها إلى محله التجاري ومنحها حبة حلوى ثم مارس عليها شذوذه الجنسي، وهو الأمر الذي أخبرته الفتاة لوالدتها ليتم إيداع شكوى لمصالح الأمن، وقد أصيبت الفتاة برعب شديد عندما امتثل المتهم أمام المحكمة، لدرجة أنها حاولت الهرب، ليهدئها محاميها ووالدتها، وفي قضية أخرى أودع قاضي التحقيق بمحكمة بوفاريك ثمانية أشخاص الحبس المؤقت بعدما أقدموا على تكوين جماعة أشرار واختطفوا فتاة قاصرة، ثم تداولوا على اغتصابها. وحسبما علمته الشروق من مصادر مؤكدة فإن الفتاة الضحية تدعى (ب، ش) من مواليد 1992 خرجت يوم الوقائع من مسكنها الكائن ببابا علي بحثا عن وظيفة، لكنها تفاجأت بثماني أشخاص خطفوها واقتادوها بالقوة إلى منزل مهجور وبعيدا عن الأعين، أين تداولوا على ممارسة الفعل المخل بالحياء وبالقوة على الضحية، لكن الأخيرة تمكنت من الإفلات من قبضتهم وإبلاغ الشرطة، وإثر الشكوى تحركت مصالح الأمن وشنت حملة مكثفة تمكنت إثرها من توقيف جميع المعتدين وإحالتهم للتحقيق لحين تكييف تهمتهم. *
* زنا المحارم دافع آخر لهروب الفتيات من بيوتهن * "ن ر" فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها هربت من بيتها بعدما حاول أبوها الإعتداء عليها جنسيا بالتواطؤ مع أمها، مما جعل الفتاة تهرب إلى الشارع للنجاة من وحشية ولديها، وهناك صادفت ذئابا جائعة تلقفتها، وتسببت في حملها بطفلة غير شرعية ...ولكم أن تتصورا مستقبل هذه الفتاة في مجتمع لا يرحم، هي قصة ليست من نسج الخيال بل واقع أسود مرير تعاني منه مئات الفتيات الجزائريات في صمت مرير، هذه الفتاة اتصلت ولجأت بعدما ذاقت بها السبل إلى جمعية المرأة في اتصال المتواجد مقرها بساحة أول ماي بالعاصمة، والتي ترأسها السيدة نفسية لحرش التي أكدت أنها تحاول حاليا إعادة الثقة لهذه الفتاة ورعاية ابنتها، المتحدثة أكدت أن ظاهرة هروب الفتيات من منازلهن في الجزائر أخذت أبعادا خطيرة تتطلب ضرورة مضاعفة تحسيس الأولياء والأسر التي تبقى المسؤول الأول عن انتشار هذه الظاهرة، وقد صادفت السيدة لحرش عددا معتبرا من الإتصالات والحالات لفتيات هربن من منازلهن لأسباب تنوعت بين قسوة الوالدين والتعرض للتحرشات الجنسية من طرف الأقارب أو أحد أفراد العائلة، ومن أكثر الدوافع للهروب من البيت هو وقوع الفتاة في خطأ معين مثل الخروج مع عشيق وماشابه ذلك، ومع اكتشاف العائلة لهذا الخطأ أول ماتفكر فيه الفتاة هو الهروب من البيت، خوفا من رد فعل عائلتها، فجرائم الشرف بدأت بدورها ترتفع بسبب ارتفاع ظاهرة التحرش والمعاكسات وحتى العشاق .. *
* 80 بالمائة من الفتيات يهربن دون سن 17 سنة * أكدت رئيسة شبكة وسيلة للدفاع عن المرأة السيدة رقية ناصر أن غالبية الحالات التي صادفتها تتعلق بفتيات هربن من منازلهن في سن المراهقة؛ حيث تتميز الفتاة في هذا العمر بالعاطفة الشديدة والتهور وعدم التقدير الحسن للأمور، وتتميز أيضا بالاندفاع والحيوية والطموح ورفض القيود، لذا فإن الفتاة تعيش حياة حالمة إلى أن تصطدم بالمجتمع البعيد عما تحلم به، وتكون النتيجة إما أن تعيش في عزلة عن ذاتها أو تنجرف بأشكال مختلفة من الهروب النفسي، ويظهر عندما تكون العلاقة بينها وبين أسرتها غير متوافقة لعدة أسباب منها تدني المستوى التعليمي لدى الأسرة وسيادة التفكير القائل إن الفتاة لها دور معين لا يجوز تجاوزه، وأضافت أن التفكك الأسري هو أول دافع للجوء الفتاة إلى الشارع وانتشار ظاهرة تشرد الفتيات وتعرضهن للاستغلال من شبكات الدعارة التي تعرض عليهم خدمات المبيت وأجور شهرية مغرية مقابل امتهان الدعارة، وفي هذا الإطار أكدت المتحدثة أنها استقبلت فتاة هربت من منزل زوجها الذي طردها لأنها أنجبت فتاة وهي اليوم متشردة في محطات نقل المسافرين بالعاصمة رفقة طفلها، كما استقبلت فتاة مراهقة هربت من منزلها بعدما رصدها أخوها الكبير مع عشيقها، مما دفعها إلى الهروب، وتقول السيدة رقية ناصر أن هذه الظاهرة تنتشر وسط فراغ رهيب لدور الأسرة وتراجع دور الجمعيات النسوية، وأكدت أنها صادفت أيضا عددا معتبرا من الفتيات الجامعيات اللواتي هربن من منازلهن بسبب العنف الأسري وإرغامهن على الزواج من رجال يكبرهن سنا، وفي هذا الإطار قالت إن شبكة وسيلة نشرت منذ أسبوع مؤلفا جديدا أطلقت عليه عنوان "الكتاب الأسود" يحمل عدد كبير من القصص المأساوية لفتيات تلقفهن الشارع بعدما حرمن من حنان العائلة. *
* الفراغ العاطفي من أكثر مسببات الهروب من البيت * ترى السيدة شائعة جعفري رئيسة المرصد الجزائري للمرأة أن معاملة الآباء القاسية لبناتهم تحديدا قد تكون من أهم الأسباب التي تدفعهم للبحث عن متنفس أو مخرج بعيدا عن التسلط والقسوة والإساءة اليومية التي تمارس ضدهن لأتفه الأسباب، وبالتالي فإن أي شاب يُجيد التغزل بكلمتين جميلتين يستطيع بهما أن يؤثر تأثيرا سريعا في تلك الفتاة التي تعيش في ذلك الجو، وتؤكد أن الأسر تضغط على فتياتها كي يتزوجن من رجال في سن متقدمة، وهن لسن مقتنعات بهذا الزواج، وأمام إصرار الأهل تندفع الفتاة للهرب بعيدا عن هذا المناخ الذي تنتفي فيه حرية الرأي، وتسود فيه سياسة فرض الأمر الواقع، وثقافة الفرض والإكراه، وهي بهذا تحاول أن تبحث لنفسها عن مخرج من النفق الذي أوقعها أهلها فيه، فتقع بدورها في العديد من الأنفاق، لأن الحياة مليئة بالذئاب والانتهازيين، الأمر الذي يجعلنا نطالب الأهالي دائما بضرورة توخي الهدوء وإعمال العقل وإقامة جسور الحوار بينهم وبناتهم لأن الضغط يوّلد الانفجار وقد يدفع إلى ما لا تحمد عقباه. *
* رفيقات السوء والعلاقات العاطفية أسباب الظاهرة * وأوضحت الأخصائية النفسية "لكحل فتيح" أن عددا من الأسباب تدفع الفتاة المراهقة للهروب من المنزل أولها انعدام التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وبين الأسرة والفتاة، وذلك بسبب المشاكل الأسرية، أيضا التربية الصارمة التي ينتهجها كلا الوالدين أو أحدهما كالاعتداء اللفظي بكثرة التوبيخ أو البدني بالضرب أو الجنسي، ويندرج تحت مفهوم التربية، الاعتدال في التربية وعدم التفرقة بين الأبناء وإشاعة سياسة الثواب معنويا بالمدح أو التشجيع أو المكافأة المادية، ومن الأسباب أيضا رفيقات السوء اللائي غالبا ما يحتكمن إلى القوانين التي تحكم الجماعة أي بالمفهوم العام أكثر حالات الهروب وأوضح الأخصائي "أحمد بوعلي"، وهو أستاذ بقسم علم النفس، كذلك تكوين العلاقات العاطفية التي يكون منشأها نتيجة الحرمان العاطفي الذي تعانيه الفتاة في أسرتها سواء من الأب أو الأم، فالمراهقون بشكل عام يحتاجون في هذه المرحلة العمرية إلى إشباع تام في هذه الجوانب من قبل الوالدين ومن العوامل المسبِّبة لهروب الفتاة أيضا إجبار الفتاة على الزواج بالإكراه من شخص لا ترغبه، وهذا الأمر قد يدفع الفتاة للانتحار أيضاً.