إعداد: بلقاسمي ف/الزهراء جاء في تقارير حديثة أصدرها بالتزامن كل من الدرك الجزائري والمعهد الجزائري للصحة، أنّ تحقيقات ميدانية سجلت أكثر من 53 حالة اعتداء جنسي خلال ال8 أشهر المنقضية. وتتوزع هذه الاعتداءات بين أفعال مخلة بالحياء، جرائم اغتصاب، شذوذ جنسي، زنا محارم، إضافة إلى هتك أعراض قاصرين من الجنسين. وحسب تصريحات عدد من المحققين ممن اشتغلوا على قضايا اعتداءات جنسية، فإنّ مرتكبي الجرائم المذكورة هم عصابات منظمة تقوم بتنويم ضحاياها بمواد سائلة يتم حقنها في مشروبات معلبة، قبل الاعتداء عليهم جنسيا، كما لم يكتف المعتدون بجرائمهم، بل امتهنوا التجارة الجنسية من خلال ابتزاز الضحايا بنشر صور فاضحة لهم، وترويجها بواسطة تقنية البلوتوث، أو على شبكة الانترنت، إن لم يدفعوا أموالا ضخمة. ويقول خبراء اجتماعيون إنّ الجامعيات والعاملات في مختلف المصالح الإدارية هنّ أكثر الفئات تعرضا للعنف الجنسي، بسبب وقوع المئات منهنّ ضحية للتحرش خلال رحلة بحثهن عن وظيفة. وتشير الإحصاءات المتوفرة لدى مصالح الأمن إلى أن 80 بالمائة من حالات الاعتداء الجنسي كان أبطالها من المحارم، آباء اعتدوا على بناتهن، بينما البقية تورط فيها أشقاء الضحايا أو أحد الأقارب. وفي وقت يشدّد أكثر من طرف على أنّ الآفة وتوابعها دخيلة وبعيدة كل البعد عن شيم المجتمع الجزائري، يذهب متابعون إلى أنّ جريمة زنا المحارم متفشية، لكن تكتم الضحايا خوفا من الفضيحة يجعل مداها الحقيقي مجهولا، فيما يركّز مختصون على افتقاد الضحايا لأي تكفل نفسي، رغم معاناة القاصرين كما النساء من عقد نفسية وصدمات وما يرافقها من عزلة وانطوائية. فالتغيرات التي طرأت على المجتمع في السنوات الأخيرة سهلت تفشي الظاهرة كالعامل الأمني، الاقتصادي والعادات الدخيلة وكذا بعض الآفات كتعاطي المخدرات. من جهته أرجع الأستاذ في الطب الشرعي رشيد بلحاج تفشي ظاهرة الاغتصاب إلى عدة أسباب أهمها انعدام ثقافة العلاقات الجنسية في المجتمع، واعتبر أن عدم التبليغ عن الحالات من أهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم التحكم في الظاهرة والسيطرة عليها لأنها تضاعف من معاناة الضحايا وتتيح للجاني الإفلات من العقاب وبالتالي تكرار مثل هذه الاعتداءات، كما أن الحالات المسكوت عنها تجعل من المستحيل الإلمام بكل المعطيات لرصد الظاهرة. وسلط أستاذ الطب الشرعي الضوء من خلال تحليله للظاهرة على التفكك الأسري، مؤكدا على أن الفتاة التي تعاني من طلاق والديها تصبح هشة وأكثر عرضة للاعتداء، كما أن افتقادها للتوازن يجعل منها فريسة سهلة. وذكر أن الجناة والمعتدين اليوم يستخدمون وسائل مبتكرة لم نكن نسمع عنها من قبل مثل وضع الحبوب المنومة في الشاي أو المشروبات. مشيرا إلى أن الجاني للأسف يكون أحيانا من أقرب المقربين ومن المحارم كالأب والأخ أو العم أو الخال والنماذج صارت أكثر من المعتاد، ما يشير إلى وجود خلل في المجتمع اليوم يثير أكثر من تساؤل ويدعو إلى الدراسة المعمقة وتكاثف الجهود للتصدي لها. من جانبها أرجعت الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد انتشار الاغتصاب في مجتمعنا إلى التغيرات التي طرأت على المجتمع في السنوات الأخيرة كالعوامل الأمنية والاقتصادية والغزو الثقافي الذي طرأ على المجتمع. والجديد في الظاهرة اليوم أن فئة المتورطين من الجامعيين والأساتذة ولم تعد تخص الفئة الأمية. وأضافت أن إحصاءات الاغتصاب للأسف لا تمثل سوى 10 بالمائة من الواقع، ذلك لأن هذا الطابو مسكوت عنه من طرف أغلبية الضحايا خوفا من العار والفضيحة وقليلا ما تظهر الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها إذا ما اقترنت بجرائم أخرى خاصة القتل أو التعذيب والتنكيل أو الحبس بالإكراه مما يفضح حتما الحادث. وأكدت الأخصائية بأن المغتصب في أغلب الأحيان يملك مواصفات نفسانية معينة كالعدوانية أو دافع الانتقام من المرأة أو أنه يعاني من خلل نفسي أو اضطرابات وفي الكثير من الأحيان يكون المغتصب من مدمني المخدرات. والجديد في ظاهرة الاغتصاب تضيف الأخصائية أنه لم يعد يقتصر على الفتيات المستهترات أو اللواتي تتهمن دوما بأنهن السبب المباشر أو غير المباشر في حدوث الاغتصاب، بل صارت تمس حتى ربات البيوت والطالبات الجامعيات، لذا من الخطأ تجريم الضحية لأي سبب كان لأن الضحية هي ضحية مهما كانت والجاني هو المذنب ولا يجب أن نعطيه الأعذار على جريمته. وأضافت أنه قد حان الوقت ليغير المجتمع نظرته وإدانة المجرمين الذين يهتكون أعراض المحصنات والقاصرات وعدم اعتبار من وقعت ضحية مجرمة أو شريكة فيما حدث، لأن الاغتصاب أعمى وأغلب الضحايا لا يعرفهن الجناة. وأكدت أن ظاهرة الاغتصاب نتيجة طبيعية لانتشار القنوات الفضائية الإباحية وقنوات الكليبات العارية. وقالت إنه ينبغي الالتفات إلى أن أكثر جرائم الاغتصاب تتم في المناطق العشوائية، وهو ما يدل أيضاً على أن الكبت النفسي والعيش في مجتمعات عشوائية خارجة عن القانون، كالأحياء القصديرية التي ذاع صيتها مؤخرا بضواحي العاصمة والتي تعيش فيها النساء وحيدات دون حماية وهو أحد الأسباب القوية لذيوع ظاهرة الاغتصاب. كما أن للعنوسة والعزوبة التي صارت واقعا لا يمكن الهروب منه دورا في انتشار مثل هذه الظواهر التي تنم عن مرض المجتمع وفقدان أفراده للتوازن. وقد سعت العائلات الجزائرية منذ القديم إلى حماية "فتياتها الأبكار" من الاغتصاب وهذا خوفا من العار والفضيحة، وذلك بشتى الوسائل بدءا من حبس الفتيات في البيوت وتوقيفهن عن الدراسة إلى ربطهن عن طريق الشعوذة، وهي عادة غريبة وقديمة توارثتها الأجيال وذاعت إبان ثورة التحرير، حيث لجأت الأمهات إلى ربط الفتيات خوفا من العسكر الفرنسيين. وتؤكد من أقدمن على ربط بناتهن أن هذه الطريقة بما تحمله من غيبيات تجهل حتى من تمارسها أنها جد فعالة وتكفل الحماية لعذرية الفتاة حتى تفتح يوم زفافها. وكم من الحوادث والحكايات سمعنا عنها في الأفراح عن ''عرايس'' مربوطات وتعذر حل ربطهن حتى بعد الزواج بسبب إضاعة المفتاح أو وفاة من أقدم على ربطهن، إذ من المعروف أن هناك قوة غيبية خفية تحفظ المربوطات. ومن شروط الربط أن تكون الفتاة صغيرة ولم تصل سن البلوغ بعد، وتتم عن طريق قفل يغلق بين رجلي الفتاة ثم يخبأ في مكان بعيد لا تصل إليه يد أو عين إلى حين زفافها. وترفق العملية بذكر بعض التعويذات المبهمة والغريبة. وإلى حد الآن مازالت هذه الطريقة تمارس في الأرياف والمناطق الداخلية رغم أن بعض الحالات دفعت الثمن غاليا وبقيت مربوطة طوال حياتها لتعذر فك الربط عنها لسبب من الأسباب.ومهما كانت الأسباب والدوافع التي أدت بالعائلات الجزائرية إلى اللجوء إلى الشعوذة خوفا على شرفها، إلا أن الأئمة أجمعوا على حرمة هذا الفعل لأنه من أعمال السحر والشعوذة التي يحرمها ديننا الحنيف تحت أي عذر أو مبرر ويسخر فيها الجن، وفي ذلك شرك بالله وكفر لا يجب التعامل معه باستهانة.