تولى منصب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، منذ أربعة أشهر تقريبا، وقد وضع الاهتمام بالمحتوى الرقمي وحضور الجزائر في شبكة الانترنيت باللغة العربية، ضمن أولويات إستراتيجيته في تسيير هذه الهيئة الاستشارية، من منطلق أن النسبة التي حققتها إلى يومناالحالي ضئيلة جدا ولا تعكس مستوى الجهد المفترض أن يكون عليه مجتمع قدم للعربية كبار العلماء، إضافة إلى المحافظة على نشاطات المجلس المعهودة وندواته التي تمثل تقليدا مارسه منذ 14 سنة، يمقت سياسة الارتجال المتبعة من طرف بعض وسائل الإعلام، والتيكرست لغة هجينة يقصد من ورائها الانتقاص من المستوى التعليمي الراقي الذي حققته المدرسة الجزائرية. لا تعكر صفوه بعض اللافتات المكتوبة باللغة الأجنبية في شارع ديدوش مراد –كما قال- بل يراهن على الأسماء الأدبية التي حازت كل الجوائز العربية رافعة شأنالجزائر عاليا..إنه عز الدين ميهوبي، الذي بث صفحة «السلام» الثقافية بعض آرائه، ووجهات نظره في قضايا عديدة تتعلق باللغة العربية أحد أحصن أركان الهوية الوطنية على حد تعبيره . اعتمدت في إدارتك للمكتبة الوطنية منهجا مخالفا لمن سبقك، إذ ركزت على إثراء رفوفها بدل تنظيم النشاطات الثقافية على مستواها، اليوم وبعد أربعة أشهر من توليك رئاسة المجلس الأعلى للغة العربية، ما هي إستراتيجيتك في تسييره؟ ينطلق تسيير أي هيئة أو مؤسسة أولا من النصوص التي تحكمها، والمجلس هيئة استشارية لدى رئاسة الجمهورية لها مهامها المحددة قانونا، لديه تقاليد في مختلف نشاطاته منذ تواجده قبل 14 سنة، من إقامة الندوات، ونشر مجلتيه الحاملتين عناوين «اللغة العربية»،و«معالم» الخاصة بالترجمة، وهما مجلتان محكمتان، معتمدتان على المستوى العلمي، أي من ينشر فيهما يتم تبنيه علميا، إلى جانب نشر عديد المؤلفات ذات الصلة بالجهد العلمي الذي يقوم به الباحثون في مجال تطوير اللغة العربية، والكتب ذات الصلة بالعربية والأمازيغية فيالجزائر بما أننا نتكلم عن الهوية الوطنية، إضافة إلى الندوات الدولية، فنحن في الأخير لسنا أكاديمية بالمفهوم الدقيق وجهدنا يتكامل مع المجمع الجزائري الذي له بعده الأكاديمي العلمي البحثي، بل مجمع له دوره الأكاديمي العلمي البحثي، يرعى المجال الاجتماعي الفكريالثقافي..والتواصل مع مختلف المؤسسات والهيئات في المجتمع، وله جلسات مع مختلف القطاعات الحكومية لمعرفة الصعوبات التي تواجه الاستخدام الواسع للغة العربية على مستواها، ودعم عملية تحسين الأداء. نعمل ضمن هذا الاتجاه الذي أضفنا إليه حاليا الاهتمام بواقع اللغةالعربية على مستوى المحتوى الرقمي، فعندما أتيت وجدت فريق عمل يضم مجموعة من الخبراء الأكاديميين الجزائريين المهتمين بالمحتوى الرقمي، ونرى أن قوة العربية وحضور الجزائر في شبكة الانترنيت باللغة العربية مهم جدا، حيث تحوز الدول العربية ككل نسبةحضور لا تفوق 3 بالمئة يمثل الأردن 75 بالمئة منها، وهي نسبة ضئيلة لا تعكس مستوى الجهد المفترض أن يكون عليه مجتمعنا الذي قدم للعربية كبار العلماء. فالأرقام التي تؤلمنا في عالمنا العربي –وحسب دراسة قمت بها- كوننا لا نستخدم من مجمل معجم العربية إلا 0.04 بالمئة، أي من أصل 12 مليون مفردة لا نستخدم إلا 12 ألف كلمة، في كل المجالات العلمية والثقافية والدينية والاجتماعية والدبلوماسية والإدارية..وجب عليناالنظر إلى هذه النقاط بعين النقد، التي تساهم الجامعات فيها بالنصيب الأكبر، من خلال نشر مدونات أساتذتها ودكاترتها، ودراساتهم العلمية لتتم مناقشتها مع من تعنيهم القضايا المطروحة في محتواها، وتجاوز مرحلة تقديم البطاقة الفنية للمؤسسات من خلال مواقعها فيالانترنيت والانتقال إلى إبراز الجهد العلمي والمضمون، بدل المحتوى الرقمي العربي الذي يطغى عليه اليوم الطابع الترفيهي، فحتى دور النشر لا تملك مواقع تعرض من خلالها جديدها، وبالتالي وجب العمل على ثقافة الترويج والانتشار عبر الانترنيت وتطويرها، لأننا نتحدثعن الفجوة الرقمية بيننا وبين العالم ولا نتعامل معها إلا كمفردة أما الممارسة فتبقى غير مدعومة، ولا أعتقد أن الدولة ستبخل على الهيئات التي تشتغل في هذا المجال لأننا بحاجة لتقليص الفجوة وتنمية الحضور الجزائري الرقمي في كل المجالات وخاصة البحث العلمي إن كنانهدف إلى الحداثة والتحديث. إضافة إلى تقليص هذه الفجوة الرقمية، ما هي التحديات الأخرى التي يرفعها المجلس في عهد عز الدين ميهوبي؟ سيكون تعاملنا مع مختلف الفاعلين في الحياة الثقافية والعلمية والاجتماعية، فكل من يرى في نفسه قدرة للتحسيس بأهمية خدمة العربية وتطويرها وحمايتها من التهجين والرطانة، نتعامل معه بشكل عادي وضمن الأطر القانونية والنظامية، كما نعمل على خلق نشاط علىالمستوى الداخلي بالانتقال إلى بعض الجامعات والهيئات في المدن الداخلية لإقامة بعض النشاطات حتى لا نمركز جهودنا في العاصمة فقط، إلى جانب توسيع تعاملنا مع وسائل الإعلام للتنبيه على ضرورة حماية اللغة العربية من الانفلات الحاصل أحيانا نتيجة بعضالممارسات التي يعتقد أصحابها أنها لا تضر باللغة العربية الركن الحصين في الهوية الوطنية، إضافة إلى التواصل مع المؤسسات الرسمية لمعرفة واقعها والمعوقات التي تقف في وجهها. نلاحظ تراجع مستوى اللغة العربية حتى في إبداعات النخبة المثقفة التي تستبدل مفرداتها بكلمات عامية لا صلة لها بالدارجة الراقية، ما قراءتك الخاصة للموضوع، وما السبيل لتخليصها من الجمود الذي يتهمها به البعض وخاصة فئة الشباب منهم؟ أعتقد أن الأمر راجع لخيارات ذاتية لا تقف عند مسألة عزوف هؤلاء عن استخدام اللغة العربية السليمة، بل هناك أحيانا خيارات خاصة بهم كأن يفضل أحد الكتاب الذي ينجز رواية اجتماعية، نقل لغة الشارع التي تتكلم بها أحد شخوصه كما تدرج حفاظا على الصورة العامة،لا أقول بالهبوط في مستوى أداء أعمال النخب الثقافية، بل العكس والدليل أن الجزائريين يحوزون المراتب الأولى في كل المجالات بما فيها النقد، القصة، الرواية.. نتيجة امتلاكهم ناصية اللغة التي تؤهلهم لحصد كبريات الجوائز على المستوى العربي، لقد نلنا -حسب متابعتيالجيدة- كل الجوائز العربية وبدون استثناء، حيث عادت جائزة الملك فيصل إلى الأستاذ عبد الرحمن حاج صالح، وجائزة الشيخ زايد لواسيني الأعرج، فيما نال إسماعيل يبرير جائزة الطيب صالح، البابطين ونالها زبير دردوخ، إضافة إلى جوائز الشارقة التي نال المبدعونالجزائريون كل أنواعها.. ما يؤكد أنهم يمتلكون قدرات لغوية كبيرة للإبداع الناجح، وبالتالي أجدني مطمئنا دوما لمستوى اللغة العربية في الجزائر فمعاييري ورهاناتي لا تنحصر في عدد من لافتات المحلات المكتوبة باللغات الأجنبية في شارع ديدوش مراد، التي كان علىرؤساء البلديات مراجعتها والتنبيه إليها، بل تتعداها إلى هذه الأسماء التي ترفع شأن بلدنا عاليا على الصعيد العربي وتكذّب النظرة السائدة الجازمة بعدم معرفته للغة العربية، ترأست اتحاد الكتاب العرب لسنوات والحمد لله كان أداؤنا مشرفا لبلادنا ولغتنا وبالتالي وجب النظرإلى المسألة بشكل شامل وتجنب التركيز على التفاصيل. بماذا ترد على الشباب الذين يتهمون هذه اللغة بالجمود وعدم التعبير عن واقعهم ذي الريتم السريع والملامح التكنولوجية المختلفة؟ تتطور اللغة عندما يكون المجتمع منتجا للمعرفة بكل أنواعها بما فيها التكنولوجيا، الأمر الذي يخلق مصطلحات جديدة، والمفردات التي نستعملها تصدر من البلدان المنتجة لهذه المعرفة على غرار آسيا وأوروبا..وبالتالي ينحصر دورنا في تقديم مقاربة لغوية لها إما عن طريقترجمتها أو تعريبها مثل «التلفزيون» الذي قربنا تركيبته من السليقة العربية بتحويله إلى «تلفاز» أو «تلفزة»، حتى يدخل في نسق اللغة والبنية اللسانية الخاصة بنا، يضطر العالم أجمع لاحترام منبت المعرفة الجديدة، وتكييف لغته معها، حيث يبذل الباحثون جهودا في مجالاتالنحو والاشتقاق وتطوير اللغة، وابتداع مصطلحات لما ينتج من تكنولوجيات، وهو دور المجامع في مختلف دول العالم إضافة إلى الترويج والتعريف بها. تحمل العربية أكثر من 12 مليون مفردة يشتق منها95 مليون فعل، ولا توجد لغة بهذا الثراء في العالم، وخلاصة القضيةأننا نملك كنزا لا نتعامل معه، ربما نتيجة كسل ذهني أو تسليم بالأمر الواقع وترك هذه الكلمات تموت في القاموس دون إحيائها وأكبر الأمثلة على هذه المسألة ما فعله الصحاف أيام حرب الخليج، حيث دفع ترديده لكلمة «علوج»، بالمهتمين إلى العودة للقاموس والاطلاع علىمعناها، بينما نجد إعلام اليوم يستنجد بمفردات الدارجة دون البحث عن مقابلها في العربية. أستاذ يقوم الجانب الإعلامي على استخدام أبسط المفردات للوصول إلى كل أفراد المجتمع بمختلف مستوياتهم العلمية والثقافية. لما نصر في مخاطبتنا مع الجزائري على النزول إلى أضعف المستويات، بينما هو ذلك الفرد نفسه الذي يتابع الأخبار الدولية على القنوات الفضائية كالجزيرة التي لا تستخدم لغة هابطة، أنا أجد في هذا، اتهاما صريحا بعدم رقي المجتمع علميا وهو الطرح الذي أتعارض معهكليا، فالجزائري مثقف ومتعلم ومطلع، وإن وجد في المجتمع من لم يحقق قدرا من المعرفة فالأمر لا ينفي امتلاكه الحد الأدنى من اللغة، فثلث الجزائريين على مقاعد الدراسة، والتشبث بهذا المنطق يعود إلى الارتجال واستسهال الأمور. احتفلنا مؤخرا بخمسينية الاستقلال الوطني، الفترة التي شهدت إعطاء الأولوية للغة العربية في التعليم بعد محاولات الاستعمار لطمسها، إلا أننا نلمس من نخبتنا المثقفة، والسياسية، وجمهور الباحثين والطلبة..وحتى ذوي المستوى التعليمي البسيط، إصرارا على استعمالاللسان الأجنبي، ألا تستشعر خطرها على العربية؟ علينا ألا نعمم الأمر، أحيانا وفي مستويات معينة يتم التعاطي بغير اللغة العربية، ربما نتيجة تعامل بعض الناس الدائم باللغة الأجنبية، غير أنني اكتشفت شخصيا أن الكل يتقنون العربية وعندما لايجدون بديلا عنها. وقد فوجئت ببعض الشخصيات تتحدث العربية الأكاديميةالسليمة بطلاقة وكنت أظن أن علاقتهم بها معدومة، المسألة تتلخص في القوالب الجاهزة، وهي جزء من كل، اللغة لم تعد عائقا حيث توسعت تقنيات تلقينها وتنوعت فالعربية هي واحدة من اللغات الست في الأممالمتحدة. تعرف المراكز الثقافية الأجنبية في بلدنا على غرار المركز الفرنسي، الاسباني.. نشاطا يهدف لاستقطاب أكبر عدد من طلاب تعلم مبادئ هذه اللغات وأساسياتها، فهل نأمل في حركية بسيطة مماثلة للترويج للغتنا العربية في الخارج؟ يفترض أن يكون دور المراكز الجزائرية في الخارج ترويجي للثقافة الوطنية، وساع لتقديم اللغة العربية في البلدان غير الناطقة بها، حيث تقوم بدور إشعاعي لثقافة البلد، وتكون واجهة ثقافية للتعريف بها عن طريق معارض للكتب والأعمال الفنية والسينمائية والمسرحية.. إلىجانب تقديم دروس للغة العربية. إذا ما طلبنا منك بصفتك مثقفا قبل أن تكون مسؤولا، قراءة خاصة للواقع الثقافي الوطني اليوم، كيف سيكون وصفك؟ قدمت الدولة إمكانات مالية كبيرة للثقافة في السنوات الأخيرة، حيث دعمت النشر والسينما والاهتمام بالتراث والآثار..ويكفي أن نقول بأننا شهدنا خلال السنوات العشر الماضية ميلاد أكثر من 500 دار نشر، إلى جانب الفعاليات الكبرى على غرار الجزائر عاصمة الثقافةالعربية، المهرجان الإفريقي الثاني، وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية..نتمنى أن تدوم هذه المناسبات لتكون داعما وفرصة لتمويل أكبر قدر. تبقى النظرة للأعمال المنجزة من ناحية المحتوى والمضامين، التي نطرح حولها التساؤل «هل قدمنا أعمالا سينمائية ترقى إلىالمستوى الذي نأمله وأخرى فكرية وثقافية وإبداعية جاءت بقيمة مضافة إلى المشهد الثقافي الوطني»، أعتقد أن ما ينقصنا هو عملية الترويج والتعريف بهذا الجهد، الناشرون بحاجة إلى المزيد من المهنية، فمهمتهم لا تتوقف عند طبع الكتاب بل تتجاوزه إلى التعريف به والترويجله وتوزيعه لأن الإشهار لهذا الجهد مهم جدا، وهم بحاجة إلى رفع مستوى المهنية. طالبت مؤخرا بضرورة التفكير في كيفية تحقيق «الأمن اللغوي»، باعتباره قضية حيوية مطروحة في البلدان المتعددة اللغات، لحماية الهوية، فهل لنا بالاطلاع على رؤاك الخاصة حول هذا الموضوع الذي شرعت في البحث عنه منذ العام 2006؟ مصطلح الأمن اللغوي الذي بدأ يتكرس بصورة قوية، مسألة لها حضور إعلامي واسع في السنوات العشر الأخيرة، نجده حاضرا بشكل كبير لدى اللغويين اللسانيين والمؤسسات الإعلامية والثقافية وحتى على المستوى السياسي نظرا لقوة مؤثرات العولمة، إذ لا يخلو بلد منوجود أكثر من ثنائية لغوية، ما جعل الدول مضطرة للتعامل بلغات أخرى لتتواصل مع العالم، قد تكون الانجليزية أبرزها بحكم انتشارها الواسع، والإقبال عليها لبساطة بنائها، إلى جانب جهود اللغويين الذين عملوا على وضع مصطلحاتها الجديدة القابلة للاستهلاك على غرارنموذج «الغلوبش» أو «الانجليزية العالمية» وهي عبارة عن قاموس يتكون من 1500 كلمة تسمح بالتواصل شبيهة بالوجبة السريعة، يتركها المسافر في المطار حال رجوعه إلى الديار، ومن جانبها أنشأت بعض البلدان التي بدأت تشعر بأن العولمة تهدد هويتها ولغتها، مايسمى بمنظومة الأمن اللغوي للعمل على حمايتها وفق آليات إما قانونية، أو ثقافية، أو إعلامية، وإما تحسيسية، تشارك فيها جمعيات المجتمع المدني للحفاظ عليها وهي ظاهرة منتشرة في كل دول العالم حيث تشعر أمريكا نفسها بأن اللغة الانجليزية مهددة من طرف الاسبانية،وبالمثل بالنسبة للفرنسية التي تشعر بالتهديد من قبل الانجليزية التي بدورها تخاف من الانجليزية الأمريكية...لكل لغة معادل غير موضوعي يؤثر على وجودها، ونحن في بلادنا لسنا بمنأى عن هذه التفاعلات اللغوية، نملك العربية والأمازيغية والفرنسية وهو واقع وجبالتعامل معه، كما هو، ولدى حديثنا عن مسألة الأمن اللغوي لا بد من ضرورة عمل كل المجتمع على حماية هويته وعدم الاستسلام لنزعة العولمة التي بإمكانها أن تفقدنا شيء من الهوية وبالتالي وجب الحفاظ على اللغة العربية وهي شقيقة للأمازيغية وكلاهما بحاجة للرعايةالثقافية السياسية والإدارية والإعلامية..بمعنى أن تأمين اللغة لا يختلف أهمية عن الأمن المادي على غرار البيئي والصحي..ويندرج في إطار أمن القيم، وعلى كل بلد إيجاد الصيغة التي تناسبه في تحقيق هذا الأمن. من خلال البحث الذي أجريته حول الأمن اللغوي، كيف يمكن للجزائر توفيره بالنسبة للعربية التي تواجه تنافسا كبيرا من اللغة الفرنسية؟ اللغة العربية موجودة في كل مناحي الحياة في الجزائر، على غرار التعليم، الإعلام، الإدارة..والمطلوب العمل على تحسين مستويات التعامل بهذه اللغة، كما يوجود هامش لتفاعلات لغوية أخرى حيث توجد بعض المراكز والمدارس الخاصة لتعليم اللغات الأجنبية على غرارالانجليزية الاسبانية الصينية والتركية..ونجد أن التجارة والسفر، وغيرهما هي الدوافع التي تكمن وراء الإقبال على هذه اللغات للقضاء على الفجوة اللغوية الفاصلة بينه وبين المتعاملين معهم من تلك المجتمعات التي يحتك بها إما بسبب العمل أو السياحة. نحن لا نعيش فيجزيرة مغلقة بل في عالم متفاعل على مستوى كل المجالات، فمثلا الشباب اليوم يتعاملون في تواصلهم عبر الانترنيت، يجيدون لغات كثيرة إلى جانب العربية، كما أن لغة الانترنيت اليوم تعد لغة جديدة برمزيتها، تستخدم أشكالا معينة ومختلفة في بناء الكلمة، وبالتالي لا يمكنناأن نغلق الأبواب أمام هذه الظواهر بل نعمل على ترشيدها حتى لا يكون كل هذا على حساب اللغة الأم العربية وإلى جانبها اللغة الأمازيغية التي تحظى بحضور واسع عبر وسائل الإعلام، كونها جزء من التركيبة الاجتماعية الجزائرية، أما مستوى أداء هذه اللغات وخاصةالعربية فيتطلب جهدا كبيرا تساهم فيه المخابر ومؤسسات البحث لتحسينه، على غرار المجلس الأعلى حيث نعمل على عقد ندوات حول مستوى اللغة في القنوات الإعلامية الجديدة، والسينما، والمسرح وغيرها لننبه إلى وجود لغة هجينة، كرسها اللجوء إلى منطق الارتجال فيالإبداع، على غرار ما تستعمله بعض القنوات التلفزيونية اليوم، متناسية توجهها بتلك المادة إلى غير الجزائريين عبر الساتل حيث تطلع عليها مجتمعات أخرى وجب أن نسوق لها صورة أخرى عن بلدنا لا أن نزيد اللغة -المتهمة بعض مفرداتها أصلا بعدم الوضوح- غموضاأكثر، وجب أن تعتمد اللغة البسيطة الوسيطة المفهومة من طرف جميع الجزائريين، والقابلة للانتشار لدى غيرهم، وهذا هو العمل المنوط بالمشتغلين في هذه الحقول الهامة كالسينما والمسرح والإعلام..يصدمني تقديم شباب حائزين على شهادات، لبرامج بلغات هجينة تقلل منالقيمة العلمية التي يحوزونها. كلامك سيحيلنا إلى طرق موضوع آخر، يتمثل في سخرية المشاهدين الشباب من مستعملي اللغة العربية في البرامج الإعلامية، وإعراضهم عن متابعتها واللجوء إلى نظيرتها التي تستعمل اللغة الهجينة، بحجة أنها الأقرب إلى توجهاتهم. أعتقد أن الأمر يعود إلى العجز اللغوي لدى بعض الشباب، فيلجأون إلى رميه على الآخرين، وإن كانوا يعتقدون أن طريقتهم في الحديث قد قدمت إضافة إلى المجتمع فإنهم على خطأ، ومن ناحية أخرى يوجد من الشباب من يكتب أعمالا باللغة العربية في غاية الإتقان والروعةوالجهد، وإذا ما قارننا بين الجانبين نجد أن الثاني قدم قيمة إبداعية، أما الأول فيتركنا للتساؤل عما أضاف. اللغة الهجينة لا تتعدى كونها لغة الاستهلاك اليومي، غير أن تقديم نشرة أخبار بالدارجة في وسيلة إعلامية، بعد 50 سنة من الاستقلال الوطني ومحاربة الأمية يعد تقليلالاحترام مجتمع وصل إلى مستوى معرفي وتعليمي وفق جهود لا يستهان بها من طرف الدولة، فهل نفهم من ذلك توجيه رسالة تطعن في تلك الجهود؟ لقد تخرجنا جميعا من مدرسة الاستقلال، كما أن أفضل الوجوه التي تعطي الصورة المثالية باللغة العربية على مستوى القنواتالفضائية، أسماء تخرجت منها وليست مستوردة، وبالتالي فالمدرسة الجزائرية قدمت الكثير حتى وإن تم تسجيل بعض الملاحظات في جوانب بيداغوجية معينة عليها، تحتاج إلى إعادة نظر، ومن جهة أخرى نجد أن نفس الأفراد الذين يناصرون فكرة تقديم النشرات الإخباريةبالدارجة الجزائرية، يقفون إجلالا لما تقدمه القنوات الفضائية من مواد إخبارية بالعربية الفصحى، وهنا يكمن التناقض. كثر الحديث عن تخوف العرب من انحسار مجالات استخدام لغتهم، نتيجة غزو قاموسهم اليومي من طرف لغات أجنبية على غرار الانجليزية والفرنسية، لنجد في إحدى مداخلاتك تنبؤا بسيادتها بعد قرن من الزمن إلى جانب الانجليزية والصينية، هل لنا بتفسير؟ يعيش العالم عديد التفاعلات، ومنذ أحداث 11 سبتمبر إلى يومنا الحالي نسجل إقبالا واسعا في الجامعات الغربية وحتى الآسيوية على اللغة العربية لمحاولة معرفة المكوّن الروحي والنفسي الذي دفع بالمجتمع العربي الإسلامي إلى مواجهة الغرب، وكشف السر الكامن في هذهاللغة التي تربطه، وقد تم إنشاء ما يسمى بالمبادرة اللغوية للأمن القومي العام 2006 في أمريكا، تهدف إلى دراسة اللغات المصيرية ذات التماس مع الأمن الأمريكي وفي مقدمتها اللغة العربية، الصينية، الفارسية، الروسية..فعلى الأمريكان العاملين في المناصب الحساسةكالخارجية مثلا إجادتها لتفادي الاعتماد على المترجمين التقني، وفهم نفسية الشعوب المتعاملة بها. تعد العربية كيانا مختلفا مبنى ومعنى، إلى جانب الانجليزية والصينية، وهذه اللغات الثلاث لا تتنافس مع بعضها، ولا تتقاطع فيما بينها كالاسبانية مع الفرنسية، والانجليزية معالألمانية، وغيرها من اللغات الأوروبية التي تأكل من بعضها، حيث يمكنها الاستغناء عن عدد منها مستقبلا واعتماد البعض الآخر، حتى بات يقال أن لغة الاتحاد الأوروبي هي الترجمة نتيجة اعتماد دوله ال28، ل24 لغة، ويخصص أكثر من 40 بالمئة من ميزانيته لها،والاتحاد اليوم يعمل على تقليص عددها واستخدام ثلاث لغات على الأقل في المستقبل وهي»الفرنسية الانجليزية والألمانية».تمارس العولمة حاليا ضغطا قويا على اللغات القبلية الشفهية في مختلف القارات، التي لا يعني بقاؤها من خلال الحضور التكنولوجي اليوم انتشارها أوسيطرتها، بل ستبقى كنوع من التراث الوطني المحلي، لنجد أن التعامل على مستويات فكرية ودبلوماسية وثقافية رفيعة، يكون باللغات المهيمنة على العالم حاليا نظرا لسياقات تاريخية كرستها. نعلم أن مسؤوليات المثقف لا تثنيه عن الإبداع، فما هي المشاريع الجديدة التي تعكف على إنجازها حاليا؟ اتفقت مع دار المعرفة وبحوزتها الآن 15 عملا جاهزا على مستوى المطبعة، وهي عبارة عن مقالات في الثقافة والرياضة، إضافة إلى مجموعات شعرية، وروايات وكتب في النثر.. هل طرحت هذه العناوين ال15 من قبل أم أنها أعمال جديدة ستطبع لأول مرة؟ بين هذا وذاك فيها ما أعيد طبعه ومنها الجديدة، على غرار «عرفته»، وهي عبارة عن مجموعة من البورتريهات لأكثر من 135 شخصية مختلفة الاهتمامات والمجالات، جزائرية وأجنبية عايشتها كجزء أول، إلى جانب «ميسي والآخرون»، ويتضمن هذا الكتاب مجموعةمن المقالات الرياضية، و«خطأ أن تكتب خطيئة أن تنسى» مقالات ثقافية فنية وسياسية، ومجموعة من الأعمال التي يعاد طبعها على غرار «توابيت»، ديوان «فراشة بيضاء لربيع أسود»، «طاسيلي»، وكتاب عن السيرة الذاتية لجدي «محمد الدراجي» أحد معيني الشيخ عبدالحميد ابن باديس، ورواية «اعترافات أسكرام» التي أعدت تفكيكها إلى ست روايات، حتى يستطيع القارئ الاطلاع على كل جزء منها مستقلا عن الآخر، ومن جهة أخرى أعد حاليا لعمل جديد حيث جمعت أغلب الحوارات التي أجريتها في الصحافة المكتوبة وعددها حواليالأربعين، تطبع في كتاب يحمل عنوان «هكذا أجاب»، لأن كثيرا من الطلبة والباحثين يطلبونها مني وستكون هذه الأعمال كلها جاهزة للعرض في الصالون الدولي للكتاب. شكرا لطرحكم قضايا أرى أنها بحاجة لإبداء الرأي حولها، وعيد سعيد لكل الجزائريين والأمة الإسلامية.