من جهتها، أكّدت الأخصائية النفسانية فاطمة بشيم في دردشة مع (أخبار اليوم) أن عملية الفصل أو التفريق بين حالات المسّ وحالات الذهان أمر صعب للغاية مع أن هناك بعض الفروق الجوهرية التي يمكن ملاحظتها خلال جلسات الرقية أو جلسات العلاج النّفسي، وطرحت في هذا الصدد فكرة تنسيق عمل الأخصّائيين النفسانيين ممّن يؤمنون بالرقية الشرعية مع رقاة ثقاة وأكفاء لعلاج حالات المسّ التي يعجز علم النّفس عن علاجها. * هل يعترف علم النّفس بالرقية الشرعية؟ ** في الحقيقة مواقف المختصّين اتجاه الرقية الشرعية متباينة، لأن علماء النّفس في الأصل انقسموا إلى فريقين، فهناك فريق يرى أن العالم النّفساني لا يجوز له أن يتحدّث عن الرقية الشرعية، معتبرين أنها جزء من المعتقدات غير الصحيحة وفي رأيهم لا وجود لحالات المسّ من أساسها ويرون أن تلك الأعراض التي تلاحظ على الممسوس مثلا ليست إلاّ جزءا من الاضطراب العقلي الذي يعاني منه الشخص، ويركّز هذا الفريق من جانب آخر على وجوب إبعاد المعتقدات عن علم النّفس، لأن دخول المعتقدات في هذا العلم سيعيق حسبهم تطوّره كعلم ووصوله إلى نتائج موضوعية، لكننا نجد في الطرف الآخر علماء يقرّون بالرقية الشرعية ويعترفون بحالات المسّ ويرون أن الرقية الشرعية وسيلة لإزالة المسّ، كما يقرون بأن القرآن الكريم فيه راحة لنفسية المريض وشفاء له من الأمراض النّفسية أيضا. * في رأيك هل تكمل الرقية الشرعية العلاج النّفسي أم أنها تعيقه؟ ** في الواقع لا يمكن أن نفرض الرقية الشرعية على كلّ الأخصّائيين النّفسانيين، لأن ذلك يرجع إلى توجّه كلّ أخصّائي وقناعاته، ولكلّ مختصّ توجّهه. فالمختصّ النّفسي الذي يؤمن بفكرة إبعاد الدين وعدم إدخاله في العلاج النّفسي لا يمكن أن يؤمن بالرقية الشرعية، وبالتالي لن يعتبرها مكمّلة للعلاج النّفسي، فهو يعتبر الدين عائقا، وبالتالي كلّ ما له علاقة بالدين لا يمكن أن يدخل في إطار العلاج النّفسي، ومن بين هؤلاء دعاة التحليل النّفسي الذين يرون أنه على المختصّ أن لا يظهر توجّهه الديني وإذا اقترح على شخص ممارسة الرقية الشرعية أوقال إنه مصاب بمسّ فذلك يجعله غير موضوعي، يعني أنه حسب معتقدات الأخصّائي النّفساني وتوجّهه الديني. فإذا كان المختصّ النفسي من الأشخاص الذين يستعملون الدين في المقابلة العيادية والتشخيص والعلاج فهو يقرّ بالرقية الشرعية ويعتبرها مكمّلة للعلاج النّفسي، أمّا إذا كان يتبع الحياد ولا يعتبر الدين جزءا من العلاج النّفسي فلا يمكنه أن يعتبر الرقية الشرعية مكمّلة للعلاج النّفسي. * إذا هناك إمكانية للتنسيق بين عمل الراقي وعمل المختص النفسي ولو بصفة نسبية؟ ** نعم ربما، ولكن تبقى الأمور نسبية كما قلت، فربما يكون هناك تنسيق بين عمل المختصّ النّفسي الدي يستعمل العلاج الديني وعمل الرّاقي الشرعي، في رأيي يمكن أن ننسّق بين عمل المختصّ والراقي، لا سيّما حين يتعلّق الأمر بحالات المسّ والسِّحر، فالمختصّ النّفسي الذي لديه ثقافة دينية بإمكانه أن يفرّق بين حالات الذهان والسِّحر والمسّ. * لكن الواقع يثبت أن حتى بعض الرقاة لا يمكنهم التفريق بين حالات المسّ وبعض الحالات النّفسية الذهانية، فما الفرق بين المريض العقلي والمصاب بمسّ؟ ** هناك فروق واضحة بين المصاب بالذهان والمصاب بالمسّ، فالشخص المصاب بالذهان تميّزه ثلاثة أعراض أوّلها الهذيان وهو عبارة عن معتقدات يعتقد المريض بوجودها بالرغم من عدم صحّتها وبالرغم من أن الآخرين يؤكّدون عدم صحّتها إلاّ أننا نجده مُصرّا على التمسّك ورافضا كلّ ما يقوله الآخرون بالعكس، بل يرى أن هؤلاء هم مجرّد مجانين لأنهم لا يعترفون بصدق معتقداته، هذا بالإضافة إلى الهلاوس وهي أنواع كالهلاوس السمعية، حيث يسمع المريض أصواتا لا وجود لها أساسا في الواقع لكنه يسمعها وحده، فهي تأمره وتسيّره وتملي عليه ما يفعله. والهلاوس البصرية، حيث يرى المريض أشياء وأشخاصا يتبادلون الحديث معهم، والهلاوس الشمّية وهو أن يشمّ المريض روائح لا أساس لها من الصحّة، ومن بين الأعراض التي تظهر على المصاب بالذهان أيضا استعمال لغة غير مترابطة، فحديثه في العادة مفكّك وجمله غير مترابطة وينتقل من موضوع إلى موضوع دون أن يكون هناك ربط أو علاقة بين هذه المواضيع. وحالة المسّ في الحقيقة تشبه إلى حدّ كبير حالات الذهان ومن الصعب جدّا التمييز بينهما، وهذا ما يجعل بعض المختصّين النّفسانيين لا يؤمنون بالمسّ ويعتبرونه اضطرابا عقليا، طبعا هذا يعود إلى اعتقاد المختصّ النّفسي وتوجّهه. لكن بالرغم من هذا التشابه الكبير بين المسّ والذهان وحتى بعض الأمراض النّفسية كالاكتئاب الذي يعتبر اضطرابا في الوجدان، حيث يعاني الفرد من حزن دائم وشعور بالعزلة وإحساس بالتشاؤم ونقد الذات والتشاؤم من المستقبل، إلاّ أن هناك فروقا طفيفة بين حالات المسّ والمرض العقلي والنّفسي، حيث يلحظ في حالات المسّ أن المريض ينفر من الذكر والقرآن الكريم وخاصّة آيات الرقية، وفي حالات المسّ أيضا يكون العلاج سريعا جدّا، أي قد يكون في جلسة واحدة يخرج بسببها الجنّي، بينما في حالات المرض النّفسي يطول العلاج، لأن المرض النّفسي في الغالب يرجع إلى عدّة عوامل ويتطلّب الأمر علاج جميعها أو معظمها ليتمّ الشفاء، وإن حصل العلاج المفاجئ والسريع في الطب النّفسي فإنه يكون في حالات نادرة لا تأخذ حكم الأغلب، ومن مظاهر التمييز بين المسّ والذهان أيضا أنه عند علاج الممسوس بالجنّ تنتج حالة غيبوبة وبكم ويتكلّم الممسوس بكلام واع لا يمثّل شخصيته، بل شخصية أخرى، وأحيانا يكون الكلام بلغة أخرى ليس للممسوس أدنى معرفة بها، ممّا يدلّ على أن جنّيا يتكلّم على لسانه، وهذا لا يلاحظ في حالات المرض النّفسي.