أزمة أخلاق داخل الأسر الجزائرية يعتبر الحديث عن علاقة الأم بابنتها في المجتمع الجزائري من البديهيات أو المسلمات، لأنه معروف عند العام والخاص أن البنت صديقة أمها وشقيقتها إن لم تكن لها شقيقات، وهناك من تعتبر البنت بمثابة الأم خصوصا إن كانت يتيمة، لكن بالتوغل في قلب المجتمع نجد أن هذه العلاقة أصبحت تلحقها اضطرابات عديدة في السنوات الأخيرة انتهت بحكايات مأساوية تعقد لها الألسن. عتيقة مغوفل ظننا في بداية الأمر أن الحديث عن الموضوع سيكون من الطابوهات لأنه من الصعب التحدث فيه، فالمرأة في المجتمع الجزائري رمز للحنان والعطف، فما بالك إذا تحدثنا عن علاقة الأم بابنتها، لكن وللأسف الحقيقة مغايرة تماما فقد صادفنا حالات في الواقع المرير، حالات صراع كثيرة ومعقدة بين العديد من الأمهات وبناتهن بعيدة كل البعد عن تلك الصورة التي لطالما عاهدنها عن علاقة الأم بابنتها، خصوصا أننا نعيش في مجتمع يدين بالإسلام وبر الوالدين فيه مبدأ لا يمكن التخلي عنه. الركض وراء الحرية المطلقة من أجل الخوض في الموضوع كان لابد علينا أن نبحث عن أمهات وبنات علاقتهن مضطربة، وبما أننا في مجتمع تسوده الكثير من الطابوهات كان من الصعب الخوض في الموضوع، وبعد جهد جهيد قابلنا السيدة (غ. ن) متزوجة وأم لأربعة أبناء ثلاثة ذكور وبنت في ربيعها ال 19، ونحن نتكلم مع هذه الأم عن أسماء أبنائها وما يفعلون في حياتهم اليومية كانت تتجنب الحديث عن البنت، رغم أنها الوحيدة لديها وسط الذكور، وبعد الأخذ والرد في الحوار أدركنا أن الأم ليست على وفاق تام مع ابنتها، فقد أخبرتنا عن مدى معاناتها معها فهما في شجار دائم لأسباب تافهة ، ولكن جوهر المشكل بينهما أن البنت تحب أن تعيش في حرية تامة، دون حسيب ولا رقيب، تخرج وقت ما تشاء وتعود وقت ما تشاء، وإن أرادت الأم محاورتها أو التحدث إليها صدتها بعنف لأنها عدائية في تصرفاتها، والسبب في هذه العداوة بين الأم وابنتها أن البنت تحب أن تعيش على الطريقة الأوروبية وليس على طريقة أجدادها كما تحب والدتها وترضاه، فهي واحدة من الطالبات الجامعيات اللائي يرددن شعارات حرية المرأة التامة والمطلقة، عدنا وسألنا السيدة(غ.ن) عن ردة فعل الوالد من تصرفات ابنته التي قد تؤدي بها إلى التهلكة فأجابتنا (إن والدها يدللها كثيرا وبسببه وصلت إلى هذه المرحلة، فكل هذا بسبب دلاله الزائد لها، فبصفتها الوحيدة وسط الذكور لها الأفضلية دوما، ولكن حين تتمادى في تصرفاتها يلومني أنا على تربيتي لها بحجتي أنني لا أعرف كيف أتقرب منها وما تفعله انتقام مني). أمهات في قفص الاتهام ولكن ليست الأمهات فقط من لهن مشاكل مع بناتهن فالعكس صحيح أيضا لأن هناك فتيات يتكبدن الويلات مع أمهاتهن، وحال سناء شابة في ربيع الزهور تبلغ من العمر 22 سنة من ولاية الأغواط التقيناها بالعاصمة جاءت في عطلة عند شقيقتها الكبرى المتزوجة بحسين داي، روت لنا مدى معاناتها وأخواتها هاجر 27 سنة وخديجة 19عاما مع والدتهن المتشددة، التي كلما تدخل سناء إلى الحمام لتستحم تقوم بإطفاء مسخن المياه وتتركها تستحم بمياه باردة في عز فصل الشتاء، وإذا ما أخرجت هذه الأم إحدى البنات من أجل قضاء حاجة خارج البيت تقوم بالصراخ عليها ويتطور الأمر أحيانا فتقوم بضربها وسط الشارع وأمام الملء دون أدنى درجات الحياء، وإذا ما تقدم شاب لخطبة إحدى البنات تقوم بطرده دون أن تبحث عن أية تفاصيل معتادة في مراسيم الأعراس الجزائرية، وفي يوم من الأيام قامت بكي خديجة بالنار لأنها كانت تتبادل أطراف الحديث مع ابن عمتها يوم زفاف أخته، سكتت سناء قليلا بعد أن أخذت نفسا عميقا لنعود ونسألها مرة أخرى عن الأسباب التي تدفع بوالدتها للتصرف معهنّ بهذه الطريقة فرّدت علينا قائلة: (أمي امرأة مطلقة وقد طلقها والدي لأنها لم تنجب له الصبي الذي لطالما حلم أن يرزق به، فقرر الزواج مرة أخرى على أمي ولكنها رفضت الأمر جملة وتفصيلا، ما دفع به إلى تطليقها من أجل الزواج مرة أخرى وهو ما فعله ورزقه الله بصبيين، فما فعله والدي جعلها تنتقم منا شرّ انتقام فبالنسبة لها نحن سبب في طلاقها). رمتها بدار المسنين بعد أن تبنّتها أما خالتي زهور عجوز في ال 78سنة متواجدة حاليا بدار العجزة لباب الزوار لأزيد من 9 سنوات، والسبب أنها لم تنجب أولادا فتبنت مونية من دار الأيتام وعمرها لا يتعدى أسبوعا واحدا، ربتها وحرست على رعايتها حتى بلغت 26 عاما من العمر فزوجتها مع زميل لها في الجامعة، بل وأبعد من ذلك سجلت لها المنزل باسمها حتى تضمن لها حقها بعد وفاتها، وبعد مرور فترة وجيزة من الزمن توفي زوج خالتي زهور وفتح عليها بابا واسعا من المشاكل التي لم تفكر فيها هذه الأخيرة ولم تتوقع حدوثها، فقد قامت مونية وزوجها ببيع البيت ووضع خالتي زهور في دار المسنين ووعدتها أنها ستعود لأخذها بعد أن تتمكن من تسوية وضعيتها، ولكنها ذهبت ولم تعد وكان جزاء خالتي زهور كجزاء سنمار الذي رماه الملك من أعلى البرج الذي بناه من أجله حتى لا يبني برجا مثله أو أحسن منه لأحد غيره.