بقلم عزيز الحاج ليست بالمرة الأولى التي يهدد فيها المالكي- بالعمل لا بالقول- بانقلاب بعد أن نشر قواته العسكرية وحاصر القصر الجمهوري وأطلق مظاهرات تحمل صوره وصور خامنئي وسارت مليشيات تحمل اسم (كتائب روح الله)- أي الخميني. سبق للمالكي أن نفذ سلسلة انقلابات غير عسكرية، منها الخروج على الدستور عندما أخضع لسلطته مؤسسات نص الدستور على استقلاليتها، ومنها المحكمة الاتحادية والبنك المركزي. وقام بانقلاب على أبسط المبادئ الديمقراطية والدستورية حين عارض نتائج انتخابات 2010 والتي فازت فيها كتلة الدكتور علاوي بأكثرية الأصوات... في حينه- وبفتوى المحكمة الاتحادية التي صارت في جيبه- أصر على ولاية ثانية بذريعة أن المنتصر هو من يشكل بعد الانتخابات كتلة برلمانية أكبر، وهو ما تحقق له بفضل إيران التي أجبرت الأحزاب الشيعية الأخرى على تشكيل كتلة برلمانية واحدة مع كتلة المالكي. أما اليوم، وبعد الخلافات داخل كتلة الائتلاف الوطني الشيعي، فإنه يبدل الحجة، فيقول إنه صاحب الحق لكونه أحرز أكثر الأصوات في الانتخابات، وهو نفس ما أنكره بالأمس على الدكتور علاوي. اليوم هناك مظاهر واستعراضات عسكرية في بغداد، سبقها إدخال مسلحين لجلسة البرلمان بملابس مدنية لتخويف النواب عندما يبحثون موضوع منصب رئاسة مجلس الوزراء. مع ذلك كله، جرى، ورغما عنه، تكليف السيد حيدر العبادي وهو أيضا من حزب الدعوة. ولكن هل سوف يسكت المالكي وحاشيته وخصوصا لو اصطفت معه إيران؟؟ لا أعتقد.. وها هي نائبة الشتائم والتشهير والتحريض، حنان الفتلاوي، تقول (العبادي ليس من دولة القانون) مع أنه من قياديي حزب الدعوة... وكما يرى صديق خبير فإن المالكي (يتقمص يوما بعد يوم شخصية الحاكم السابق، وحاشيته الآن كحاشية صدام...) وانقلاب مسلح من المالكي ليس مستبعدا منه، وإن كان [لو حدث] سينقلب عليه... لقد أصاب الأستاذ عبد القادر الجنابي في مقاله المتميز عن الدور والمخطط الإيرانيين في تمكين داعش من احتلال الموصل وترك كافة أسلحة الفرق العسكرية العراقية المنسحبة والمال الحكومي، وذلك بأمر من بغداد. كانت الخطة تهدف لتمكين داعش من السيطرة على نينوى وتهديد كردستان والزحف إلى أربيل بالأسلحة المتقدمة التي لا تملك البشمركة بعضها. وبعد تدمير كردستان، كان المالكي ومن وراءه يأملون اتخاذ اللازم إما عسكريا مع داعش، أو بنوع من التسوية السرية. إن تنظيم داعش لم يكن موجودا، بنشاطه العسكري الحالي الكاسح، حتى ظهر في سوريا قبل حوالي عام أو أكثر بقليل، وبتخطيط سوري- إيراني، لمحاربة الجيش الحر عسكريا وسياسيا. ومن يعود لتتابع التطورات السورية، يجد أن الأسد أطلق بعد العام الأول للثورة سراح مئات من السجناء المتهمين بالتطرف الجهادي، وأن قواته لم تهاجم داعش عند بروزه، وإنما كانت تصب براميل الموت على الجيش الحر وتترك قوات داعش في أمان ولو كانت على مقربة من الجيش الحر. وداعش لم يهاجم القوات السورية، بل ركز ضد المعارضة السورية، ولم تبدأ مصادماته مع قوات الأسد وحلفائه إلا بعد احتلال الموصل ونينوى كلها وصلاح الدين وتكريت. كما نذكر العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على متطرفين عرب موجودين في طهران لكونهم كانوا يرسلون المال لداعش في سوريا ويسهلون تمرير المقاتلين للانضمام إليه. ونذكّر مع الجنابي بتصريحات زعيم داعش من سوريا من أن بينهم وبين إيران علاقات ومواثيق، وهذا يفسر أنه لا داعش البغدادي ولا قاعدة الظواهري قد نفذا يوما ما عملية داخل إيران أو ضد المصالح الإيرانية خارجها. وفي العراق، وما دام المالكي يكشف اليوم- بتحركاته العسكرية وصخب مظاهراته -عن بعض أبعاد وخلفيات وأهداف ما حدث في الموصل، فلا يمكن عدم الاتفاق مع التحليل الذي يرى أن تسليم الموصل والسلاح الحديث والمال لداعش بأمر من بغداد كان موجها ضد إقليم كردستان وأيضا لتنفيذ الخطة الإيرانية لتصفية الأقليات، وهي خطة كانوا قد بدأوا بها تدريجيا منذ سقوط صدام وعلى أيدي المليشيات الإيرانية في العراق. إن ما أربك هذا المخطط الخبيث والفتاك هي الغارات الأميركية التي لم تكن إيران والمالكي يتوقعانها بعد أن رأوا مع العالم مدى تردد وعدم اكتراث أوباما في سياساته الشرق أوسطية ومدى حرصه على ترضية إيران. لقد أنذر المالكي العراقيين قبل أسبوع بفتح أبواب جهنم، مع أنه سبق وأن فتحها في الموصل. واليوم، يهدد بمواصلة فتح أبواب أخرى بتحد سافر، ولحد تهديد الرئيس معصوم. أما المحكمة الاتحادية، فإنها لو انتصرت للمالكي، فليس ذلك غير متوقع لأنها سبق وأن وقعت في جيبه وتحت تهديده. والآن، ولو افترضنا أن المالكي سوف يجبر في نهاية الأمر على قبول الأمر الواقع، فهل يستطيع السيد العبادي الخروج عن سياسات المالكي بأن يفتح صفحات جديدة وهذا بالانفتاح على الجميع باستثناء زمر الإرهاب الدموية، وأن يعمل لنيل ثقة الأكثرية من أبناء الشعب، وأن يرمم العلاقات مع إقليم كردستان للعمل معا لدحر داعش، بالاعتماد على الغارات الأميركية وعلى تسليح البشمركة بأسلحة حديثة ومتقدمة، وأن يسعى لكسب العشائر المتذمرة في المناطق الغربية؟؟ كردستان لا تزال في خطر، وهي البقعة الوحيدة التي بقيت للأقليات لحماية نفسها. وإن واجب المجتمع الدولي، ولاسيما دول الغرب، تعزيز القدرات العسكرية لقوات البشمركة التي هي اليوم في الخطوط الأمامية لمحاربة قوات الظلام الهمجية المتوحشة- داعش. إننا نرجو للسيد العبادي ومعه الرئيس معصوم ورئيس البرلمان اختيار المواقف والسياسات الحكيمة والجريئة في هذا الظرف العصيب، الذي يشرف فيه العراق على الانهيار التام. وعسى أن يكون هذا الفريق قادرا على تشكيل حكومة إنقاذ وطني بعيدا عن المحاصصات والحزبيات. وبرغم أن كلا من هذا الفريق الثلاثي جاء بالمحاصصة، فهل نأمل أن يتصرفوا كعراقيين أولا، لا كممثلي طائفة أو قومية أو حزب؟!!... أمنية وأمل، والأيام القادمة سوف تكون هي الكشافة، مع ضرورة عدم التسرع بالتفاؤل. إن العراق لا يزال في خطر أكيد...