جاء إعلان جهات مشبوهة عن ميلاد فرع محتمل لما يسمّى بتنظيم الدولة الإسلامية أو (داعش) الإرهابي في الجزائر ليضع بلادنا أمام مزيد من التحدّيات الأمنية التي تضاعف خطورتها الفوضى الأمنية التي تعيشها بعض دول الجوار، وفي مقدّمتها ليبيا. ورغم أن صورة (داعش الجزائر) لم تتّضح بعد، إلاّ أن السلطات العليا في البلاد تبدو جاهزة ومستعدّة لأيّ طارئ، خصوصا بعد أن تحوّل دمويو (داعش) إلى مبرّر محتمل لتدخّل عسكري غربي في بعض البلدان العربية، وفي مقدّمتها العراقوسوريا. في خضّم الحرب العالمية المعلنة على (داعش) تجد الجزائر نفسها مطالبة باتّخاذ موقف وموقع، ولو أنه يكفي الرجوع إلى مرجعيات السياسة الخارجية لبلادنا للتعرّف على الطريقة التي يُنتظر أن تتصرّف بها بلادنا مع (حرب داعش). الجزائر كانت من الدول السبّاقة للتحذير من خطر التمدّد الإرهابي، وظلّت تنادي بتحالف مختلف بلدان العالم ضده، ولا شكّ في أنها تعتبر (داعش) تنظيما إرهابيا لا يختلف عن القاعدة وعن (الجيا) وغيرها من التنظيمات الدموية التي ذاقت معها الجزائر الويلات، والتي لم ولن تدّخر جهدا للتصدّي لها ومحاربتها. غير أن مباركة الجزائر لأيّ حرب محتملة على الإرهاب والإرهابيين لا تمنعها من التمسّك بثوابتها وقناعاتها وقواعدها الراسخة، وفي مقدّمتها رفض التدخّل الأجنبي في أيّ دولة، وهو ما يعني أن أيّ حرب على (داعش) يُفترض أن تتمّ بالتنسيق مع النّظام القائم في البلاد المعنية حتى لا تتحوّل الحرب على (داعش) إلى تبرير لغزو بعض البلدان العربية وإشاعة الفوضى فيها، تماما مثلما حصل حين احتلّت أمريكاالعراق بدعوى التخلّص من أسلحة الدمار الشامل قبل أن يتمّ تعريض العراق لدمار شامل مازالت تدفع ثمنه حتى الآن. كما أن الجزائر التي لا تمانع في محاربة (داعش) بكلّ السبل المطلوبة تتحفّظ على عملية زعزعة أسس الأنظمة في الدول المعنية، مع ما يصاحب ذلك من فوضى خطيرة، وقد بيّنت التجارب السابقة في العراق وليبيا وغيرهما صدق الرؤية الجزائرية بهذا الخصوص. ومعلوم أن (حرب داعش) يُنتظر أن تشارك فيها 40 دولة، وقال مختصّون إن كلّ دولة سيكون عليها القضاء على نحو 300 داعشي للإجهاز على هذا التنظيم الدموي. للإشارة، فقد قدّمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقديرات حديثة حول أعداد مقاتلي تنظيم (الدولة الاسلامية) (داعش) الإرهابي، وأوضح المتحدّث باسم الوكالة (ريان تراباني) أن التنظيم بوسعه جمع ما بين (20 ألف) و(31 ألف و500) مقاتل في العراقوسوريا. وذكر (تراباني) أن التقديرات الحديثة تستند إلى معلومات استخبارتية جديدة، لافتا إلى أن التقديرات السابقة كانت تفيد بوجود (10) آلاف مقاتل للتنظيم في البلدين، ما يعني زيادة بنحو ضعفين أو ثلاثة أضعاف. وأضاف المتحدّث أن التقديرات الجديدة تعتمد على تقارير استخباراتية بين شهري ماي وأوت من العام الجاري، مضيفا أن زيادة أعداد المقاتلين تُظهر (نجاحات التنظيم في ساحات الحرب واستقطابه عناصر بشكل أقوى عقب إعلان الخلافة في جوان الماضي). في سياق متّصل، ذكرت مصادر في ال (سي آي آيه) لقناة (سي إن إن) التلفزيونية أن (15) ألف مقاتل أجنبي من أكثر من (80) دولة ذهبوا إلى سوريا، بينهم (2000) مقاتل من دول غربية. وفي سياق ذي صلة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل أمس الثلاثاء أمام مجلس الشيوخ أن الضربات الجوية التي تنوي واشنطن شنّها ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا ستستهدف معاقل التنظيم ومراكزه القيادية وشبكاته اللوجيستية. وقال هيغل أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس الشيوخ إن (هذه الخطّة تتضمّن استهداف معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، والتي تشمل مراكزه القيادية وقدراته اللوجيستية وبناه التحتية). إلاّ أن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي قال في نفس الجلسة إن عمليات القصف لن تكون مماثلة للغارات الواسعة النطاق التي صاحبت بداية الغزو الذي قادته الولايات المتّحدة للعراق في 2003، والتي وصفها القادة في ذلك الوقت بأنها حملة لإحداث (الصدمة والرعب) بين صفوف قوات الرئيس العراقي السابق صدام حسين، قبل أن تتحوّل إلى رعب دائم للعراقيين.