صراعات تافهة تنتهي بإراقة الدماء عرفت ظاهرة القتل في السنوات الأخيرة انتشارا رهيبا حيث بدأت تطفو على السطح ولم تعد تفرق بين الصالح والطالح، فأصبحت كابوسا مرعبا لكافة أفراد المجتمع وأغلبها ترتكب لأتفه الأسباب، والغريب أن بعض هذه الجرائم ترتكب بأبشع الطرق وفي بعض الأحيان ترتكب لتصفية خلافات بالانتقام من أشخاص أبرياء، فكثيرا ما تهتز بعض المدن والأحياء الشعبية على وقع جرائم مروعة يذهب ضحيتها أشخاص في ريعان شبابهم لا ذنب لهم سوى أنهم الوسيلة الوحيدة التي تستخدم للانتقام من أطراف الخلاف. حسيبة موزاوي عادت جرائم القتل إلى الانتشار بصفة مقلقة، والدليل على ذلك، القضايا التي تسجل يوميا على مستوى المحاكم الجزائرية، ولمعرفة مدى انتشار هذه الظاهرة داخل المجتمع الجزائري قمنا بزيارة بعض العائلات التي راح أبناؤها ضحايا لجرائم القتل. قتل لأتفه الأسباب ولعل أبشعها التي هزّت حي (الضفة الخضراء) التابعة إقليميا إلى بلدية برج الكيفان، وقعت منذ أسابيع قليلة فقط، راح ضحيتها شاب رياضي في مقتبل العمر لا يمت للانحراف بصلة، ذنبه الوحيد أنه دافع عن جاره الذي تعرض إلى السرقة، حيث قام بضرب السارق وهو أحد أبناء الحي، غير أن هذا الأخير صمم على الانتقام منه لأنه تعرض له في العديد من المرات، موجها له 6 طعنات بالسكين على مستوى القلب أدت إلى وفاته قبل أن يصل إلى المستشفى. وكشف شهود عيان التقينا بهم أمام مسكن الضحية، بأنّ الشرطة ألقت القبض على الشاب المتورط في هذه القضية، واتّضح أنّه من متعاطي المخدرات والكحول وقد تبرأ والداه منه، فمثل هذه الجرائم التي لها علاقة مباشرة بالمخدرات والكحول، تضرب باستقرار المجتمع بأكمله، وتهدّد سلامة أفراده، الأمر الذي يستوجب من السلطات المعنية التدخل بسرعة لمنع المتاجرة بمثل هذه السموم (المخدرات والكحول) والتي لها علاقة مباشرة بارتكاب جرائم القتل دون وازع أخلاقي أو ديني، وما يزيدنا حيرة وتساؤلا الكميات الهائلة من المخدرات التي يتم حجزها يوميا من قبل مصالح الدرك الوطني عبر الوطن، بالإضافة إلى كميات أخرى تتسلّل عبر الحدود، وربما تكون أكثر من الكمية المحجوزة، وهذا ما يفسّر تزايد جرائم القتل وتفاقمها في بلادنا. رمضان الشهر الأكثر دموية من جهة أخرى شهد شهر رمضان من السنة الجارية ما يزيد عن 20 جريمة قتل، حيث تحدثت مصادر أمنية في آخر إحصائيات صادرة عن خلية الإعلام بالمديرية العامة للأمن الوطني عن 17 جريمة تم تسجيلها في ظرف أربعة أسابيع، 14 منها سجّلت خلال الأسبوعين الأولين بمعدل جريمة كل يوم انطلاقا من أبرز الجرائم التي تم رصدها فإن أغلبها وقعت بالعاصمة فيما كان الجناة من أوساط مقربة من الضحايا، هناك من العائلات من فقدت ابنها بسبب شجار حول آراء متضاربة وهو ما حدث لابن السيدة (مريم) القاطنة بحي سعيدي أحمد قائلة (كان ابني مع أصدقائه في الشارع يتجادلون على تشجيعهم للمنتخبات الأجنبية فنشب شجار بينه وبين صديقه بسبب المقابلة فقام صديقه بشتمه بكلام غير لائق وتطور الخلاف بينهما فأمسك صديقه أداة حديدية وضربه بها على رأسه فأصيب بنزيف داخلي حيث سقط ميتا أمام المصلحة الاستشفائية (البرج) ومات قبل نقله إلى المستشفى). قتل النفس محرم شرعا ولمعرفة رأي الشريعة الإسلامية ارتأت (أخبار اليوم) الاتصال بالإمام (ن. جلول) الذي أكد بدوره أن جريمة القتل في الإسلام عموما محرمة وهي جريمة وضع لها أشد العقوبات، لأنها كفيلة بزعزعة الأمن الاجتماعي ونشر القلق والخوف في النفوس، فقتل النفس التي حرم الله قتلها هي من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله، لأنه اعتداء على صنع الله واعتداء على الجماعة والمجتمع، وسبب تفشي هذه الظاهرة هو الابتعاد عن التعاليم والقيم الإسلامية، فلو يعلم القتلة عقوبة قتل النفس البشرية لما تجرؤوا على فعل ذلك وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)، وقال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)، ولذلك يجب تجديد الخطاب الديني في المساجد لتوعية مختلف فئات المجتمع. علم النفس: مؤثرات نفسية واجتماعية وراء السلوك الإجرامي ومن جهتها تقول الدكتورة (فاسي) أخصائية في علم النفس الاجتماعي إن الجريمة هي تعبير انفعالي نتيجة لمؤثرات قد تكون نفسية أو اجتماعية غاب فيها الجانب التربوي، فالسلوك الإجرامي ناتج عن الشعور بالإحباط الشديد الذي يؤدي إلى ظهور قدر معين من العدوانية التي تعتمد على كمية المشاعر السلبية الناجمة عن الفشل، فارتفاع معدلات الجريمة هي أحد الظواهر الاجتماعية السلبية التي بدأت تنتشر في المجتمع وهي امتداد لسلوك اجتماعي غير قويم بالنسبة للفرد نتيجة لمؤثرات اجتماعية ولها علاقة مباشرة بالتربية والتنشئة الاجتماعية، لأن الفرد الذي يرتكب جريمة لا يعقل أن يرتكبها كأول فعل غير طبيعي له وإنما ترسبات وتراكمات غير سليمة، فظاهرة الجريمة لا تنفصل عن دور الأسرة في التربية. وتضيف المتحدثة أن للبيئة أثرا فعالا وكبيرا في تثقيف وتربية أفراد المجتمع سواء كانت بيئة الأسرة أو العمل، وتؤثر بشكل كبير في شكل السلوك الاجتماعي وترسيخ القيم والعادات الثقافية من خلال الضوابط الاجتماعية التي تحكم المجتمع، وأن التربية الصحيحة هي التربية القائمة على الأساس الديني السلمي الصحيح وتحتاج فيها إلى القدوة التي تسهم في إيجاد سلوك قويم ومتزن بعيد عن أي خطأ، لذلك لابد من أحكام في جوانب التربية بين الثواب والعقاب كأسلوب للتربية وعدم التقليل من شأن الأبناء مما يترك أثرا سلبيا في نفوسهم ربما يكون دافعا لهم للتعبير عن انفعالاتهم بصورة غير رشيدة، أما التفسير البيولوجي لجريمة القتل فهي عدوان بشري ينجم عن شذوذ في التركيب الكروموسومي الوراثي لدى الذكور، ولأن الكروموسوم يفرز هرمونا خاصا بالعنف والعدوان، وإذا زاد الكروموسوم عن حده الطبيعي فإن هذا سيؤدي إلى زيادة في هرمون العدوان لدى صاحبه فيدفعه إلى ارتكاب الجريمة، وهناك دوافع لارتكاب الجريمة تحت ضغط الانفعال أو رد الفعل غير المتزن أو المنحرف، وهناك ارتكاب القتل تحت وطأة الغضب الشديد الذي يصل بالحالة النفسية للقاتل إلى وضع يفقد السيطرة على جوارحه مثل القتل في جرائم الشرف والعرض وكذلك القتل عقب مشاجرة يتأجج فيها نار الغضب حتى تصل بصاحبها إلى مرحلة يفقد معها السيطرة على نفسه وبالتالي ارتكابه للجريمة، وهناك القتل تحت وطأة أمراض نفسية كانفصام الشخصية أو لإشباع غريزة أو استجابة خاطئة لفعل ما.