كثيرة هي المواقف والمفارقات في الحج، تتراوح بين مضحك ومحزن، وبين إيماني وروحاني؛ يبث فيك المزيد من الفخر والسعادة، وكونك مسلماً اصطفاك الله ببعض العبادات ليجزيك عنها الجنان والرحمة والغفران. وفي هذا التحقيق نعرض لكم بعض القصص والمواقف الطريفة التي يحكيها أصحابها أثناء تأديتهم لفريضة الحج. إذا سألك أحد عن اسمك.. قولي دعاء! عفراء الحربي من جدة تحكي قصة حدثت لها في الحج منذ عدة سنوات، قالت: (لم أستطع استخراج تصريح للحج لأن تصريح الحج يستخرج كل خمس سنوات للشخص تجنبا للزحام، ولكني كنت مشتاقة للحج مرة أخرى فاستخرج والدي تصريح لي باسم أختي دعاء، وقال لي: إذا سألك أحد عن اسمك قولي: دعاء، وصار أهلي ينادونني من قبيل المزاح بدعاء لعدة أيام، وبعدما نفرنا من عرفات للمبيت بمزدلفة، طلبت من والدي أن أمشي مع والدتي وأخواتي على قدمي قليلا؛ لأن الجلسة الطويلة في السيارة أتعبتني كثيرا فأذن لنا ونحن في الطريق ومع الزحام أضعت والدتي وأخواتي ولم يكن لدي هاتف جوال حينها! وبعد قليل هداني عقلي أن أسأل أقرب نقطة أمن، فذهبت وسألتهم إذ كان أحد يبحث عن فتاة ضائعة في الخامسة عشر. فقالوا لي: أنت عفراء والدك يبحث عنك فتذكرت والدي عندما قال لي إذا سألك أحد عن اسمك قولي دعاء، فقلت لهم اسمي دعاء، وظل أهلي يبحثون عني طوال الليل باسم عفراء، وأنا مصرة لا أريد أن أخبر أحد باسمي الحقيقي، وبقيت واقفة قرب نقطة الأمن التي سأل أبي عني فيها لعله يعود مرة أخرى فيجدني، وبالفعل عاد بعد حوالي ساعتين في حالة يرثى لها ليسأل عني مرة أخرى فوجدني واقفة أنتظر وظل يوبخني مرة لأني لم أقل اسمي الحقيقي للشرطي، ومرة يثني علي لأني فكرت في الانتظار بجانب مركز الأمن الذي سأل عني فيه). صدفة! حبيبة موجهة تربوية حكت قصة بدأت في الحج، قالت في يوم من أيام منى وأنا أتبادل الحديث مع امرأة، فإذا هي نفس تخصصي، وكنت وقتها معلمة، فأخبرتني أنها هي مشرفة تربوية في منطقة أخرى، وجلسنا نتبادل الحديث وتبادلنا أرقام هواتفنا وكانت غير راضية عن مستوى التعليم والتدريس! وقالت: إنها اكتشفت الكثير من الأخطاء في المناهج، و أخبرتني أيضا أنها كتبت هذا في كثير من مقالتها المنشورة في الصحف، ووصلها كثير من خطابات الشكر والتقدير على جهودها، وانتهى الحج. ومع بداية السنة الجديدة تمت ترقيتي لموجهة، وذهبت لمدرسة من المدارس المكلفة بالإشراف عليها وإذ بتلك المرأة التي قابلتها في الحج معلمة في تلك المدرسة، وباسم آخر غير التي قالته لي! فسألتها عن الأخطاء التي اكتشفتها في المنهج؟ وعن مقالاتها التي استحقت عليها الأوسمة والجوائز؟ حينها اعترفت أنه مجرد كلام، لأنها لم تكن تظن أن من التقت بها بين مليوني حاج ستلتقي بها ثانية صدفة لسوء الحظ! قطرات المطر لا تنسى الحاجة أم حبيب من مدينة (غزة) أحد المواقف التي مرت عليها في رحلة الحج التي أنجزتها قبل نحو خمس سنوات، تلك المشاعر الإيمانية التي كانت تعصف بالحجاج تقول: (في يوم الثامن من ذي الحجة - يوم التروية- كان على الحجاج قطع مسافة كبيرة للوصول إلى (منى)، وبينما نحن على حال المشي فإذا بالسماء ترعد وتبرق وتسقط علينا مطراً رحمةً من الله لكن أحداً لم يعبأ بالبرد ولا بالأمطار التي أحدثت سيولاً تحت أقدامنا، واستمروا يسيرون للوصول إلى (منى). وتستكمل السيدة أن ذلك المشهد بدا مختلفاً لما تجده في حياتها العامة، فإذا نزل الشتاء تجد الكل يركض تحت المظلات، و يتأفف من قطرات المطر التي أصابته بالبلل والبرد، وأحياناً أخرى أدت إلى إصابته بالمرض. أيضاً من ضمن المواقف الإيمانية أن الحجاج وهم بالملايين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأيضاً لهجات بلدانهم إلا أنهم عند نداء التلبية يتحدوا بصوت واحد (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك) وعندما يقرؤون القرآن تجمعهم اللغة العربية الفصحى وتتابع قائلة: (أذكر أني مررت بامرأة أجنبية كانت تتحدث مع صديقتها بلغة لم أفهم منها شيئا قط! وعندما انتهت من حديثها أمسكت بالقرآن الشريف وجعلت لسانها ينطق بكلماته بلغة عربية فصيحة، وبأحكام التلاوة التي أفهمها وأعمل به) وتستكمل: لم يزدني ذلك إلا اعتزازاً بالإسلام والقرآن الذي وحد البشر. ماذا يا حجاج أين التلبية تعبتم؟ ويشير أبو الوليد في الثلاثينيات من عمره أن أجمل المواقف في رحلة الحج تلك التي تحدث عندما تكون منهكاً يفتك الأرق بجسدك، وتريد أن تخلد سويعة للراحة، يقول: (أذكر أنه أثناء الانتقال من منسك إلى آخر، كان الحجاج يتلمسون بعضاً من الراحة فيصمتون قليلاً ويرخي كل منهم بجسده على مقعد الباص، فما إن يرانا المرشد على حالنا حتى يقول: (ماذا يا حجاج أين التلبية تعبتم؟ فتجد الجميع بعلو الصوت يلبي لبيك اللهم لبيك، ويزيد في التكبير والتهليل، ويستطرد كان ذلك يشعرنا بأن الألم يزول ويتبدد فيسكن القلب هنيئاً مرتاحاً لذكر الله غير آبه بآلام الجسد وإرهاقه). أنت اللي فرقت بيني وبين مراتي أما سماح الموظفة في دائرة العلاقات العامة بإحدى المؤسسات التعليمية بقطاع غزة، فإنها تذكر من رحلة الحج موقفاً طريفاً حدث أثناء رمي الجمرات، فإذا بأحد الحجاج المصريين يرجم الجمرات وما إن انتهى حتى تناول حذاءه وأخذ يصرخ: (أنت اللي فرقت بيني وبين مراتي يا .... وراح يلقي بحذائه الواحد تلو الآخر). قلت له: ردها يقول الشيخ عصام تليمه (عضو اتحاد علماء المسلمين): (أذكر من طرائف الحج التي واجهتني، وهي مرتبطة باختلاف اللغات عن بعضها البعض، كنت أحج في أول حج لي، عن طريق الأتوبيس (الباص)، وكان بجواري أخ باكستاني خلوق وطيب جدا، وكنت بجوار الشباك، وهو بجوار الطرقة، وكانت معي أمي وجدتي رحمها الله في الكرسي الخلفي، ومعظم الحجاج كانوا عربا، وكانت المياه قليلة جدا، كل إنسان منا كان معه زجاجتان أو ثلاث صغيرة على الأكثر، فكنت أطلب من جاري يأتي لي بزجاجة اشرب منها، وهي تكفي لشربتين، فأعطاني أشرب، فشربت وتبقى الباقي، فقلت له خد ردها ثانية، ففي المرة الأولى فوجئت بها يرميها من الأتوبيس، فقلت له: لماذا رميتها؟ فلم يفهمني ورد علي بضحكة عريضة، تدل على سذاجته وحسن نيته، وعدم قصده، بل وعدم فهم كلامي العربي، مرت نصف ساعة وعطشت، فطلبت الزجاجة الثانية، فشربت وما تبقى منها قلت له: ردها، وإذ به يرميها مرة أخرى، لأفقد الزجاجة الثانية، وأنا أشرح له، وهو لا يفهم والأتوبيس كله يضج بالضحك، مما يفعل معي، فلما شربت من الزجاجة الثالثة آخر ما تبقى لي، نسيت وكدت أقول له: ردها، ثم مسكت بيده في آخر لحظة والأتوبيس كله بلا استثناء يضحك ومن خلفي أمي وجدتي كذلك، من تصرف المسكين الذي أراد خدمتي، ولكنه كان يحرمني من المياه!). هل ينفع هذا يا عمي الشيخ ويستمر الشيخ عصام في سرده لذكرياته قائلا: (من المواقف التي لا تنسى في الحج معي، عندما ذهبت لأول مرة للحج سنة 2002م، وكنت مرتديا الزي الأزهري، وإذ بمرشد الحملة الديني، يفاجئني بقوله: (أريد منك طلبين، قلت: تفضل، قال: أرجو ألا تعظ الناس ولا تلقي دروسا!، والطلب الثاني: أرجو ألا تفتي، فأنا مرشد الحملة ومفتيها ولا أسمح لأحد أن يعظ أو يفتي معي. قلت له: شكرا، هل لك من مطالب أخرى؟ قال: لا). ويتابع تليمه قائلا: (وبالطبع يأتي في الحج يوم رمي الجمرات، وما يمثله من زحام للناس، وكنت أذهب في صمت، أرمي قبل الزوال، في الصباح الباكر، والدنيا خالية، فسألني أحد الناس: هل ينفع هذا يا عم الشيخ؟ قلت له: لقد جربته ونفع. فقام البعض يفعل مثلما فعلت، فقال لي الأخ المرشد الديني: (أنا طلبت منك ألا تفتي)، قلت له: لم أفت، لقد سألوني: ينفع، قلت: جربته ونفع. وتابعه في قوله بعض الحجاج، وإذ بي أفاجأ بأحد من خالفوني في عدم الرمي، وأصر أن يرمي في الزحام، فرجع حزينا ضائق الصدر، قلت له: ما بك، قال: ليتني سمعت كلامك، وأخذت بفتواك، لقد رميت في الزحام، وسقط أحدنا ومات، وكنت ممن دهسوه بقدمي من شدة الزحام غصبا عني، فقلت: سبحان الله، ألا نتعلم حتى تحدث مقتلة ومذبحة كل عام، تحت أقدام الحجاج؟! وينهي كلامه بالقول، وقد حدث في عام آخر، للحج لي، مفارقة أخرى، تمسك أحد الأخوة المرشدين برأيه، وكنت مرشدا معه، فأصر على الرمي وقت الزوال، ورميت قبله في الصباح ومشيت وعدت إلى سكني في مكة، وإذ بسيول هائلة وأنا على باب السكن تهطل، وأصعد إلى العمارة، لأرى سيارات تطيح، وتسير في المياه وهي واقفة، وأرى سيولا تجرف أمامها ما يقابلها، وأزالت خياما، وعام الناس وسبحوا في مياه في الشوارع، وكان درساً آخر أستفيده من أن الحج يقوم على التيسير، وصلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم الذي ما سئل عن شيء يوم الحج، إلا قال: افعل ولا حرج.