تُعد رحلات الحج تجارب فريدة يسبُر فيها الُحجاج أعماقهم الروحانية ويتداركون قلوبهم بالإرواء من عطش روحي تتباين مستوياته وتطول آماده عند كثيرين. وتشهد العشرة الأولى من شهر ذي الحجة من كل عام أكبر تجمع شعائري في العالم يجمع أكثر من 2,5 مليون مسلم من مغارب الأرض ومشارقها، يقصدون وجهةً واحدةً تاركين وراءهم أموالهم وأولادهم لهدف واحد وغاية سامية موحدة هي أداء فريضتهم الخامسة وإكمال دينهم. هي رحلة تدوم بضعة أيام فقط، يقضيها الحجاج في استنفار روحي غير مسبوق. ولا يكتمل هذا الاستنفار الروحي إلا باستنفار بدني يبذل فيه الحاج كل طاقته البدنية في الطواف والإفاضة والصلاة والدعاء ورمي الجمرات والنحر، قبل أن يعود إلى أهله سالماً غانماً. يبلغ عدد المسلمين في الصين أكثر من 20 مليون مسلم، يوجد معظمهم في مناطق صينية تتمتع بالحكم الذاتي مثل شينغ يانغ وتشينغهاي وجانسو ويونان ونينجشيا، بالإضافة إلى مواطنين مسلمين آخرين موزعين على 20 إقليماً. ولا شك أن قلوب الصينيين جميعاً تهفو إلى حج الديار المقدسة كلما قدِم موسم الحج. لكن حال اليوم أفضل من الأمس في الصين، فبعد أن كانت الأحوال المادية لغالبية مسلمي الصين لا تخوِّل لهم توفير تكاليف الحج قبل عقود من الزمان فبعد أن كان عددهم لا يتجاوز 10حجاج سنة 1985 و300 سنة 1999، سجلت أعداد بعثات الصين من الحجيج أرقاماً قياسية في الأعوام الأخيرة؛ إذ تجاوز عدد الحجاج الصينيين في عام 2007 عتبة 10000 لأول مرة، ثم وصل إلى 12700 العام الماضي لأول مرة أيضاً، قبل أن يصل إلى 13000 حاج صيني في العام الحالي. طفرة وصحوة رقم قياسي تُسجله الصين مرةً أخرى، لكنه مختلف هذه المرة عن كل الأرقام القياسية الأخرى. إنها توفد هذا العام 13000 حاج صيني سيسافرون على متن طائرات خاصة إلى مكةالمكرمة على تسع دُفعات. وترجع هذه الزيادة المطردة في عدد الحجاج الصينيين إلى انتعاش الاقتصاد الصيني وتحسن الظروف المعيشية لشريحة كبيرة من سكان الصين ومن بينهم الأقليات المسلمة التي طالها التهميش لعقود طويلة قبل أن يُلتفت إليها مؤخراً. وهو ما رفع قدرة الادخار لديهم ومكَّن العديد منهم من توفير نفقات الحج وتسديد ديونهم وإخلاء ذممهم المالية قبل التوجه إلى الحج. ويقول ما يوتشينج، نائب رئيس الجمعية الإسلامية لإقليم جانسو والذي سبق له أن رأس بعثة حجاج جانسو إلى الحج ثماني مرات، “لم يكن في مقدور غالبية مسلمي الصين توفير الميزانية الكافية للتوجه للحج، أما اليوم فقد تحسن الدخل الفردي للكثير منهم وأصبح بوسعهم قصد الديار المقدسة للحج”. ويحتاج كل من يرغب في الحج في إقليم جانسو إلى دفع 29000 يوان لتغطية نفقات السفر والتنقل فقط. أما إذا أراد اقتناء هدايا وتذكارات للأحباب عند العودة، فإن عليه توفير مبالغ إضافية، ليصل المبلغ الإجمالي لكل شخص حوالي 60000 يوان. وباعتبار غالبية الصينيين يذهبون رفقة زوجاتهم، فإن تكلفة حج كل زوجين تُقدر ب100000 يوان. ويتلقى الحجاج الصينيون قبل توجههم للحج كتيبات تشرح مناسك الحج باللغة الصينية وتشمل تفاصيل أدائها بشكل مُبسط، بالإضافة إلى مبادئ الصحة العامة والتدابير اللازم اتخاذها للوقاية من الأمراض والتسمم والحرائق وتجنب حوادث التزاحم والتدافع، والتيه عن البعثة أو ضلال الطريق.