تواصل فرنسا مساومة وابتزاز الجزائر على قضايا أكل الدهر عليها وشرب وتعمل جاهدة في كلّ مرّة على جرّ الجزائر إلى دوّامة الاتّهامات والصراعات بدل أن تعترف بالجرائم التي اقترفتها في حقّ هذا البلد طيلة 162 سنة من الاستدمار، وهي جرائم مازالت الجزائر تدفع ثمن بعضها، وها هي باريس تعود اليوم للنبش في مقتل الرهبان الفرنسيين بتبحرين ولاية المدية قبل 18 عاما، وهي الجريمة التي نفّذها إرهابيون تفاوضت فرنسا معهم، ولا تعدّ هذه القضية الوحيدة في سجِّل ابتزازات وتطاولات فرنسية عديدة للجزائر وعلى الجزائريين. عادت قضية مقتل الرهبان الفرنسيين لتطفو على السطح بعد مدّة زمنية طويلة، حيث أرسلت فرنسا القاضي الفرنسي المختصّ في مكافحة الإرهاب مارك تريفيديك الذي بدأ زيارة للجزائر تدوم أسبوعا كاملا، من أجل تشريح جماجم الرهبان السبعة الذين قتلوا سنة 1996 في منطقة تيبحيرين بولاية المدية لمعرفة حقيقة اغتيالهم، وهو التشريح الذي كشف وزير العدل أنه سيتولاّه مختصّون جزائريون. قضية رهبان تيبحريين تعود من جديد طلب القاضي الفرنسي من السلطات الجزائرية بواسطة إنابة قضائية دولية الاستماع إلى 23 شاهدا أساسيا في اغتيال الرهبان السبعة، وعلى رأسهم القيادي السابق في الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال سابقا عمّاري صايفي الشهير ب (عبد الرزاق البارا)، وقد رافقت القاضي قاضية مختصّة في مكافحة الإرهاب (ناتالي بو) وممثّلا عن وحدة مكافحة الإرهاب لدى النائب العام لباريس ومجموعة من الخبراء الفرنسيين، حيث سيقوم فريق العمل الذي يقوده القاضي الفرنسي المختصّ في مكافحة الإرهاب بسلسلة من الاختبارات والعيّنات بمستشفى جزائري قبل القيام بتحليل مفصّل لدى عودته إلى فرنسا. وأشار القاضي الفرنسي في تصريحاته: (أنتظر من الخبراء الجزائريين تزويدنا بالمعلومات الكافية لأنه من غير الطبيعي في جريمة بهذا الحجم لم تجر عملية تشريح مسبقا، وأن تصل متأخّرا أحسن من أن لا تصل أبدا). وجاءت إعادة فتح التحقيق في هذه القضية كون القضاء الفرنسي يريد التحقّق من استنتاجاته الخاصّة حول ظروف اغتيال الرهبان السبعة بمنطقة تيبحيرين بحكم أن الرواية الرسمية الجزائرية تعتبر أن الرهبان اغتيلوا من طرف عناصر من الجماعة الإسلامية المسلّحة (الجيّا)، فيما تعتبر روايات فرنسية أنها ترتبط بعوامل أخرى تشير إلى أن القضية تتعلّق بخطأ من الجيش الشعبي الوطني أثناء محاولة فكّ سراح الرهبان من الاختطاف. وللتذكير، قال وزير العدل حافظ الاختام الطيّب لوح إن الجزائر وافقت أخيرا على السماح للقاضي الفرنسي مارك تريفيديك بالتحقيق في مقتل رهبان فرنسيين في الجزائر سنة 1996، علما بأن الرواية الرسمية الجزائرية تقول -على حدّ تعبير الوزير- إن تنظيم (الجماعة الإسلامية المسلّحة) المعروف ب (الجيّا) هو الذي أعدم الرهبان بعد اختطافهم، والجماعة نفسُها تبنّت العملية في بيان لها. عندما يتلذّذ رئيس فرنسا بالتطاول على الجزائر لم يتوان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في طعن الجزائر من خلال تصريحات مهينة وساخرة خلقت موجة استياء سياسي وإعلامي في الجزائر واعتبرت مسيئة وجارحة للجزائر، حيث هنّأ الرئيس الفرنسي وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس على عودته سالما من الجزائر بعد زيارته رفقة الوزير الأوّل جون مارك آيرو. وقال هولاند خلال الكلمة التي ألقاها في احتفال الذكرى ال 70 لعيد المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا في قصر الإليزيه: (أظنّ أن وزير الداخلية مانويل فالس سيقوم بزيارة للجزائر)، لكنه تدارك سريعا وقال بابتسامة ساخرة: (عفوا.. لقد عاد مانويل فالس مؤخّرا من الجزائر، أمر جيّد أن يعود وزير الداخلية سالما معافى.. هذا في حدّ ذاته كثير). وأعقب تصريح هولاند قهقهات وضحكات ساخرة لأعضاء المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا الذين كانوا حاضرين في القاعة، وفي هذا الإطار طالبت الهيئات الحكومية والمجتمع المدني بتقديم اعتذار رسمي من فرنسا بعد اعتدائه المعنوي على الجزائر. وإزاء تلك التصريحات هاجمت الصحف الوطنية الرئيس هولاند واعتبرت تصريحات إهانة مقيتة للجزائر، أين قالت بعض الوسائل الإعلامية آنذاك: (إن الرئيس فرانسوا هولاند تهكّم على الجزائر أمام يهود فرنسا)، وتساءلت: (هل ارتكب هولاند عاشق التنكيت هفوة أم أن تصريحاته تنمّ عن اعتقاد راسخ لدى الفرنسيين بأن الوجهة الجزائرية تحمل الكثير من المخاطر؟)، مضيفة أن هولاند سخر من الجزائر أمام يهود فرنسا وصوّر الجزائر وكأنها منطقة حرب، فيما اعتبرت الأخرى أن تصريحات هولاند نكتة سمجة ورأت أن هذه التصريحات من شأنها أن تنسف كثيرا من الجهود والعلاقات بين البلدين. العلم الجزائري يُحرق في فرنسا أهان فرنسيون الجزائريين بطريقة أوجعتهم في الصميم جرّاء حرق الراية الجزائرية في منطقة (بورج) بفرنسا، والتي خلّفت استنكارا واسعا لدى الرأي العام الجزائري، حدث ذلك في شهر جويلية الماضي. ويقال إن مصالح الشرطة بمنطقة (بورج) فتحت تحقيقا في الحادثة أملا في الوصول إلى الجهة التي تقف وراء حرق العلم الوطني، وكتب في يومية فرنسية آنذاك: (هذا الفعل تمّ تصويره وبثّه في شكل فيديو على شبكة الأنترنت، ووصل عدد مشاهديه إلى غاية الأربعاء إلى أربعين ألف مشاهد). وجاءت هذه الحادثة عقب تأهّل الفريق الوطني الفرنسي إلى الدور ربع النّهائي من كأس العام على حساب نيجيريا، وقال: (عندما نحرق علما فنحن نريد تدمير بلد)، وذلك في تصريحات أوردتها جريدة (لوبيري ريبوبليكان) الفرنسية. وقد خلّفت هذه الحادثة استنكارا واسعا لدى عموم الجزائريين وفي مقدّمتهم العائلة الثورية، ومنهم مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار المجمّد على مستوى المجلس الشعبي الوطني موسى العبدي الذي أدان العملية واعتبرها تعدّيا صارخا على رمز من رموز البلاد، ودعا الطرف الفرنسي إلى متابعة المتسبّبين في هذه الحادثة أمام العدالة. 07 سبتمبر 2014.. إهانة جديدة ما زاد الطّين بلّة هي تصريحات جونوفياف دو فونتوني، مديرة مسابقات الجمال بفرنسا سابقا وضيفة شرف مسابقة ملكة جمال الجزائر 2014، في خطاب تزكية ملكة الجمال حين قالت: (الجزائر الفرنسية)، هذا ما أثار استياء كلّ من حضر الحفل النّهائي آنذاك، حيث انسحبت الوزيرتان فاطمة الزهراء دردوري وزيرة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتّصال ومونية مسلم وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة من القاعة كردّ على إهانة الفرنسية ضيفة الجزائر، أين لحق بهما عدد كبير من رؤساء المؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال وشخصيات فنّية وبعض المدعويين. وتحوّل حفل حينها من اختيار ملكة جمال الجزائر إلى حادثة إهانة من فرنسا للجزائر ب (لوك) جديد. وبينما اعتبر الإعلام الفرنسي الذي تناول الحدث بقوة على أنه خطأ وزلّة لسان، كان ردّ الطرف الجزائري قويا في حينه، في خطابها الرسمي لتزكية ملكة جمال الجزائر. هل كانت الكلمة التي أطلقتها جونوفياف دو فونتوني واعتبرتها الصحافة الفرنسية زلّة لسان بريئة ودون قصد؟ هذا السؤال يطرح خاصّة والسيّدة ترأست مسابقات الجمال في فرنسا لسنوات وتدرك أنها لا تشدّد فقط على الجمال الجسدي، بل على طريقة التفكير واللباقة وحسن التصرّف، فكيف تخطئ التصرّف في الجزائر المستقلّة؟ الدرك الفرنسي يتطاول على الجزائريين لم تتوقّف الإهانات الفرنسية عند حدّ معيّن، بل تمادت إلى أن وصلت إلى بثّ برنامج عبر قناة (كنال بلوس) الفرنسية (بوتي جورنال) لتغطية تمّ إنجازها في المركز الوطني لتدريب قوات الدرك الفرنسي في (دورغون)، وقد تزامن إعداد التحقيق مع زيارة وزير الداخلية برنار كازنوف الذي حضر مناورة تدريبية خصّصت لمواجهة أعمال الشغب. ما أثار انتباه معدّي التحقيق المصوّر هو نهاية المشهد التدريبي عندما قدّم رجال الدرك الفرنسي عرضا حول طريقة مواجهة أعمال الشغب والمظاهرات، حيث رفع الطرف المشاغب في المناورات وهم أعوان من الدرك الشعار الشهير ل (الخضر) [1، 2، 3... فيفا لالجيري]، والذي كثيرا ما كان يردّد في احتفالات الجالية الجزائرية بانتصارات (الخضر)، وكثيرا ما كانت تستعمل معها مصالح الأمن الفرنسية القوة لمنعها أو تفريقها. وحسب يان بارتيز، مقدم برنامج (بوتي جورنال) الذي يحظى بمتابعة الملايين من المشاهدين في فرنسا وفي الجزائر يوميا لطريقة معالجته للقضايا التي تشغل الرأي العام الفرنسي والدولي، فإنه لم يكن باستطاعة وزير الداخلية سماع هتافات المشاغبين لبعد منصّة المتابعة عن ميدان المناورات، لكن ميكروفون قناة (كنال بلوس) لم تغفلها وبثّتها، محدثة جدلا واسعا وسط الحكومة ووسائل الإعلام الفرنسيين. وما زاد الطّين بلّة -حسب مصادر إعلامية- هو قيام الوزير الفرنسي بمصافحة الدركيين المشاركين في المناورات وشكرهم على آدائهم الاحترافي، وهو ما وضعه في حرج كبير، الأمر الذي دفع المديرية العامّة للدرك الفرنسي بعد مشاهدتها لبرنامج (كنال بلوس) إلى الأمر بفتح تحقيق داخلي حول هذه الحادثة وتحديد الجهات التي اقترحت اعتماد هذا الشعار في المناورات. وقالت المصادر ذاتها إن قيادة الدرك الفرنسي تأخذ مأخذ الجدّ ما وقع في ميدان المناورات، ووعدت بتقديم توضيحات بعد التأكّد من الوقائع التي تضمّنها برنامج (كنال بلوس). يشار إلى أن المركز الوطني لتدريب قوات الدرك الفرنسي يوفّر تدريبا لمتدرّبين فرنسيين وأيضا لمتكوّنين من عدّة دول، منها الجزائر والنيجر والمغرب وإسبانيا وكندا ولوكسمبورغ. وما هذه الإهانات والحماقات الفرنسية اتجاه الجزائر سوى عيّنة بسيطة من أحقاد وضغائن فرنسا نحو بلادنا، والإهانات مرشّحة للاستمرار وسط تلكّؤ جزائري في مطالبة باريس بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية والاعتذار عنها وتعويض ضحاياها.