تفتقر سوريا في ظل الحرب الأهلية الطاحنة إلى أبسط الحاجيات اليومية، عدا الأسلحة. إذ يتم تزويد أطراف النزاع بكميات هائلة منها. تنظيم الدولة (الإسلامية) يستفيد من هذا الوضع بشكل خاص. فمن أين تأتي تلك الأسلحة؟ بالإضافة إلى ما تتسبب فيه الأسلحة من قتل ودمار، فإنها تعتبر أيضا أمرا مكلفا للغاية. فالعمليات الحربية تكون دائما في حاجة إلى تمويل ضخم لشراء الأسلحة والذخيرة والعتاد أو الحصول على خدمات لوجستية ودفع أجور المقاتلين. وإذا أخذنا مثال التحرك العسكري الأمريكي الحالي في العراقوسوريا، فإن العمليات العسكرية المحدودة ضد ما يُسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية" تكلف حوالي 312 ألف دولار في كل ساعة، حسب منظمة (مشروع الأولويات الوطنية) الأمريكية الغير حكومية. على الرغم من التكلفة العالية لشراء الأسلحة وصعوبة الحصول عليها، أصبحت سوريا مركزا حيويا ومهما لتجارة وتهريب الأسلحة بمختلف أنواعها، حتى بعد مرور ثلاث سنوات على بداية الحرب الأهلية فيها. البلد يفتقر لكل شيئ، عدا للأسلحة. قد يصعب تحديد كميات الأسلحة الموجودة بالمنطقة ومصادرها، حسب بيتر ويزمان من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يضيف أن (روسيا وإيران ستستمرا في تزويد نظام الأسد بالأسلحة. غير أن روسيا قد تتراجع مستقبلا عن دعم النظام السوري بالأسلحة الثقيلة وبالطائرات المقاتلة) على حد قوله. بالنسبة لمقاتلي المعارضة فقد حصلوا على الأسلحة بداية من مستودعات الجيش السوري، بعدما انشق بعض الجنود عن النظام واحتفظوا بمعداتهم العسكرية. علاوة على ذلك تمكنت جماعات المعارضة المقاتلة من تعزيز ترسانتها العسكرية من خلال سيطرتها على بعض مستودعات العتاد الحربي في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السوري. الجماعات المقاتلة اكتشفت في وقت لاحق السوق السوداء للأسلحة في لبنان، حيث توجد هناك -بعد عقود من الصراعات- مستودعات للأسلحة بكميات هائلة، بالإضافة إلى الكميات الكبيرة من الأسلحة التي تدفقت من ليبيا إلى سوريا بعد سقوط نظام معمر القذافي، كما يقول الخبير ويزمان. تحقيقات ميدانية هذا ما أظهرته أيضا نتائج تحقيقات منظمة Conflict Armament Research (CAR) غير الحكومية، المتخصصة في التحقيق في النزاعات المسلحة. وتستند هذه النتائج على تحقيقات ميدانية، بعد زيارة خبراء من منظمة CAR بين منتصف جوان وأوائل شهر أوت لشمال سوريا وشمال العراق. وقد قام الخبراء بالتحقيق في مصدر الأسلحة التي عثر عليها مقاتلون أكراد في العديد من المناطق، وهي مناطق كانت سابقا تحت سيطرة تنظيم - الدولة الإسلامية-. وأكد جيمس بيفان، مدير منظمة CAR أن تنظيم الدولة الإسلامية استحوذ على معظم أسلحته في (ساحة المعركة)، ويضيف بيفان بأن "هذا ما يعكسه نوع الأسلحة والذخيرة التي قمنا بتوثيقها في شمال العراق"، مضيفا أن الجيش العراقي هو المصدر الأساسي للأسلحة المستحوذ عليها. فمن هناك يأتي خليط من المعدات والأجهزة العسكرية، التي حصل عليها الجيش العراقي سابقا من الولاياتالمتحدةالأمريكية. وما يثير انتباه الباحثين في منظمة CARأيضا، هو السرعة التي يتم بها نقل الأسلحة من جبهة قتالية إلى أخرى. فبعد أسبوعين فقط من سقوط الموصل في شمال العراق، تم ملاحظة وجود نفس الأسلحة التي استولى عليها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة عين العرب ( كوباني) البعيدة بأكثر من 500 كلمتر في الشمال السوري . كما أشار تقرير منظمة CARإلى أن مقاتلي داعش يزيلون الأرقام التسلسلية المسجلة على الأسلحة، التي يتم الاستيلاء عليها. وهو ما يجعل تتتبع مصادر توريدها أمرا مستحيلا، كما يجعل معرفة الجهة التي قامت بداية بتصدير الأسلحة بشكل قانوني أمرا صعبا. مصادر متنوعة في تقرير آخر قام خبراء منظمة CARبتحقيقات حول مصادر الذخيرة التي يستخدمها مقاتلو تنظيم (الدولة الإسلامية). ولهذا الغرض تم جمع 1700 طلقة ذخيرة في منطقة القتال بين منتصف جويلية ومنتصف أوت. نتائج التحقيقات كانت مدهشة، حيث عثر الخبراء على ذخيرة يعود تاريخ إنتاجها بين 1945 و2014 من 21 دولة. وهو ما يظهر طبيعة تنوع مصادر السلاح، الذي يستخدمه تنظيم داعش. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 20 في المائة من الذخيرة يعود مصدرها لمخزونات الولاياتالمتحدةالأمريكية. الخبير بيتر ويزمان من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام يعتبر ذلك دليلا على المخاطر المرتبطة بإمداد تلك المنطقة بالأسلحة، حيث إنه من الممكن أن تسقط تلك الأسلحة في أيدي جماعات إرهابية. من جهته يضيف بيفان من منظمة CAR أن تزويد جيوش أو جماعات ضعيفة بمثل تلك الأسلحة يزيد أيضا من مخاطر انتشارها، في حال إن تمكنت جماعات إرهابية أكثر قوة من الاستيلاء عليها في المعارك مع أطراف ضعيفة . إن ذلك يشرح سبب تردد الدول الغربية حتى الآن في تزويد الفصائل المعارضة في سوريا بالأسلحة. الولاياتالمتحدةالأمريكية قامت في البداية بتزويد مقاتلي المعارضة بما يسمى ب (المعدات غير الفتاكة) مثل أجهزة الرؤية الليلية أو أجهزة الاتصال. ولكن قبل عام بدأت وكالة الاستخبارات المركزية CIA في تسليم أسلحة خفيفة لمقاتلي المعارضة السورية. ومن جهة أخرى يسعى البيت الأبيض حاليا للحصول على موافقة من الكونغرس بشأن ميزانية بمستوى 500 مليون دولار تهدف إلى تسليح وتدريب الجماعات المعارضة المعتدلة في سوريا من أجل التصدي لزحف تنظيم (داعش). التفوق الميداني لتنظيم (الدولة الإسلامية) وتقدمه دفع بالعديد من الدول الغربية ومن بينها ألمانيا إلى تسليم أسلحة مثيرة للجدل، حيث وافقت تسع دول أوروبية على إرسال إمدادات عسكرية لمقاتلي البشمرغة الأكراد في شمال العراق، رغم التخوفات من سقوط تلك الأسلحة في أيدي مقاتلي تنظيم (الدولة الإسلامية) وعدم استبعاد ذلك، في ظل المكاسب التي حققها التنظيم الإرهابي، ورغم الغارت الجوية للتحالف ضده ومقاومة المقاتلين الأكراد له على عدة جبهات. (دوتشيه فيليه)