تفتح ملف الثقافة في بلادنا ملايير في مهبّ الريح وصعوبات تعرقل النشر وأزمة مقروئية يعيش القطاع الثقافي في الجزائر ومنذ سنوات حالة من الركود فيما عدا بعض المناسبات الثقافية العابرة، ليغلب على النشاط الثقافي بذلك الطابع المناسباتي الذي صار يميّز الساحة الثقافية الجزائرية. ولا يقتصر هذا الركود واقتصار النشاط على بعض المناسبات على النشاطات الثقافية أو الفنّية فقط، بل مسّ أيضا الإنتاج والنشاط الفكري الذي يعيش الكثير من المشاكل في ظلّ العراقيل المفروضة على الناشرين وغياب مساحات خاصّة تحتضن الكتاب الذي لا يلقى الاهتمام هو الآخر إلاّ في بعض المناسبات الآنية كالمعرض الدولي للكتاب، ماعدا ذلك يمكن وصف المشهد العام للثقافة في البلاد بالركود والجمود الحضاري والإفلاس الفكري. تفتقر الساحة الثقافية في الجزائر إلى سياسة واضحة تنظّم العمل الثقافي والنشاط الفكري والفنّي المطلق، وهو ما جعل الحراك الثقافي الجزائري مرتبطا دائما بعدد من المناسبات التي يعود القطاع إلى الركود بمجرّد انتهائها بالرغم الميزانية الضخمة التي خصّصت لقطاع الثقافة، والتي يرى البعض أنها محاولة من السلطة للهيمنة عليه. غير أن هذه الميزانية على ما يبدو لا تكون مخصّصة للنشاط العام وإنما تكون مرتبطة عادة ببعض المناسبات الثقافية التي تتولّى البلاد تنظيمها، وقد كان لثقافة المناسبات هذه الأثر الكبير على الحراك الثقافي ونشاط المؤسسات والجمعيات الثقافية، حيث أدّت إلى تحييد المبادرات الفردية وتقزيم الحركة الجمعوية وتهميشها واستبعاد القطاع الخاص بشكل ما من تمويل الفعل الثقافي في الجزائر، والأخطر من هذا وذاك أنها خلقت نوعا من الاتكالية لدى بعض المؤسسات الثقافية وشللية تسبّب فيها التنافس بخصوص الاستفادة من ريع الدولة ومن تلك الملايير التي تضخّها الدولة في القطاع. جهود.. ولكن... بالرغم من أن القطاع يشهد شللا شبه تام في الأيّام العادية بعيدا عن المناسبات الثقافية، إلاّ أن جهود بعض المهتمّين ما تزال متواصلة بهدف تحسين القطاع الثقافي من خلال خلق سياسة ثقافية في الجزائر، وهو ما عملت عليه مجموعة العمل حول السياسة الثقافية في الجزائر لسنة 2013، والتي حاولت تقديم تجربة رائدة وناجحة لصياغة السياسة الثقافية عن طريق مبادرات المجتمع المدني من خلال وثيقة مشروع تتكوّن من حوالي 40 صفحة مقسّمة على أربعة عشر فصلا تمّ فيها تحديد مسارات ومتطلّبات وتوصيات السياسة الثقافية المراد تفعيلها وتطبيقها على مدار السنوات المقبلة. وتهدف هذه السياسة الثقافية إلى المساهمة في حفظ ونشر تراث الثقافة الجزائرية الذي يشكّل مكوّنا أساسيا من مكوّنات الهوية الوطنية، توفير إطار قانوني وهيكلي للقطاع الثقافي يتيح حكما رشيدا للمؤسسات الثقافية والفنّية، إلى جانب نشر الفنون والثقافة بين أكبر عدد ممكن من المواطنين باعتبارهم المستهدف الشرعي للفعل الثقافي، خاصّة الشباب منهم من خلال تعليم الفنون والحرص على نفاذ المواطنين بشكلٍ متساوٍ إلى الثقافة. قد تكون معوّقات النفاذ إلى الثقافة والفنون ذات طبيعة فنّية أو اجتماعية - اقتصادية أو مادية أو ثقافية. يجب أن تحرص اللاّمركزية على توفير المساواة في فرص النفاذ إلى الثقافة والفنون لكلّ المواطنين بغض النّظر عن موقع سكناهم أو قدراتهم المادية أو ما يحصلون عليه من دخل أو طبقتهم الاجتماعية أو سماتهم الثقافية، هذا زيادة عن ترويج فكرة الوحدة من خلال التنوّع من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي وثقافة (العيش معاً) وترويج تراث ثقافي ديناميكي يستطيع المساهمة في التنمية الاجتماعية - الاقتصادية للجزائر وتشجيع التبادل بين الثقافات على المستويين الإقليمي والدولي والتعاون في الميدان الثقافي، خاصّةً من خلال الأنشطة الثقافية التي يفرزها تنوّع التعبيرات الثقافية في الجزائر، إلى جانب تعزيز إشعاع الثقافة الجزائرية على المستوى الوطني، الإقليمي والدولي. التظاهرات الثقافية تهدر أموال الجزائريين مع استمرار غياب سياسة ثقافية واضحة في الجزائر تبقى النشاطات الثقافية ذات الطابع المناسباتي سيّدة الموقف، لا سيّما وأن السلطة تخصّص لمثل هذه المناسبات ميزانيات ضخمة، حيث انتقلت ميزانية وزارة الثقافة من 64 مليون دولار في عام 2003 إلى 3,561 مليون دولار في عام 2012، أي حوالي ميزانية عام 2003 مضروبة في تسعة، وهو ما يمكن تفسيره بعدد التظاهرات الثقافية التي احتضنتها الجزائر خلال هذه الفترة والميزانيات الكبيرة التي خصّصتها لكلّ منها. فعلى سبيل المثال تمّ خلال تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية التي نظّمتها الجزائر سنة 2007 نشر 960 كتاب من أصل ألف كانت مقرّرة وطبع 1.850.000 نسخة إجمالا، كما تمّ تنظيم العديد من جولات الكتاب عبر الحافلات والمعارض. وفي صنف المسرح تمّ تنظيم 43 مسرحية في اثني عشر ولاية و11 مسرحية تكريم لفنّاني المسرح الجزائري. أمّا فيما يتعلّق بالسينما فقد تمّ عرض 58 فيلما، منها 11 فيلما مطوّلا و33 وثائقيا و14 فيلما قصيرا وفيلما تيلفزيونيا، كما انتقلت قوافل السينما المتنقّلة عبر جماعات البلد التي بلغ عددها 266. وأعدّ المنظّمون أيضا 38 جولة موسيقية و27 مهرجانا و220 عرضا محلّيا، وكلّ ذلك كان يتطلّب ميزانية ثقيلة دون شكّ. تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية التي احتضنتها الجزائر عام 2011 هي صورة أخرى من صور هدر المال العام وتبذيره في مناسبات شكلية، حيث فاقت الميزانية المخصّصة لها 3 ملايير دينار وتمّ خلالها إنشاء أربعة متاحف ومركز للمخطوطات، ليصل عدد المشاريع الخاصّة بالتراث المادي إلى 99 مشروعا يشرف عليه حوالي 50 مكتب دراسات. كما شهدت تنظيم 12 ملتقى علميا لمناقشة قضايا التاريخ والأدب المتعلّق دائما بالحاضرة الفكرية تلمسان، أهمّها (ملتقى حول الشعر النّسوي بتلمسان) و(ملتقى الإسلام في المغرب العربي ودور تلمسان في انتشاره). وامتدّت الجولات الفنّية إلى تسع ولايات مجاورة من خلال عدد من الجولات الفنّية، حيث برمجت 1000 فنّان من خلال 200 حفل موسيقي، كما قدّمت 19 مسرحية تمّ إخراجها من طرف المسرح الوطني (محي الدين بشطارزي) والمسارح الجهوية والتعاونيات الخاصّة، أمّا الكتاب فقد تمّ نشر 365 عنوان. ويرى مثقفون أن هذه المناسبات الثقافية مجرّد نشاطات شكلية ولا تدخل ضمن الجراك الثقافي الحقيقي، ويعلّق بعضهم على تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية بأنها كانت نشاطات أقرب من المهرجان منها إلى الفعل الثقافي، إذ تضمّنت مهرجانات كثيرة، على غرار الفلكلور والموسيقى الأندلسية وبالمقابل نظّمت في إطارها ملتقيات قليلة كملتقى مالك بن نبي والمغيلي ممّا جعلها ملائمة للطابع المهرجاني. كما أن هذه التظاهرة لا تتناسب مع حجم الميزانية المخصّصة لها، والتي كانت كافية لتسويق الثقافة الإسلامية، إلّا أنها لم تحقّق الأهداف المرجوة والمتمثّلة في تجديد مضامين الثقافة الإسلامية، وكذا خدمة الآداب والعلوم، كما أنها لم تحتوِ على مشاريع أدبية ولا ثقافية تخوّل لها حمل لقب التفاعلة الثقافية. وما تزال التحضيرات مستمرّة فيما يتعلّق بتظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015 بغلاف مالي حدّد بأكثر من 15 مليار دينار جزائري، أي 200 مليون دولار. وقد تمّ في إطار التحضيرات تسطير عدّة مشاريع تمّ الشروع في إنجازها في وقت سابق، حيث تمّ البدء في إنجاز 10 ملحقات جديدة لمكتبة عاصمة الولاية، بالإضافة إلى مشروع علمي وثقافي يوضّح توجّهات واستراتيجيات المتحف الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية بقسنطينة المتواجد بقصر الباي، وكذا إنجاز قاعة كبرى للعروض، بالإضافة إلى متاحف جديدة، أحدها سيكون مخصّصا للفنون الحديثة. وسترفق هذه المشاريع بعمليات واسعة لتعزيز التراث الثقافي والديني للمدينة، من بينها المساجد القديمة للمدينة والزوايا وبعض المؤسسات التي تستحضر رموز قسنطينة وأشهر شخصياتها، من بينها وصية الشيخ (عبد الحميد بن باديس). وعن دور السينما التي يعوّل عليها الكثير في عروض التظاهرة فالوزارة الوصية استرجعت سينما (النصر) التي بلغت أشغال إعادة تهيئتها مرحلتها النّهائية وقاعة العرض السينمائي (سيرتا)، وكذا سينما (ماسينيسا) بمدينة (الخروب)، والتي ستنجز وفق المعايير الدولية، إضافة إلى بعض المشاريع الكبرى التي تصل إلى 70 مشروعا في مجال التراث وحده. ومن جانبها، بدأت الجمعيات الجزائرية والمثقّفين والكتّاب والفنّانين تحضير أنفسهم للتظاهرة التي تشاركهم فيها البلدان العربية كلّها بزخمها الأدبي والفكري والثقافي، فقد تمّ تنصيب مثلا المكتب الفديرالي للحرفيين الجزائريينبقسنطينة عن طريق فرع الاتحاد العام للتجّار والحرفيين الجزائريين بهدف جمع الفاعلين والمهنيين الناشطين في مختلف الحرف اليدوية والتقليدية تحضيرا لتظاهرة (قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015). الجزائر خارج الترتيب الدولي ثقافيا يبدو أن الطابع المناسباتي الذي يميّز الساحة الثقافية قد أصبح يؤثّر أيضا على مكانة الجزائر الدولية من حيث النشاط الثقافي، فبالرغم من التظاهرات العملاقة التي تداولت على الساحة الثقافية الجزائرية خلال السنوات القليلة الماضية إلاّ أن ذلك لم يخوّلها لتكون في مراتب متقدّمة على المستوى الدولي ومثال ذلك تجاهلها في التقرير العربي للتنمية الثقافية لسنة 2010، إذ أن التظاهرات الثقافية التي احتضنتها الجزائر قبل هذه السنة بقليل لم تكن لترقى إلى اهتمامات التقرير العربي للتنمية الثقافية الذي تجاهل الجزائر في تقريره لعام 2010 ولم يأت على ذكرها لا من قريب ولا من بعيد، وهو ما يعني أن الجزائر التي احتضنت تظاهرة عاصمة الثقافة العربية سنة 2007 والمهرجان الثقافي الإفريقي سنة 2009 لم ترق إلى مستوى المؤشّرات الدولية المعتمدة في تقييم التنمية الثقافية، الأمر الذي يستوجب نهضة ثقافية جادّة بعيدا عن الشعارات الكبيرة التي تستنفد المال العام ولا تأتي بالفائدة على الثقافة الجزائرية. من جانبهم، يرى متتبّعون أن تظاهرات (سنة الجزائر بفرنسا 2003) و(المرجان الثقافي الإفريقي 2009) و(الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007) و(تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية 2011)، وصولا إلى (قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015) لم تكن سوى مناسبة لصرف مزيد من المال العام كونها لا ترتكز على رؤية وفلسفة وتخطيط. مشاكل تعرقل النشر في الجزائر يواجه النشر في الجزائر عدّة مشاكل وعراقيل غالبا ما تؤثّر على نسبة المقروئية التي تسجّل نسبا منخفضة في كثير من الأحيان، فمشكل التوزيع مثلا يعدّ من بين العراقيل التي تواجه نشر الكتاب في الجزائر .فالتوزيع لا يمسّ كلّ مناطق الوطن لقلّة المكتبات التي تحوّل الكثير منها إلى ورّاقات، لا سيّما في المدن الكبرى. وتزداد هذه المكتبات قلّة في المناطق النائية، وإذا ما قارنّا وضع المكتبات في الجزائر بوضعها في أوروبا سنجد فرقا كبيرا، حيث تسجّل الإحصائيات في أوروبا وجود 20 مكتبة في قرية واحدة. ونقص الفضاءات التي تحتضن الكتاب في الحقيقة لا يمسّ فقط هذا المنتوج الفكري، بل كلّ المنتوجات الثقافية، فدور السينما قليلة جدّا ونفس الشيء إذا تكلّمنا عن المسارح، كما أن مشكل الفضاء هذا دفع إلى تقليص الناشرين لعدد نسخ الكتب التي لا تتجاوز 1500 نسخة، هذا إذا كان عنوانا كبيرا وأحيانا 500 نسخة، وهذا بدوره ينعكس على سعر الكتاب الذي أصبح مرتفعا جدّا. كما أن تسويق الكتاب هو الآخر يعيق عمل دور النشر والمشكل لا يكمن في قلّة مبيعات الكتب على المستوى الشعبي فقط، بل إن الأمر يمتدّ إلى المؤسسات التي لا تشتري الكتب، ولو أن كلّ بلدية من بلديات الوطن التي يقدّر عددها ب1541 بلدية اشترت كتابا واحدا لنفدت 1500 نسخة من الكتاب المطبوع، لكن البلديات لا تشتري الكتب إمّا لقلّة الموارد أو لعدم اهتمامها بهذا المنتوج. وزيادة عن قلّة الفضاءات التي تحتضن الكتاب وقلّة ومشاكل التسويق تعاني دور النشر في الجزائر من مشكل كبير يتمثّل في غلاء صناعة الكتاب نظرا لغلاء مكوّناته كالورق والحبر والضرائب، ممّا انعكس سلبا على سعر الكتاب ومن خلاله على المقروئية. وفي ظلّ كلّ هذه العراقيل التي تواجهها دور النشر وتنعكس بدورها على واقع الكتاب في البلاد ومعدلات المقروئية تعالت الأصوات المنادية بضرورة دعم صناعة الكتاب، حيث رأى مختصّون أن الأمر يحتاج إلى دعم رسمي من الدولة لهذه الصناعة لأن كلّ مكوّنات الكتب غالية جدّا، كما حمّلوا وزارة الثقافة جزءا من المسؤولية، مؤكّدين على ضرورة دعم الوزارة الوصية للناشرين في جميع الأوقات وليس في المناسبات فقط، هذا زيادة عن ضرورة أن يكون أصحاب دور النشر من المهنة، فدون كتاب منتج في البلد لا يمكن أن تكون هناك ثقافة وطنية. أزمة مقروئية في الجزائر يقابل قلّة المنتوج الفكري في الجزائر عزوف شعبي واضح فيما يتعلّق بقراءة الكتاب ومتابعة الإصدارات الجديدة في مختلف التخصّصات، حيث يسجّل الشارع الجزائري تراجعا مستمرّا في استهلاك المادة الثقافية والكتاب على وجه الخصوص. حيث تشير الأرقام إلى تدنّي معدلات القراءة مقارنة بمراحل سابقة، إذ شهدت المقروئية نسبا محترمة في مرحلة السبعينيات التي عُرفت في الأوساط الثقافية بعصر القراءة الذهبي، وهذا راجع بالأساس إلى اعتبارات اقتصادية كانخفاض أسعار الكتب من جهة والدعم الرسمي المباشر للكتاب من جهة ثانية، لكن مع بداية الثمانينيات بدأت معدلات القراءة في الانخفاض، خاصّة مع انحصار صناعة الكتاب على الشركة الوطنية للنشر والتوزيع. تعتبر المقروؤية في الجزائر وإن كانت تسجّل معدلات منخفضة منذ سنوات من أهمّ القضايا الكبرى التي تشغل بال المهتمّين، حيث تشير تقديرات بعض المتتبّعين إلى أن نصيب الفرد الجزائري من الكتاب في السنة نصف كتاب، وهو ما يكفينا ربما لأن نقرّ بأن هناك أزمة كتاب في الجزائر. كما تشير ذات التقديرات إلى أن المدّة المخصّصة للقراءة عند الطفل الجزائري لا تتجاوز دقيقتين في السنة، وهو ما يؤكّد أيضا أن بلادنا تعيش أزمة مقروئية واضحة بالرغم من أن الجزائر تشهد منذ بداية الألفية الثالثة ديناميكية ثقافية ترجمتها التظاهرات الثقافية التي تحتضنها الجزائر وتشارك فيها كتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية وتلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، إلى جانب قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التي تحتضنها الجزائر السنة المقبلة. ويرجع متتبّعون أزمة المقروئية التي تعيشها الجزائر إلى غياب كلّي للدور التوجيهي والتحسيسي الذي تلعبه الأسرة والمدرسة في غرس ثقافة المطالعة لدى الطفل لأنه من لا يقرأ في الصغر لن يقرأ في الكبر، إلى جانب عدم إدراك القائمين على البرامج التربوية للأهمّية الكبيرة التي تعتريها المطالعة، حيث يلاحظ الغياب شبه التام للمطالعة الموجّهة كمادة محورية ومستقلّة في المقرّرات التعليمية عكس ما هو حاصل في بعض الدول، إضافة إلى انعدام الحوافز التشجيعية للقراءة في كلّ الأطوار وعدم انتشار المكتبات البلدية بالشكل الكافي الذي ينسجم مع المسعى الذي تروّج له وزارة الثقافة بالاشتراك مع وزارة الداخلية وهو مشروع مكتبة لكلّ بلدية. في حقيقة الأمر أننا لم ندرك بعد قيمة هذا النّوع من المكتبات التي توفّر منبرا للقراءة المجّانية أمام المواطنين محدودي الدخل من جهة، كما تخلق فضاء ثقافيا يتلاقى فيه القرّاء ويتبادلون الأفكار من جهة ثانية وفي النّهاية نؤسّس لما يمكن تسميته بالقراءة التفاعلية، وفي هذا الإطار نسجّل أيضا حالة عدم الاكتراث التي توليها المؤسسات الجامعية لمسألة المكتبة من حيث التمويل أو اقتناء الكتب. كما يعود سبب العزوف عن القراءة من جانب آخر إلى سلبية الإعلام الثقافي في التعاطي مع موضوع الكتاب والقراءة في الجزائر، إذ وبالرغم من تخصيص الأقسام الثقافية في الصحافة المكتوبة لبعض المقالات التي يتمّ من خلالها عرض لأهمّ الإصدارات والكتب إلاّ أن ذلك لا يرتقي إلى مستوى لعب دور نقدي يدفع إلى خلق جيل قارئ. وما يلاحظ أيضا في ميدان صناعة الكتاب أن علاقة الناشر بالكتاب غالبا ما تكون علاقة تجارية بينما يفترض أن تكون علاقة ثقافية، فالكتاب ينظر إليه كمجرّد سلعة تباع وتشترى وليس كوسيلة تعليمة وتربوية، وهذه الوضعية في الحقيقة قد لا يقف الناشر من ورائها بالضرورة وإنما هي نتاج للوضعية العامّة للكتاب في الجزائر، والتي لا تحفزّ في مجملها على القراءة. كما أن القراءة منطقيا مرتبطة بالإنتاج، وعليه فنحن لا نقرأ لأننا لا ننتج، فالشاعر والكاتب والروائي يطبع في أحسن الأحوال ألف نسخة من مؤلّفه ولا يباع منها إلا النّصف، إضافة إلى أن سعر الكتاب لا يتناسب غالبا ومتوسّط دخل الأفراد، حيث يشكو المواطن الجزائري من ارتفاع ثمن الكتاب، لذلك فهو برأيه لا يحتلّ مكانة أوّلية في سلّم اهتماماته، وأمام كلّ هذا يبقى هناك غياب تامّ لخطّة عمل مشتركة تربط بين جميع المؤسسات التي لها علاقة بموضوع القراءة والنهوض بالكتاب مثل وزارات الثقافة والتربية والشؤون الدينية والتعليم العالي.