عندما قام وزير الدفاع الفرنسي هيرفي موران بإزاحة الستار عن لوح تذكاري بمسجد باريس الكبير يشيد بالمسلمين الذين ماتوا من أجل فرنسا خلال الحربين العالميتين يكون كثيرون قد تنفّسوا الصعداء أخيرا، فأخيرا ها هي فرنسا تعترف بأنه كان للمسلمين يوما دور إيجابي في تاريخها، وها هي بعد طول تململ وتردّد كبير تقرّ بأن عشرات الآلاف من أتباع الدين الحنيف قد قدّموا أرواحهم هدية لفرنسا وماتوا من أجل أن تحيا باريس·· باريس التي لم تتردّد بدورها في قتل ملايين المسلمين، فالجزائر وتونس والمغرب وغيرها من الدول التي وصل إليها جنود فرنسا غزاة معتدين· مراسم إزاحة الستار عن اللّوح التذكاري الرّمزي جرت بحضور كاتب الدولة للدفاع ولقدماء المحاربين هوبارت فالكو وكذلك عميد مسجد باريس الكبير الجزائري دليل بوبكر، وهو ما يحمل الكثير من الدلالات ويشير إلى أن فرنسا تستطيع أن تكون متسامحة ومتحضّرة حين تريد ذلك· وبغض النّظر عن الأهداف الحقيقية من وراء هذه اللفتة الفرنسية فإنها لفتة تستحقّ التنويه، ووهي بالمناسبة من اللفتات النّادرة جدّا التي يمكن أن تحظى بالتنويه في زمن ساركوزي، فمنذ وصول هذا الرجل إلى سدّة الحكم في باريس لم نسمع إلاّ ب المبادرات العدائية اتجاه المسلمين، وهي أوّل مرّة نسمع فيها بمبادرة رسمية إيجابية اتجاه المسلمين، حتى ولو كان الأمر يتعلّق بمسلمين ماتوا من أجل فرنسا· فرنسا الرّسمية من خلال اعترافها بفضل ما لا يقلّ عن مائة ألف جندي مسلم سقطوا تحت الرّاية الفرنسية أو فقدوا خلال الحربين العالميتين لم تخسر شيئا، بل بالعكس ربحت الكثير من النّقاط في سجّلها الحضاري وبعثت رسالة اطمئنان إلى مسلميها الحاملين لجنسيتها، وهم كثيرون، وفرنسا لن تخسر شيئا، بل بالعكس ستربح الكثير في تقديرنا، إن هي تحلّت بالجرأة نفسها لتعترف بجرائمها في حقّ المسلمين خلال حقبها الاستعمارية في الجزائر وغيرها، لكن لا يبدو أنها تملك الاستعداد لتتحلّى بتلك الجرأة حين يتعلّق الأمر بالاعتراف بجرائمها·