بقلم: عبد الحميد صيام الدمعة التي ذرفها وائل كفوري بعد مشاهدة عائلة المتسابق الفلسطيني هيثم خلايلي تقطف أشجار الزيتون المباركة في مجد الكروم، تساوي عندي كل خطابات السياسيين العرب. والسجادة الحمراء التي فرشتها نانسي عجرم لمنال موسى من بيروت إلى فلسطين تساوي عندي كل سجاد قصور الرؤساء والحكام العرب، وشهادة حسن الشافعي والوجع الذي شعر به بعد غناء منال، وإرسال تحياته إلى الشعب العظيم وإلى الفنانين الذين يحملون الهم الفلسطيني في أغانيهم تساوي عندي كل بيانات القمم العربية الخشبية، التي تنتهي دائما بمناشدة المجتمع الدولي للتدخل. ومحبة أحلام الصادقة والقلبية لشعب فلسطين وإعلانها مرارا أنها بنت فلسطين واقتباسها لكلمات محمود درويش، تساوي عندي كل الخطب العقيمة التي أشبعنا بها اليساريون واليمينون والإسلامويون والليبراليون والماركسيون، وفي النهاية انحازوا إلى جانب الطغاة أو المتطرفين أو قبلوا برشوات الأجنبي الظالم. هذا هو النموذج العربي الصادق البسيط الذي نريده، أن تكون فلسطين فوق الخلافات وفوق الفئوية والطائفية والعرقية والأيديولوجية والجهوية والحزبية والشوفينية والقبلية، وأن تظل القاسم المشترك الذي يلتف حوله أبناء العروبة الطيبون الصادقون، لأنها قضية حق وصرخة في وجه الظلم وانتصار للمقهورين وذرف دمعة على شعب تآمر عليه العالم فمزقه وشتته واستولى على أرضه ورموا به إلى المنافي ومخيمات اللجوء، أو حشروه في المعازل والكانتونات يعيش حالة حصار من البر والبحر والجو وإذا صرخ في وجه كل هذا القهر اتهموه بالإرهاب، فأي ظلم أكثر من هذا؟ تحية لكم جميعا وأنتم تنتصرون لفلسطين وتعكسون النموذج المشرق للشعب العربي الطيب المتحد في مشاعره وهمومه وآلامه وآماله وعشقه للحرية والكرامة والحياة. مساحة صغيرة يلتقي فيها العرب ولا يتخاصمون أتعرفون أيها الأعزاء نانسي وأحلام ووائل وحسن ما تفسير شعبية برنامج عرب آيدول ولماذا يلتف حوله الملايين من مغارب الوطن العربي إلى مشارقه؟ ليس فقط لأنه برنامج ترفيهي راقٍ، ولا لأن هناك مواهب رائعة يتم اكتشافها ولا لخفة دم أحمد فهمي ورقة أنابيلا هلال، ولا للفرقة الموسيقية الرائعة والموزع الموسيقي المشهور إيلي العليا. كل هذه المميزات صحيحة، ولكن البرنامج أيضا يوفر لنا فرصة أسبوعية نهرب من همومنا العربية ومآسينا اليومية وأخبار القتل والتفجيرات والبراميل والمفخخات والاغتيالات وحز الرؤوس ومهاجمة الأقليات وتهميش المرأة. نأتي إليكم فلا نسمع إلا الكلام الطيب عن فلسطين واليمن ولبنان وسوريا والعراق وكردستان العراق والجزائر ومصر والسعودية والإمارات والمغرب... أجواء من المحبة والرفقة والزمالة والمنافسة الشريفة تسود بين المتسابقين. لا أحد يمكر لأحد ولا أحد يتآمر على آخر ولا تشعر سيدة أنها مهانة لأنها أنثى، ولا يشعر أي من المتسابقين أنه غير مرحب به بسبب العرق أو المنبت أو الانتماء أو العقيدة أو اللون أو المستوى الاجتماعي. نشعر بأن جميع المتسابقين مترابطون متحابون كأنهم أبناء عائلة واحدة وهم بالفعل كذلك. هذا ما يجب أن يكون عليه الوطن العربي وهو ما يمكن أن يصبح حقيقة لو سمح للشعوب بأن تقرر مصيرها بنفسها بعيدا عن الحكام وتدخلات الأغيار وتخريبات من يدعون المعرفة كلها. كدنا نيأس من وجود رقعة جغرافية أو فضاء صغير يلتقي فيه العرب بمكوناتهم العرقية والدينية في أجواء من المحبة والود والحوار الحضاري، بعيدا عن العنف والتخوين والقهر والتصنيف والاستعلاء وتبادل التهم، لكن البرنامج وفر هذه الرقعة. لقد وجدنا في برنامجكم هذا مساحة ولو صغيرة يتحدث فيها الكردي لإخوته العرب ويغني لهم بدون وجل أو تردد فيلقى الاحترام الذي يستحق. ويغني فيها القبائلي بلغة الضاد فلا يعيبه أحد إذا كانت لهجته قريبة أم بعيدة عن اللهجات الأكثر شيوعا... وهل كان للهجاتنا أن تتباعد لولا الفرقة والاستعمار والحدود المصطنعة والتخلف الثقافي؟ لقد وجدنا مساحة من الحلم في برنامجكم حول وطن عربي معافى من الأدران وبقع الجدري وتشققات الجلد _ فاسمحوا لنا أن نعيش الحلم ولو لساعتين في الأسبوع لعل هذا الحلم يتحقق يوما ما. نقل الهم الفلسطيني فلسطين القضية كانت حاضرة منذ الموسم الفائت مع ترداد تلك التعليقات المختصرة والنافذة التي أطلقها الحكام عندما كان محمد عساف يعتلي المسرح ويغني لفلسطين وزيتونها ومدنها وكوفيتها وصمودها. صوته حمل الهم الفلسطيني ووزعه على البلدان العربية جميعا، فما بقي شخص بدون أن يذرف دمعة أو ينفث زفرة أو يطلق آهة مليئة بالوجع على الشعب المظلوم. واستمرت الرسائل الصغيرة المحملة بالألم طوال الموسم الحالي تبوح بها منال موسى وهي تحيي التراث الفلسطيني الذي حاول الأعداء طمسه، وتغني للذين طالت غربتهم ويحنون إلى زياتينهم وبياراتهم ويلحق بها هيثم خلايلي فيسرج الأصايل ويطالبها بالرد على التحدي ويذكر الحضور بأن الصراع مع هذا العدو طويل ولم تنته فصوله بعد. هؤلاء الثلاثة يذكّرون العالم العربي بما لحق بالشعب الفلسطيني من مآسٍ ومظالم. يتحدون في الهم ويوحدون المستمعين عندما ينقلون لهم هذا الهم. ليس مهما إن جاء المشترك من خانيونس أو من دير الأسد أو من مجد الكروم، من الولاياتالمتحدة أم من مخيم اليرموك، من برج البراجنة أو من رفح. إنها تنويعات قسرية لشعب واحد تم تمزيقه من قبل قوى الاستعمار وذيولها. تقسيمات فرضت عليه وما اختارها بمحض إرادته. ولا يعجبن أحد أن هناك أكثر من أربع تنويعات للهوية الفلسطينية في فلسطين من البحر إلى النهر. فالفلسطيني الذي يعيش في مناطق 48، كما تسمى شعبيا، يحمل هوية مختلفة عن أبناء القدس، ووثيقة سفر أهالي الضفة الغربية تختلف عن هوية سكان غزة. ونقترح على القراء مشاهدة فيلم قصير أنتجته المبدعة الفلسطينية آن- ماري جاسر بعنوان كأننا عشرون مستحيلا يتحدث عن جدل الهويات في فلسطين عندما يعتقل حاجز إسرائيلي أربعة فلسطينيين، واحد من منطقة 48 والثاني من القدس والثالث من رام الله والرابعة من الولاياتالمتحدة، لترى كيف يتم التعامل مع هؤلاء الأربعة الذين يتّحدون في موقفهم من الاحتلال ويتحدّون الجنود على الحاجز. إن وجود أربع تنويعات للهوية الفلسطينية في فلسطين التاريخية، لا يعني أن هناك أربعة شعوب وأربع قضايا وأربعة انتماءات، بل هناك شعب واحد وهوية وطنية واحدة وهمّ واحد وانتماء واحد، رغم التقسيمات والهويات المفروضة. إن تلك الأصوات النشاز التي تحاول أن تشكك أو تتهم أو تثير الأسئلة حول الانتماء والهوية الوطنية للمشتركين، إنما تصب في خانة التآمر على هذا الشعب وتثبت تقسيماته وحرف بوصلته عن الوطن. ونعود ونؤكد أن الصورة الحضارية التي يعكسها هؤلاء الموهوبون عن طريق أصواتهم، التي تحمل الهم الفلسطيني وتوصله إلى قلوب الملايين، إنما تخدم القضية المركزية أفضل بكثير من أولئك الذين لا يقدمون شيئا إلا التشكيك والهدم كنوع من التبرير لتخاذلهم وضعفهم وانهزاميتهم وانسحابهم من ساحة العمل والتأثير والتغيير. فلسطين تبقى القاسم المشترك نتمنى أن تظل فلسطين القضية حاضرة في كل الميادين وكل المجالات. نتمنى أن تظل ذكراها حية دائما للأجيال الحاضرة والقادمة، لأن هناك من القوى الدولية والعربية من يريد طمسها وتهميشها وتحويلها إلى قضية محلية متروكة للسلطة الفلسطينية، لتحل الإشكال بالتفاوض مع الكيان الغاصب. نتمنى أن تدخل فلسطين كافة البرامج المرئية والمسموعة. ونتمنى أن نرى المسارح تخصص جزءا من عروضها للقضية الفلسطينية، وأن تقوم دور السينما بعرض الوثائق والأفلام المخصصة للقضية، وأن تقام المعارض الفنية والرسومات حولها في كل مكان. كم نحلم بأن يتسابق المطربون في إحياء الحفلات الوطنية وجمع التبرعات لأبناء النكبة المقتلعين من ديارهم ومخيماتهم وقراهم. نود أن نرى الجامعات تنظم العديد من المؤتمرات الخاصة بالنكبة، والمدارس تخصص جزءا من الحصص للتثقيف حول النكبة وتقدم جوائز للطلبة الذين ينظمون أفضل قصيدة في النكبة وأفضل قصة قصيرة وأفضل موضوع إنشاء وأفضل بحث علمي. نتمنى أن نرى العديد من المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات تضع برامج سنوية تتعلق بالقضية المركزية وتعقد الأنشطة والمهرجانات الشعبية والمؤتمرات حول الصراع العربي الصهيوني، الذي ما زال مستمرا، بل يزداد شراسة كل يوم. نتمنى على كل الإذاعات والمحطات الفضائية أن تخصص برامج يومية وأسبوعية وشهرية حول القضية الفلسطينية وتعرض الوثائق والأفلام وتستضيف الخبراء وتعقد الندوات والبرامج الحوارية وتنظم حفلات تبرعات يشرف عليها كبار الفنانين والمثقفين والصحافيين والسياسيين. على أبناء العروبة من محيطهم إلى خليجهم أن يتعلموا تفاصيل قضية العرب المركزية وبالتحديد مرحلة النكبة وما تلاها من تدمير المجتمعات الفلسطينية والعربية، وعن الحروب التي لم تتوقف ليوم واحد حتى هذه اللحظة بين إرادتين: الهيمنة مقابل الصمود والتحدي. إن وقفة موحدة صادقة لكل الشعوب العربية في نصرة القضية المركزية ستجمع حولها كل القوى الشريفة المناصرة للحق والخير والعدل في العالم. فأقل ما يمكن عمله أن يساهم الفنانون والرياضيون والناشطون والإعلاميون في غرس نبتة الالتزام برفض الكيان الغاصب العنصري على كافة المستويات. وعلى هذا الكيان السرطاني أن يعرف أنه في مواجهة دائمة لا تكل ولا تلين مع الأمة بملايينها الثلاثمئة والخمسين الآن وملايينها السبعمئة في السنوات الأربعين القادمة. فلا يستهينن أحد بمثل هذه الإشارات اللطيفة التي يطلقها حكام عرب أيدول حول فلسطين وعدالة قضيتها وصمود شعبها وعمق الجرح الذي ينقله إلى العالم مبدعوها من شعراء ورسامين ومغنين وعلماء ورياضيين ومصممين. إن هذه الإشارات والتعليقات القصيرة التي يطلقها حكام عرب أيدول على أداء الفلسطينيين هي التي تعكس روح الأمة الحقيقية ومشاعر الشعوب العربية الصادقة التي تقف مع الحق ضد الظلم ومع الشعب الفلسطيني ضد جلاديه، بعيدا عن تزوير السياسة وعبثية المفاوضات وتنميق الخطب ومشاريع التسوية واستجداءات المجتمع الدولي. تحية لأحلام ونانسي وحسن ووائل وتحية لمنظمي البرنامج ومقدميه والمشاركين فيه ولمؤسسة أم بي سي التي أنتجت هذا العمل الكبير. واسمحوا لنا أن نأخذ راحة من همومنا الكثيرة مرة على الأقل كل أسبوع لنعيش معكم مساحة قصيرة من الحلم الذي تربينا عليه صغارا، وكبر معنا كهولا وتجسده هذه الكلمات: بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان _ ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان.