يعتبر الزواج رباطا مقدسا يجمع بين الرجل والمرأة، ويكون الشيء الذي يبني بينهما علاقة تستمر، أو من المفروض أن تستمر إلى آخر حياتهما، ويجعل حياتهما بالتالي حياة واحدة، ملؤها التسامح، لكن كل هذا لا يكون إلاّ إذا أحسن كلاهما اختيار الشريك المناسب· لكن يبدو أنّ البعض، أو أكثر المواطنين صاروا، إما يتسرعون في الاختيار، أو لا يُوّفقون فيه، بدليل حالات الطلاق التي هي في تزايد مستمر، والقضايا التي صارت تعج بها المحاكم الجزائرية من أزواج انفصلوا بعد أشهر بل أسابيع قليلة من الزواج، ولكن السبب لا يكون دائما سوء الاختيار، ولكن أيضا ظاهرة طفت على السطح في المدة الأخيرة، وهي زواج الانتقام، إن صحّت تسميته كذلك، وهو زواج الرجل من امرأة يريد أن يثأر منها لسبب أو لآخر، فيرتبط بها بشكل عادي، ولكن ما إن تمر أيام على زواجهما حتى يتركها انتقاما منها، ويتركها في حيرتها وفي ندمها إن كانت قد ارتكبت خطأ في حقه· الظاهرة عجيبة في بلد يعاني أغلب شبابه من العنوسة، والتي تكون عادة بسبب عجز الشباب المادي إناثا وذكورا على الزواج وتكوين أسرة، فيما يعتبر آخرون الزواج مجرد فرصة للانتقام، من فتاة متكبرة أو متعالية، أو أنها لم ترضخ لطلباته يوما، أو لأي سبب، يجعله يفكر في أنّ عليه الانتقام منها بأي طريقة كانت، حتى ولو كان ذلك سيكلفها ثمنا باهظا، ويدمر حياتها إلى حين· ونحن في محكمة عبان رمضان التي تتناول قضايا الطلاق، بل أغلب القضايا التي تمر منها هي قضايا الخلافات الزوجية، والتي تؤدي عادة إلى طلب أحد الطرفين الطلاق، واحترنا في حالة سوسن، الفتاة صاحبة الثانية والعشرين سنة، والتي ارتبطت برجل كان زميلا لها في العمل، وكان قد طلب منها الزواج فرفضت في المرة الأولى، ثم كرر طلبه لمرات، وأبدى نية حسنة في تكوين أسرة، فقبلت، وتمّ الزواج، ولكن في الليلة الأولى من الزواج تركها دون سبب، وهو الأمر الذي جعلها تحتار لأمره، خاصة وأنه لم يحدث، تقول، بينهما ما يجعله يقرر تركها، وتضيف قائلة: لم أر زوجي منذ الشهر الأول من ارتباطنا، وهو الأمر الذي جعلني في البداية أشك في أنه، وعندما خرج صباحا قد وقع له حادث أو أمر عطله عن العودة مساء، وحتى هاتفه كان مقفلا، لكن لم يكن الأمر كذلك، وهو ما علمته بعد ذلك عندما اتصلت بمنزله العائلي، وتبين لي أنه يمضي لياليه هناك، ولكنه لا يحدثني أبدا، إلا أنه عندما أرسل لي ورقة الطلاق مع محاميه، قال إنه لم يرتبط بي إلا لكي يذلني ووصفني بالمتكبرة والمتعالية، رغم أنني لم أكن ذلك، ولكن طبعي هكذا، لا أقدم على مشروع مصيري مثل الزواج إلا بعد تفكير طويل· وقد قصت علينا منال هي الأخرى تجربتها القاسية، حيث لم يدم زواجها إلاّ ليلة واحدة، فقد خرج زوجها صباحا وترك لها رسالة، على طريقة الأفلام السينمائية، تصفها لنا، قال لها فيها إنه تزوجها لكي يكسب رهانا كان قد اتفق عليه مع صديقه، والذي تعرفه هو الآخر، حيث سعى كل واحد منهما للحصول عليها، ليس للزواج والظفر بها، ولكن لإهانة كرامتها، وهي التي لم تمنح في وقت ماضي أهمية لهما، ما جعل زوجها يحس بالإهانة، ويقرر الانتقام لنفسه بأن يتزوجها ويتركها في الليلة الأولى من زواجهما، وما أثر فيها أكثر أن الناس حسبوا أن بها عيبا جعل زوجها يتركها من الليلة الأولى، وحتى أسرتها لم تصدق الأمر بسهولة· حالات كثيرة لأشخاص قرروا الانتقام لكرامتهم التي ضاعت بعد التوسل لدى الفتيات، واختاروا هذه الطريقة والتي لا تفعل سوى أن تذهب بالبقية الباقية من كرامتهم، ليس إلاّ، فليس أسوا من التلاعب بالمشاعر·