على عكس المتوقع تعرض مشروع قانون تجريم التحرش الجنسي المرتقب مناقشته قريبا في البرلمان ل (نيران صديقة) بفعل انتقادات مختصين وجمعيات نسائية على ما أسموه (إفراغ المشروع من المحتوى الذي كان من المفترض أن يتضمنه)، هؤلاء يطالبون بمراجعة مشروع القانون وتكييفه مع متطلبات الحماية الفعلية والناجعة للنساء. تتنوع الاستفهامات بحجم تعقيد عمليات التحرش وتداخل كل الأسباب السيكولوجية والسياسية والاقتصادية فيه، وهو ما يجعل أي قانون قاصرا أمام هذه التعقيدات، هذا الأمر دفع حقوقيين وحركات جمعوية نسوية إلى المطالبة باستعجال إصدار قانون خاص بالظاهرة لردع المتحرشين، لكن محتوى هذا القانون الذي سيطرح للنقاش في البرلمان الجزائري قريبا لم يعرف طريقه إلى الاتفاق ولم يرض أغلبية الفاعلين الذين جست (أخبار اليوم) آراءهم. جمعيات نسائية: القانون فارغ المحتوى وجاء في سياق مستعجل تعيب عدة جمعيات نسائية على هذا القانون أنه غير مبني على منهجية وجاء في سياق مستعجل، ولم يتم استحضار مشاركات الحركة النسائية فيه ولا يستجيب لمعالجة كافة الإشكاليات المرتبطة بالتمييز ومناهضة العنف ضد النساء. وفي هذا الإطار انتقدت منسقة جمعية النساء في شدة نزيهة دوادي ما أسمته (إفراغ المشروع من المحتوى الذي كان من المفترض أن يتضمنه). واتهمت ذات المسؤولة الجمعوية في تصريح ل (أخبار اليوم) السلطات الحكومية المعنية ب (إقصاء) الجمعيات النسائية من المشاركة في بلورة المشروع والتشاور بشأنه رغم كونها (فاعلا أساسيا في محاربة العنف القائم على الصنف)، منتقدة أيضا (غموض المقاربة المعتمدة فيه تارة وتعارضها تارة أخرى مع مكونات وخصوصيات المجتمع الجزائري، مسلطة الضوء في ذات الصدد على غموض آليات تطبيق هذا المشروع ميدانيا. مختصون اجتماعيون: بسط الأمن الكافي على النساء هو الحل من جهتهم، يرى المختصون الاجتماعيون أن ظاهرة التحرش يجب أن تدرس ضمن كل أبعادها والحلول التي يجب اتخاذها عليها أن تكون شاملة ولا تتوقف على المبادرات العشوائية، (فالدولة أول المسؤولين عن فرض الأمن الذي تحتاجه كل امرأة كأي مواطن يحتاج للتنقل والحركة بأمان دون التعرض لأي أذى مهما كان شكله). كما من شأن الدولة -حسب رأي البعض منهم- تشريع قوانين رادعة وقاسية ضد المتحرشين وضد كل عملية ترهب المرأة عن ممارسة نشاطاتها والحفاظ على مستوى اقتصادي يوازن بين الطبقات الاجتماعية المتفاوتة، فالجماعات التي تعيش على هامش الحياة في حارات عشوائية تفتقد إحساسها بالانتماء إلى المجتمع وتنزع إلى التخريب لتلفت الانتباه إليها، تماما كما أن البطالة يمكن أن تكون من أخطر الأسباب، حيث تفصل شعور المواطن عن دولته وتكرس داخله انفعالات الغضب والقهر التي يتم تفريغها بمثل هذه السلوكيات، حسب ما يؤكده العديد من المختصين الجزائريين في علم الاجتماع. جمعية المستهلك: القانون لابد أن يشمل المتحرشين في أماكن العمل والدراسة دعت جمعية حماية المستهلك إلى تعميم قانون معاقبة التحرش الجنسي المرتقب مناقشته في البرلمان قريبا إلى جميع القطاعات والأماكن بدل حصره في الشارع فقط، وأشارت في بيانها إلى أن التحرش الذي يجري في الإدارات أكبر وأخطر من ذلك المنتشر في الشوارع. وتساءلت الجمعية على لسان ناطقها الرسمي سمير القصوري عن سبب حصر موضوع التحرش في الشوارع فقط، حيث تجاهل القانون الذي هو قيد الدراسة التحرش في العمل من قِبل المدراء، وأيضا في الجامعة من قِبل الأساتذة. وشدد القصوري في بيان نشره على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي (الفايس بوك) أوّل أمس على ضرورة خلق قانون يدين جميع المتحرشين بغض النظر عن مكانتهم ومواقعهم من الجنسين. ومن جهة أخرى، دعت الجمعية إلى معاقبة كل من يثير بمظهره ويدفع إلى التحرش باللباس الفاضح الذي يثير الغرائز بين الجنسين. رجال دين: نطالب أيضا بتجريم التبرج في الشوارع في هذا السياق اعتبر الداعية الجزائري فيزازي بغدادي في تصريحات صحفية سابقة أن تبرج النساء في الشارع جريمة في حق المجتمع، يحرّمها الشرع ويعاقب عليها القانون. وبالنسبة للقانون الجديد الذي يجرّم التحرش في الشارع دعا المتحدث إلى تعميمه بتجريم التبرج أيضا، (لأن المرأة المتبرجة والتي تخرج من بيتها شبه عارية هي تتحرش بالشباب وتستفز غرائزهم وشهواتهم، وكان الأجدر على القانون أن يفرض على المرأة لباسا محترما قبل أن يجرم المتحرشين بها). وأضاف المتحدث أن اللّه لم يحرّم التبرج لذاته، بل حرّمه لتأثيره على الرجال، وربط غض البصر بحفظ الفرج لقوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}. فايسبوكيون يطالبون بتشديد وتعميم العقوبات من منا لم يشاهد فيديو تلك الفتاة المحجبة التي سارت لمدة 45 دقيقة في شوارع العاصمة وتعرضت لشتى أنواع التحرش أمام مرأى ومسمع المارة في أحد أكبر شوارع الجزائر وأكثرها أمنا؟ هذا الفيديو انتشر بسرعة البرق في شبكات التواصل الاجتماعي وتناولته عدة وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية مؤخرا، هذا الفيديو أثار حفيظة الفايسبوكيين الذين جاءت أغلب تعليقاتهم منددة ومشمئزة من الظاهرة وطالبوا بمعاقبة الشبان المعاكسين والمتحرشين ماليا وحتى سجنهم إن اقتضى الأمر لسنوات حتى يكونوا عبرة للآخرين، وبالتالي الحد من هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع الجزائري المحافظ. لكن وبالمقابل أثار المقترح القانوني لتجريم التحرش جدلا واسعا بين شباب (الفايس بوك)، والذين طالبوا أيضا بتجريم خروج النساء إلى الشارع متبرجات شبه عاريات، وهذا ما اعتبروه بمثابة استفزاز للشباب. هكذا تدافع الحكومة عن المشروع تعتبر الحكومة أن القانون الجديد سيجبر أعوان الشرطة على توقيف المتورطين في التحرشات الجنسية ضد النساء، (والذين سيتم اعتبارهم بمثابة شهود على هذه الجريمة التي سيعاقب عليها القانون بعقوبات رادعة تصل إلى السجن لحماية النساء من مختلف أنواع المضايقات التي يتعرضن لها في الشارع). وتدافع وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المراة مونية مسلم بالقول (إن القانون الحالي لا يعاقب على التحرشات الجنسية باعتبارها ممارسات لفظية وأحيانا جسدية يصعب إثباتها، لأن مصالح الطب الشرعي لا تعترف بهذا النوع من العنف الذي يستحيل إثباته من خلال الخبرة الشرعية، غير أن القانون الجديد سيعتمد على شهادات وحضور عناصر الشرطة لإثبات الجريمة، بالإضافة إلى الاعتماد على الخبرة النفسية لإثبات التحرشات التي تخلف أثارا نفسية مدمرة). وتؤكد الوزيرة أن بعض المناطق باتت تفرض شبه حظر تجوال على النساء بسبب انتشار المعاكسات والتحرشات ضد النساء، وهذا ما يجعل الدولة مطالبة بحماية المرأة من هذه الممارسات الدخيلة على المجتمع الجزائري.