ظاهرة التحرش الجنسي هذه الظاهرة القديمة الجديدة والدخيلة على مجتمعاتنا المحافظة التي أصبحنا نسمع عنها في كل مكان،لم تعد تفرق لا بين الكبير والصغير ولا بين الرجل والمرأة فبينما كانت هذه الظاهرة تمارس في أماكن خفية،الآن أصبحنا نشاهدها علانية في الشوارع والحافلات وأماكن التسوق...وتنشط كلما كان الازدحام والتدافع أكثر حيث تبدأ تلك الأيادي الخفية في الظهور وانتهاك حرمات الناس فهل أصبحنا في غابة غابت فيها كل القيم الأخلاقية؟ و هذا ما دفعنا لمعرفة الأسباب والخلفيات والدوافع التي تقف وراءه القائم بهذا الفعل المخل بالحياء ؟ وهل يقتصر على الرجل أم أن النساء أيضا؟ وكيف يمكنا الحد من هذه الظاهرة البشعة واللاخلاقية هذا ما دفع ب "الاتحاد" لرصد بعض حالات هذه الظاهرة و ذلك بالتقرب ممن تعرض لها مباشرة إلى جانب استطلاع أراء بعض الناس والمختصين حول ظاهرة باتت تفزع الكثيرين. تحرشات ومضايقات الفتيات داخل الحافلات وسيارات الأجرة تشهد العديد من الفتيات ظاهرة المضايقات و التحرش الجنسي الذي يعرف منعرجا خطيرا بمحطات نقل المسافرين الحضري والشبه الحضري وما بين الولايات في المواقف المخصصة للمسافرين و داخل الحافلات حيث أن هذه الأخيرة تحتوي على مقاعد محدودة جدا بالمقارنة مع كثرة المواطنين والراكبين، أين يضطر البعض للوقوف، لكن وللأسف الشديد فئة من هؤلاء يجدونها فرصة للقيام بغريزتهم الحيوانية الشاذة عن طريق الوقوف والاحتكاك بأجساد لا ذنب لها سوى أنها لم تجد مكانا للجلوس ووجدت نفسها مضطرة لركوب الحافلة وهو الأمر الذي يستغله العديد من المنحرفين للاحتكاك ببعض الفتيات ومحاولة منهم لمسهن بطريقة أو بأخرى في حين تثير مثل هاته التصرفات استياء الكثيرات على اعتبارها آفة تعرف بتكاثرها الكبير في وسط الشباب والكهول على حد سواء في مثل هذه الأماكن إضافة إلى صمت العديد خوفا من نظرة الناس إلى الفتاة التي تتهم بكونها المسؤولة الأولى عن هذا الفعل. نساء يدفعن ثمن هذه التصرفات السيدة نادية تقول أنها تتعرض إلى العديد من التصرفات غير الأخلاقية خاصة أثناء تواجدها بالحافلة حيث يعمد أصحاب الحافلات إلى مضاعفة عدد الركاب وبحكم أنها ربة بيت وتعمل في أحد الشركات العمومية فإنها تضطر إلى الركوب، غير أن تلقيها للعديد من المضايقات من قبل بعض الهمجيين والمنحرفين أثناء التزاحم داخل الحافلة اضطرها إلى ترك العمل والمكوث بالبيت دون أن تخبر زوجها بالسبب الحقيقي تخوفا من انعدام الثقة بينهما وتفاديا إلى العديد من المشاكل . سائقي الأجرة يبعثون الذعر في أنفس الفتيات من جهة أخرى نجد أصحاب سيارات الأجرة اللذين من المفروض أن يكونوا مصدرا للثقة حيث تضطر العديد من الفتيات والنساء إلى ركوب مثل هذه الوسيلة من أجل ربح الوقت أو قضاء مصالحهن الشخصية دون المبالاة بأنهن قد يقعن في قبضة بعض السائقين غير المحترمين والذين قد يتحولون في لحظة إلى ذئاب بشرية تحاول بمختلف الطرق استغلال أي فرصة أو خلوتهم بامرأة لإرضاء نزواتهم العابرة أو القيام بمضايقات كلامية تربك الزبونة، كما أن هناك من يغتنم فرصة الثقة في أصحاب سيارات"الأجرة" عن طريق بعض التصرفات الغير أخلاقية في محاولة منهم لاستدراج بعض الفتيات ومحاولة الاعتداء عليهن جنسيا أو محاولة مصاحبتهن بطرق غير شرعية، ما تسبب في تفادي العديد من النساء ركوبها واقتناءها لتجنب مثل هذه التصرفات وهو ما أكدته بعض الطالبات الجامعيات بالمسيلة اللواتي تعرضن إلى مثل هذه التصرفات في العديد من المرات من قبل أصحاب سيارات الأجرة وعن "الفرود"تحدثت شهرزاد عن موقف تعرضت له رفقت زميلاتها وهذا بحي 5 جولية وبعد أن يئسن من توقيف سيارة أجرة لكي تأخذهن إلى الإقامة الجامعية "حسوني رمضان" بالمسيلة أن يقلن سيارة" فرود" وبعد أن ركبنها قام السائق بالاتصال بأحد أصدقائه ليخبره أنوه متوجه إلى بوخميسة وأنه سيلتقي به هناك ليجهز نفسه الأمر الذي أثار شك الطالبات وقمن بسؤاله عن الوجهة فبدأ بمغازلتهن وأنه سيقوم بجولة معهن على حسابه ليسارعن بذلك إلى اغتنام فرصة توقف السيارة أثناء ازدحام المرور والنزول منها مباشرة وهن في حالة كبيرة من الذعر والخوف غير أنهن لم يتمكن من إيداع شكوى في حقه بحكم خوفهن من نظرة المجتمع لهن. متزوجون يلاحقون الفتيات بسياراتهم إن الغريب في هذا الموضوع أن العديد من الفتيات سواء كنا عازبات أو متزوجات، متبرجات أو متحجبات يتعرضن إلى معاكسات من طرف رجال متزوجين لا يحترمون عائلاتهم ويطلبون منهن الركوب معهم في سيارتهم من أجل التجول رفقتهم و التمتع ببعض الوقت ومصاحبتهم معتقدين بذلك أن كل الفتيات مثل بعضهن ثم يتمادون في الأمر ويصرون على اللحاق بهن إلى كل مكان يقصدنه مما يتسبب لهن في حرج كبير أمام الملأ خاصة وأن العديد منهم من الكهول والشيوخ الشيء الذي يعتبر منافيا تماما لعادات وطبيعة مجتمعنا الجزائري رجال يستنكرون هذه الظاهرة وآخرون يلومون المرأة يعتبر الرجل طرفا أساسيا في هذا الموضوع لهذا قررنا أخذ وجهة نظره حتى نتمكن من التعرف على بعض الأسباب التي تدفع ببعض الرجال لمثل هذه التصرفات الغير لائقة، وبالرغم من وجود أشخاص يرتكبون أفعالا مخلة تنتهك حرمة المرأة، إلا أن هناك الكثير منهم ملتزمون ويتمتعون بأخلاق عالية ويخافون على شرف المرأة التي تعتبر نصف المجتمع، حيث أن هناك العديد منهم التقت بهم "الاتحاد" وتحدثت معهم حول الموضوع وأكدوا في حديثهم أنهم ضد تصرفات بعض الرجال المخلة بالحياء ولكنهم يجدون أن هناك بعض الفتيات اللواتي نجدهم يصطحبن الشباب لسد احتياجاتهم المادية وفي بعض الأحيان نجدهم في كل مرة مع شخص مختلف وفي أوضاع مخلة بالحياء في الشارع وأمام الملأ مما جعل الرجل يأخذ صورة سيئة عن المرأة وأن جميع الفتيات متشابهات، وهذا ما أدى إلى انتشار هذه الظاهرة. المرأة هي السبب! وهناك من الرجال من يرجع تصرفات البعض بهذه الطريقة إلى تصرفات المرأة ويقول أحدهم أن لباس بعض الفتيات غير المحتشم للمتبرجة وبعض المتحجبات هو السبب، كما أن الماكياج الصارخ الذي يضعنه يجذب الرجل ويظهرن مفاتنهن، وهذا ما يجعلهن يتعرضن إلى المعاكسات والمضايقات في الشارع. في حين أن هناك من الشباب الملتزم من يحترم المرأة ويعتبر أن مثل هذه الأفعال غريبة عن مجتمعنا الإسلامي ويرجح السبب إلى خروج هؤلاء عن الدين ومعتقداتنا الإسلامية، التي ترفض مثل هذه الأمور كما أنه يجب تحميل المسؤولية للرجل والمرأة في هذه الظاهرة. النظرة النفسية والقانونية لهذه الظاهرة كما أضاف البعض في ذات السياق أن أسباب التحرش الجنسي والاعتداء اللفظي ناتج عن التنشئة غير السوية ، حيث أكدت "هاجر" المختصة في علم النفس أن المتحرشين يعانون من عدم وجود تنشئة سليمة منذ الصغر مؤكدة على أهمية دور الإعلام والمدارس لأنها عوامل مؤثرة في نشأة الطفل ويجب التركيز عليها كما شددت النفسانية "هاجر" على الاهتمام بوجود وازع ديني قوي لتقليص هذه الظاهرة مع ضرورة سن قانون رادع مناسب لمستوى التحرش حيث أن التحرش مستويات ودرجات ويجب تحديد عقوبة لكل درجة من درجات التحرش، فمن يقولون إن خلاعة المرأة هي السبب و لأن العديد من فتيات صغيرات أو نساء يقعن فريسة للتحرش والمضايقات. المحكمة تعج بقضايا التحرشات... وحسب بعض الأساتذة في مجال القانون في حديثهم "للاتحاد" فإن مثل هذه الظاهرة تعتبر جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون وأن المأساة الحقيقية هي جهل الكثير من المواطنين بالقوانين التي تنص على محاربة مثل هذه الظواهر وهو الأمر الذي يخيف أغلب النساء حيث أن المجتمع سينظر إليهن كمومسات أي أنهن لم يرفعن قضيتهن إلا بعد أن بعن أنفسهن وحتى لو فازت المرأة بالقضية قانونيا ستخسرها اجتماعيا كما أشار كل من الأستاذ "زرواق نصير" و" مبروك عبد النور" أنه نادرا ما نجد قضايا الاعتداء اللفظي على المرأة في المحاكم غير أن التحرش الجنسي بأنواعه في إطار انتهاك الآداب يعج بها بحكم أن قانون العقوبات يدين الجاني بهذا الفعل وتتراوح العقوبة من شهرين إلى 20 سنة وهذا حسب الفعل الذي قام به. دينيا..."عوامل الفتنة طغت..." يقول "ريغي سعيد" إمام بمسجد بالمسيلة في اتصال هاتفي حول هذه الظاهرة أن عوامل الفتنة اليوم صارت طاغية وكاسحة، وصار من الصعب على الإنسان أن ينجو من آثارها فمن العوامل التي تساعد وبشكل قوي وفعَّال على ممارسة مثل هذه الظاهرة المقيتة يعود بالنتيجة إلى عدة أسباب كالضعف الديني والوازع الأخلاقي و الابتعاد عن القيم والضوابط الإسلامية واللجوء نحو الطريق المنحرف وإطلاق العنان لأصحاب الشذوذ الجنسي ورفع القيود الصارمة بإضافة إلى الإعلام هو الآخر المحرك للشهوات والغرائز فالإعلام العربي مثلا يعرض أغاني الفيديو كليب الهابطة لساعات طويلة ومنها ارتفاع تكاليف الزواج والتجهيزية والانشغال في مظاهر قاصمة للظهر واللباس غير المحتشم وعلى كل من تسول له نفسه بالتحرش يقول الإمام أن من دق أبواب الناس دقت بابه،و خير دليل ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين استأذنه أحد الشباب في الزنا فقال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا جعلني الله فداك. قال أترضاه لأختك؟ أترضاه لخالتك؟ لعمتك؟.. وفي كل ذلك كان الشاب يأنف ويتبرأ من مثل هذا الفعل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكذلك الناس جميعا لا يرضى أحد أن تزني بأخته ولا بابنته ولا بأي من محارمه، بمعنى أن الرجل كما يكره الزنا في قريباتك ولا يرضاه لهن فكذلك لا يليق أن توقعه بنساء غيره بإضافة إلى غياب الوعي والمسؤولية وعدم التقيد بالمبادئ الأخلاقية داخل المحيط الأسري، يقول الإمام هذه هي بعض الأسباب التي تساعد وبشكل قوي على أن تتعرض المرأة للتحرش بها ، وكله نتيجة الفراغ لدى الكثير من الشباب والبطالة وضعف الإيمان في نفوسهم حيث إن من لم يغض البصر عما حرم الله فهو ضعيف الإيمان إلى جانب الابتعاد عن مفاهيم الإسلام فإن لم يوضع الحل لهذا الانحطاط والتَّفسخ الخلقي فإن ناقوس الخطر سوف يؤدي بالأمة إلى الانحدار والسقوط في الهاوية. ومن وجهة نظره يقول انعدام التقوى وضعف الوازع الديني عند الرجل وكذا المرأة والاختلاط المطلق سيؤدي حتما إلى تلامس الأجساد في الشارع وفي المرافق العامة وبالخصوص في وسائل النقل إضافة إلى العوامل البيولوجية كالتأخر الكبير في الزواج الذي يؤدي إلى إشباع هذه الغريزة بطريقة غير سوية.. مع سفور المرأة وإظهار مفاتنها بطريقة تخاطب فيها الغرائز وهذا كله في مجموعه سيؤدي إلى انحلال المجتمع وانحطاطه ويحوله إلى مجتمع حسي ومادي . وللوقوف في وجه هذه الظواهر يقول الإمام يجب علينا إعادة البعث الديني من قبل الأسرة بالتعليم والتحذير والتذكير، كذلك وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة تتوحد وتتضافر، لسد مثل هذه الثغرات المحيطة بمجتمعنا. هذا وتبقى ظاهرة التحرش الجنسي مشكلة حقيقية حيث تعاني المرأة منه ماديا ونفسيا إلى تفاوت الحقوق المدنية بين الجنسين وخلق هوة اجتماعية بينما تبقى الضرورة إذن ملحة لتحليل ومعالجة الظاهرة لاسيما في مجتمعاتنا العربية التي أشعلت فتيل ثوراتها باسم الحرية والتعبير.