أصبح الواقع الجزائري المعاش اليوم متغيرا لما شهده العالم من تغير في أسلوب الحياة، من بين مميزات هذا تغير العمران الذي أخذ أنماطا متعددة كالقصور المزخرفة والمنحوتات الرخامية التي نجدها في القصبة، وكذا العمران الكلاسيكي الذي يميز أغلب شوارع العاصمة والناتج عن العمران في الحقبة الاستعمارية، وتبقى فكرة الثقافة المعمارية شيء نقرأ عنه في الكتب وهي عبارة عن أفكار وذوق خاص بكل فرد حول نمط وهندسة بيته لأجل ضمان الراحة النفسية، تعتمد أساسا على التخطيط الذي يمتلك حس الإبداع في تحويل قطعة أرض إلى تحفة معمارية، وتفضي اللمسة السحرية للمهندس من تصاميم وأشكال وألوان راحة حيث المساحات الخضراء وأماكن للماء وحدائق خاصة تحوي مراجيح وكراس فعناصر الحياة تريح النفس وتهدئ البال وتزيد من القوة والنشاط وبالتالي تسهيل الحركة في البيت. ضرورة الإيواء ألغت كل شيء ويتميز النمط العمراني الساري اليوم بالجزائر بخواص الواقع المعاش الذي يرتكز على ضرورة الإيواء مهما كان، وهنا طغت فكرة التخلص من الضيق في البيوت الجزائرية المشكلة التي عانى ويعاني منها الفرد الجزائري حتى هذه الساعة. وبسؤالنا لبعض المواطنين عن نظرتهم للنمط العمراني السائد اليوم في الجزائر، أجمعوا على أن معظم البناءات عشوائية ولا يوجد نمط خاص أو هندسة معينة، فكل يبني كما يشاء لكن الشيء المشترك الوحيد أن الطابق الأرضي هو عبارة عن مخازن ومستودعات والطوابق الأخرى التي يكون عددها أحيانا أربعة أو خمسة فهي بعدد الأولاد مستقبلا.. فنظرية الربح التجاري أصبحت محل تركيز الآباء للقضاء على بطالة أولادهم بإكسابهم مهنة من استغلال الطوابق الأرضية، وذلك بفتح محلات تجارية قد تكون حتى في وسط التجمعات السكنية أو بالقرب من الطريق العام للسيارات. الراحة الأسرية وحل المشاكل الاجتماعية وأوجد المجتمع الجزائري هذا النوع من البناء لحاجة الراحة الأسرية وليس الراحة النفسية، فمازالت هناك أسر تتخبط في الضيق مما يجعل الناحية الجمالية للبناء تختفي، فغلق الشرفات وتحويل المطبخ إلى الحمام بغية التوسعة بات أمرا يؤرق المواطن، فحتى منافذ الهواء سدت بغرض ربح بعض السنتيمترات وصار الأمر يدعو إلى التساؤل والقلق إلى متى؟ وتبقى الثقافة المعمارية عند الجزائري شيء مرتبط بحل المشاكل الاجتماعية والاستقرار الأسري ليبقى فنان العمران المهندس المبدع مهمشا بدون حفظ لحقوقه الفنية.