تطارد قوات الأمن بضراوة بائعي المخدرات ومستهلكيها على السواء، ولهذا لجأ البعض إلى حيل حتى يتهربوا من قبضة الشرطة، وراحوا يحتاطون خاصّة عند بيعها للزبائن. ولعل من أهم الوسائل والاحتياطات التي تمكن هؤلاء الباعة من الإفلات من قبضة أو نظرات قوات الشرطة، أن صاروا يغيرون أماكن إخفائها، و صاروا لا يتركونها أبدا في مكان واحد، وهو الأمر الذي يجنبهم، او هكذا يحسبون، كل الشبهات، ويكون المكان الأفضل لإخفائها، بطبيعة الحال، أقبية العمارات التي تحوّلت بعض منها إلى مخازن للمخدرات، وهو ما صار يثير إزعاج المواطنين القاطنين بها، خاصّة إن كان هؤلاء الباعة دخلاء على العمارة، او لا يسكنون بها، وإنما يدخلونها في كل مرة لأخذ كمية المخدرات التي يبيعونها للزبون، بل وقد يمارسون تجارتهم بها؛ إذ يرافقهم الزبون إلى داخل العمارة، ليحصل على حاجته. وقد تحوّل الأمر فعلا إلى ظاهرة تسيء إلى المواطنين، وهو ما يحدث صراعات أحيانا بين هؤلاء السكان والباعة، وكانت وجهتُنا في البداية إلى حي عبد الرحمن موزاوي، او "الكاديكس" بالجزائر الوسطى، حيث التقينا سمير، وهو شاب يسكن بالعمارة، وقد اكتشف مؤخرا أن قبو العمارة تحول إلى محل لبيع المخدرات، فراح يترقب الفاعل، وإذا هم شبان من حي آخر، يأتون صباحا، يجلسون عند مدخل العمارة، وينتظرون زبائنهم، حتى إذا ما أتى احدهم ادخلوه إلى العمارة وباعوا له حاجه من المخدرات، وقد أدخلنا سمير إلى العمارة، وارانا تلك المخدرات التي كانت مخبأة تحت علب البريد، والتي صار يحاربها، او يلقي بها في سلة المهملات ما إن يعثر عليها، وعندما تحدث سمير مع هؤلاء التجار قالوا له أنهم لم يعتدوا عليه شخصيا، ولم يمسوا لا أهل بيته ولا سكان العمارة بسوء، فلا يمكن بالتالي له أن يحتجّ على شيء، على الرغم من أنّ الظاهرة تؤذيه، يقول لنا عن مساوئها: "بالإضافة إلى أنّ هؤلاء الشبان دخلاء على الحي، وصاروا يدخلون قبو العمارة يومياً، وهو ما يشكل إزعاجا بالنسبة للعائلات التي تسكن هنا، ومنهم أنا، إذ أنّ لي أخوات فتيات ولا أريد لهنّ أن يلتقين ذهابا وإيابا بأشخاص غرباء، هذا بالإضافة إلى خطر عثور قوات الأمن على تلك المخدرات، وبالتالي التحقيق في الأمر، ولو أني لا أخشى من ذلك، حيث لم يسبق لي أن استهلكت لا مخدرات ولا حتى سجائر، وقبل هذا وذاك فان الأمر إنساني، فهذه التجارة هي مهلكة للبشرية والأمّة جمعاء". ويختلف الأمر او يزداد تعقيدا إذا ما كان هؤلاء الباعة من سكان العمارة التي يستعملون قبوها كمكان لإخفاء المخدرات، وهو ما يحدث في حي "طرولار" والذي وقعت فيه اشتباكات كبيرة بين سكان العمارة الواحدة، وذلك بسبب بعض الباعة، الذي لا يكتفون بإخفاء سلعهم في القبو، ولكنهم يبيعون فيه، وقد ذاع صيتهم وصارت العمارة مشهورة بتلك التجارة، ما جعل العقلاء من سكان العمارة يناقشون الموضوع مع هؤلاء الجيران من الشباب الذين يسكنون في الطابق السفلي، واعتبروا لذلك أن القبو ملكٌ لهم، أو على الأقل بإمكانهم أن يفعلوا به ما شاءوا، وما زاد الطين بلة أن الأب لا يبالي بالأمر، ولا ينهي أولاده عن تلك الأفعال، وكيف يفعل وهو الآخر مدمن مخدرات، لا يهتم إلا بملء رأسه بتلك المسكرات، ولهذا فان الأمر تحوّل إلى مشكل بين الجيران، إلى أن حدث بينهم صراع وشجار كاد أن يؤدي إلى وقوع جريمة قتل حيث استعملت الأسلحة البيضاء، ولكن، ولحس الحظ، لم يحدث شيء من ذلك، ولكن بقي الاحتقان بين العائلات التي شاركت في ذلك النزاع إلى حين.