الكثير من تجّار المخدرات والسموم صاروا يحتاطون حتى لا يُقبض عليهم، وعوض أن يتوقفوا عن هذه التجارة المخزية تماما، راحوا يبتكرون الطرق المختلفة للتملص من المسؤولية، حتى لو كان ذلك على حساب أشخاص أبرياء، لا ذنب لهم إلاّ أنهم وقعوا في شباك محتالين ولصوص. بدأنا جولتنا من إحدى الأحياء الشعبية بالعاصمة، والتي عرفت واشتهرت بتجارة المخدرات، ولكن في السنوات الأخيرة صار الباعة يبيعون سلعهم بأكثر حرص، وصاروا لا يخاطرون بأنفسهم ويفضلون التخفي عن الأنظار واستعمال الأطفال أو المراهقين في عمليات البيع، ولهذا فإنك ما إن تدخل الحي، وخاصّة بالنسبة للأشخاص الذين اعتادوا أن يمروا منه حتى تلاحظ أن الشباب أو حتى الكهول الذين ألفوا الوقوف في أركان الحي وزواياه لم يعد لهم أثر، وبالمقابل فإنك ترى بعض المراهقين الذين يجلسون ويراقبون كل قادم وخاصة الوجوه الغريبة عن الحي، والتي وإن دخلته، فإنها لا بد تبحث عن شيء قد لا يوجد في مكان وحي آخرين. وهكذا حدث معنا، فبعدما سمعناه من بعض الأصدقاء من أنّ الحي صار قبلة للمدمنين، ومن أنّ التجّار الحقيقيين وعوض أن يمارسوا البيع بأنفسهم، أصبحوا يوظفون مراهقين صغار، دخلنا وأول ما شاهدنا شابا لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، كان يجلس إلى رفاقه، ويتحدث إليهم، غير أن عينيه كانتا تراقبان تحركات المارّة، واستقرتا علينا ما إن شاهدنا، وراح يتتبعنا بفضول واهتمام، خاصة بعدما بدينا غريبين عن الحي، وحتى نحن أجدنا تمثيل الدور، فرحنا، وكأننا نبحث عن شخص ما، نقلب بصرنا بين الجالسين، ثمّ اتجهنا نحو الشاب ورفاقه، وسألنا الجميع فيما إذا كانوا صادفوا شخصا آت من المغرب، وهي المقولة التي يستعملها المدمنون والباعة ككلمة سر بينهم، فقال لنا الشاب المراهق »اتبعوني« ليدلنا عليه ففعلنا، فقادنا إلى العمارة التي يسكنها بعدما سألنا عن حاجتنا، ثم دخل القبو وعاد بعد دقائق وهو يحمل كيسا في يده، وعرض علينا ما سماه بسلعته، تفحصناها، وقلنا له إنها ليست من النوع الجيد، قبل أن نسأله عن مصدرها، فتلعثم قليلا، قبل أن يجيبنا بأنه لا يعلم، وبأنها قدمت إليه على هذه الشاكلة، لكنه مع ذلك راح يمتدحها، وقال لنا إنها »مواتة«، وإنها »سم« و»رهج«، ولا تعجبوا إن قلنا لكم بأن هذه الصفات هي أمور مطلوبة في الحشيش، فكلما كان الحشيش قادرا على تخدير العقول، وإفقاد الأشخاص لوعيهم، كلما زادت قيمتها، وحاولنا التحدث مع المراهق المسكين عن سبب ممارسته لهذه التجارة، وكيف دخل إلى هذا المحيط الخطر على الأطفال في مثل سنه، فتهرب من الجواب واكتفى بأن قال لنا إنه فقير ومعدم، وإنه لم يجد شيئا آخر يشتغل عليه، ومثل تلك الأقوال التي يحاول البعض إقناع أنفسهم بها، لكنه في حقيقة الأمر، ليس إلاّ أداة يستعملها البعض لكي يتهربوا من الشرطة ومراقبتهم الدائمة، فيستغلوا ضعف وحماقة وسذاجة هؤلاء المراهقين الصغار.