على عكس الصورة النمطية التي تركزت في أذهان الأوربيين بشان شخصية بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر باعتباره يمثل الخط المتشدد في الكنيسة الكاثوليكية، ظهر كتابه "نور العالم" ليظهر وجها أخر أكثر انفتاحا وخاصة في علاقته بالأديان بشكل عام والإسلام بشكل خاص. "نور العالم" الذي صدر بالايطالية وترجم إلى 18 لغة كما يصدر يوم 3 ديسمبر القادم باللغة الفرنسية، هو عبارة عن محاورة للبابا من قبل الصحفي الألماني "بتر سوالد" يتعرض فيها البابا إلى أهم الملفات والتصريحات التي أثارت الجدل منذ أن تقلد بنديكت السادس عشر منصب البابوية منذ حوالي خمسة سنوات . كتاب "نور العالم" الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي في وقت واحد في كل من ألمانيا وايطاليا، نفدت طبعته الأولى من المكتبات الايطالية في أيام قليلة، حيث بيعت منه حتى الآن خمسون ألف نسخة. وتعرض البابا في كتابه إلى العديد من الملفات الحساسة وخاصة تلك التي أثارت الجدل والتي تعتبر "تابو" في الرؤية المسيحية الكاثوليكية التقليدية. ولم يتردد بابا الفاتيكان (83 عاما) في كتابه في إرسال إشارات الحوار والتفهم للمسلمين حيث اقر أنه "لم يتوقع ردود الأفعال التي أحدثها خطاب "راتسبون" في ألمانيا حينما قرن بين الإسلام والعنف قبل نحو ثلاث سنوات، واعتبر البابا أنه لم يقصد في هذا الخطاب القول بأن "الإسلام دين عنف" وأن "كلامه اخرج من سياقه". وكان بابا الفاتيكان قدر ربط في محاضرة له في مدينة راتسبون الألمانية في ديسمبر 2006 بين الإسلام والعنف، ما أثار احتجاج القيادات الدينية في العالم الإسلامي . وفي إطار ملف المسلمين أيضا، لم يتردد البابا في التعبير عن رغبة المسيحيين في "تشجيع كل مبادرات الحوار مع المسلمين"، كما لم يتردد البابا - وفي تعليق هو الأول من نوعه- في التعبير عن معارضته لقانون منع النقاب بفرنسا قائلا "إذا كانت النسوة يرغبن في ارتداء هذا اللباس بإرادتهن فلا أفهم لماذا يتم منعهن من فعل ذلك؟". غضب يهودي ومقابل هذه التصريحات التي اعتبرتها أوساط إسلامية في أوروبا "إيجابية" في إطار ملف الحوار "المسيحي– الاسلامي"، صدرت العديد من الاحتجاجات من قيادات يهودية في العالم عما تضمنه كتاب البابا في علاقة باليهود. فقد وصف بابا الفاتيكان البابا "بيوس" الذي كان على رأس الفاتيكان إبان الحرب العالمية الثانية بأنه كان "رجلا عظيما"، وأنه "أنقذ العديد من اليهود في تلك الفترة"، فقد "فعل ما كان بإمكانه فعله وكان أحد الرجال العظام الصالحين". غير أن غالبية المنظمات والشخصيات اليهودية في العالم يتهمون البابا بيوس الذي شغل منصب البابوية بين عامي 1939 و 1958 بكونه تغاضى عن "المحرقة النازية" والمساهمة فيها بشكل غير مباشر بصمته إزاء ما حدث لليهود ابان تلك الفترة. وفي تعليق –أشبه بالتهديد- على ما قاله البابا في كتابه، قال ايلان ستاينبرغ نائب رئيس التجمع الامريكي للناجين من المحرقة وأبنائهم "تعليقات البابا بنديكت تملؤنا ألما وحزنا وتلقي ظِلالا من التهديد على العلاقات بين الفاتيكان واليهود". وأضاف المسؤول اليهودي الأمريكي في تصريحات صحفية "تأكيد أن بيوس أنقذ من اليهود أكثر من أي أحد آخر خلال المحرقة يتناقض بصورة قاطعة مع سجل التاريخ المعروف". وفي نفس السياق، أصدر المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا بيانا اعتبر فيه أن ما قاله البابا الحالي في خصوص البابا بيوس "لا يستند إلى أية أبحاث تاريخية جدية" وأعرب عن أسفه لأن تصدر هذه التصريحات من البابا.