في أول قداس أشرف عليه بعد انتخابه أواخر افريل 2005م لم يذكر بابا الفاتيكان بينيديكت السادس عشر المسلمين بكلمة طيبة، في حين خص من سماهم ب "الإخوة الأعزاء من الشعب اليهودي بكلمات تفيض مودة واعزازا"... القسم الدولي وفي مدينة "كولونيا" الألمانية آخر شهر اوت اثناء الأيام العالمية للشباب التقى بممثلين عن الجالية المسلمة في أسقفية المدينة، فأعرب عن بالغ انشغاله من تفشي الارهاب، وأكد في هذا اللقاء ضرورة "نزع المسلمين ما في قلوبهم من حقد، ومواجهة كل مظاهر التعصب، وما يمكن ان يصدر منهم من عنف". أما اليوم فقد اصبح الأمر يتعلق بالاسلام ذاته، وها هو حبر النصارى الأعظم خلال محاضرة ألقاها في ألمانيا وسط جموع حاشدة تزيد عن مائتي ألف شخص، يتجنى على الاسلام والجهاد وعلى نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. ينتقد الاسلام ويتهم الرسول "ص" بنشر العنف فجر بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر قنبلة جديدة بإساءته للدين الإسلامي وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وجه سهامه نحو الدين الإسلامي مجردا إياه من العقل والمنطق، زاعما أنه دين عنف وإرهاب، وهو وصف يشاركه فيه بعض الغربيين الذين يشنون هجوما سياسيا وعسكريا على العالم الإسلامي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وحتى ما قبل.. خلال محاضرة ألقاها بجامعة ريجينسبورج في ولاية بافاريا الألمانية الثلاثاء المنصرم، اتهم بابا الفاتيكان الدين الإسلامي بأنه لا يتوافق مع العقل وقال "إن المسيحية ترتبط بصورة وثيقة بالعقل، وهو الرأي الذي يتباين مع أولئك الذين يعتمدون في نشر دينهم على السيف"، في إشارة إلى المسلمين. واستند البابا الذي كان يشغل مقعدا لتدريس اللاهوت وتاريخ العقيدة في جامعة راتيسبون منذ عام 1969، إلى فكر أستاذ جامعي ليقيم تمييزا واضحا ما بين المسيحية والإسلام على صعيد العلاقة بين الإيمان والعقل. وقال "أن الله في العقيدة الإسلامية مطلق السمو ومشيئته ليست مرتبطة بأي من مقولاتنا ولا حتى بالعقل"، واقام مقارنة مع الفكر المسيحي المشبع بالفلسفة الإغريقية، موضحا أن هذا الفكر يرفض "عدم العمل بما ينسجم مع العقل"، وكل ما هو "مخالف للطبيعة الإلهية". واقتبس بنديكت في محاضرته قولا على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر كتب في حوار مع رجل فارسي أن "النبي محمدا جلب أشياء شريرة لا إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بالسيف". وأضاف البابا، الذي استخدم مصطلحات "الجهاد" و"الحرب المقدسة" في محاضرته: "العنف لا يتفق مع الطبيعة الإلهية وطبيعة الروح"، لكن بنيديكت لم يتناول رد عالم الدين الفارسي على اتهامات الإمبراطور. ومن جهة أخرى، أكد البابا على ضرورة تعميق أطر الحوار بين العالمين المسيحي والإسلامي، معتبرا أن العالم الغربي فقد الاعتقاد بالله في خضم النفعية العلمية. ودعا المسلمين إلى نبذ العنف. جاءت تصريحات بابا الفاتيكان قبل أسابيع قليلة من زيارته المقررة إلى تركيا بين 28 و30 نوفمبر، وهو ما فهم من أن الرجل يريد فرض شروط لحوار الغرب مع المسلمين.. القرضاوي يطالب حبر المسيحية بالإعتذار للأمة الإسلامية عبر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في بيان صدر عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن تفاجئه وتفاجؤ المسلمين في أقطار الأرض من تلك التصريحات، وطالب البابا بتقديم تفسير لتصريحاته والاعتذار للأمة الاسلامية. وقال في بيان ردا على البابا: "إن الاسلام لم ينتصر بالسيف، بل انتصر على السيف". وجاء في البيان: لقد فوجئنا وفوجئ المسلمون في أقطار الأرض بتصريحات بابا الفاتيكان حول الاسلام وعلاقته بالعقل من ناحية، وعلاقته بالعنف من ناحية اخرى، وأشار الى ان البابا تحدث عن الاسلام دون الرجوع الى كتابه المقدس (القرآن) وبيانه من سنة نبيه محمد واكتفى بذكر حوار في القرن الرابع عشر بين امبراطور بيزنطي ومسلم فارسي. وقال فرض الاسلام الجهاد دفاعا عن النفس ومقاومة للفتنة، كما ان الإسلام لايقبل أن يدخل عن طريق الإكراه. وطالب البابا بأن يكلف نفسه او يكلف أحدا من أتباعه بالرجوع ولو قليلا الى مصدر الاسلام وهو القرآن ليجد فيه عشرات الآيات، مما يمجد العقل ويحض على التفكير. وقال القرضاوي "اننا كنا نود من البابا ان يدعو الى حوار ايجابي بين الأديان وحوار حقيقي بين الحضارات بدل الصدام والصراع". وتساءل: هل يريد الحبر الأعظم ان نغلق ابواب الحوار ونستعد للصراع في حرب صليبية جديدة؟. أما دعوى أن الإسلام أمر بنشر دينه بحد السيف فهو أكذوبة كبرى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل: 125. والحقيقة أن الاسلام لم ينتصر بالسيف، بل انتصر على السيف الذي شهر في وجهه من اول يوم، وظل ثلاثة عشر عاما يتحمل الأذى والفتنة في سبيل الله، حتى نزل قوله تعالى: "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله". والاسلام لا يقبل ايمان من يدخل عن طريق الإكراه، كما قال تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". شيبان يطالب الدول الإسلامية بسحب سفرائها من الفاتيكان أدان الشيخ عبد الرحمان شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في بيان له تصريحات بابا الفاتيكان، وطالب كافة الدول الإسلامية بسحب سفرائها من الفاتيكان ما لم يتم تقديم إعتذار رسمي وصريح من الفاتيكان للمسلمين، كما دعا الشعوب الإسلامية ومنظمات المجتمع الدولي إلى التنديد بالطرق السلمية والحضارية بكل ما يمس قداسة الإسلام وثوابت عقيدته السمحة، وناشد شيبان القيادات الفكرية في العالم للوقوف في وجه كل محاولات تأجيج عوامل التعصب والكراهية والصدام بين الحضارات. وقال ان تصريحات بنديكت السادس عشر جاءت منحرفة عن المسار الذي التزم به سلفه البابا يوحنا بولس الثاني، في السعي للتقريب بين الديانات التوحيدية، وتشجيع الحوار بينها لرفع أسباب صدام الحضارات بين أتباعها. كما استغربت الجمعية ما جاء في بيان الفاتيكان من أن المسلمين أساءوا فهم تصريحات البابا، في حين أن المسلمين كانوا ينتظرون بيان اعتذار يزيل سوء التفاهم ويعيد الأمور إلى نصابها. جمعية العلماء المسلمين التي كانت دوما السباقة للتصدي للإساءات ضد الإسلام، استنكرت كذلك اتهام بابا الفاتيكان للإسلام بأنه دين يحالف العنف، ولا يحتكم للعقل، كما أشادت بالمواقف التي اتخذتها بعض الدول والهيئات الدولية مثل باكستان وتركيا والاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي. أبو عران الشيخ: البابا الجديد عاد بنا إلى روح الحروب الصليبية انتقد الدكتور أبو عمران الشيخ بشدة تصريحات بابا الفاتيكان بيندكت السادس عشر، وقال إنه عاد بالخطاب المسيحي إلى العصور الوسطى، وتراجع عن سياسة التسامح والحوار والتعاون التي كان يدعو لها البابا يوحنا بولس الثاني، وقال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في تصريح أمس للشروق اليومي إن البابا الجديد فاجأنا بهذا الموقف الذي اعتمد فيه على آراء قديمة أعادتنا إلى العصر الوسيط وإلى روح الحروب الصليبية بين المسلمين والمسيحيين، كما تدخل في أمور في الدين الإسلامي لا يفهمها جيدا مثل ذكره للجهاد تحت مسمى الحرب. البابا بنديكت السادس عشر تبنى بشكل واضح أطروحة صدام الحضارات يضيف أبو عمران الشيخ وهي الأطروحة التي أعاد الأمريكي صامويل هنتنغتون إحياءها عبر سلسلة مقالات جمعها فيما بعد في كتاب، وفاتته الكثير من الحقائق والتي من بينها أن الدين الإسلامي يعترف بالتوراة والإنجيل وأن هناك الكثير من النقاط المشتركة بين المسيحية والإسلام. ودعا أبو عمران الشيخ الحائز على دكتوراه من جامعة السوربون ويعرف الثقافة الغربية حق المعرفة، بابا الفاتيكان إلى التراجع عن تصريحاته وقال ندعوه إلى مراجعة نفسه والاعتماد مثل سابقيه على مستشرقين يعروفون الحضارة الإسلامية وهم كثيرين جدا، وأعلن أن المجلس الإسلامي الأعلى سيجتمع خلال الأيام القادمة ودراسة الموضوع وإصدار موقف نهائي. هيئة العلماء المسلمين في العراق: "من له خطاب مؤثر عليه أن يكون داعية سلام" استنكرت هيئة علماء المسلمين في العراق تصريحات البابا وطالبته في بيان بتقديم إيضاحات حول هذه التصريحات وجاء في نص البيان، أنه "في الوقت الذي يفتتح فيه الرئيس الأمريكي حربه في أفغانستان والعراق، بوصفه لها: بأنها "حرب صليبية"، ويبادر جنوده تحت هذا الشعار المعلن بقتل عشرات الآلاف من أبناء المسلمين، واجتياح مدنهم، وضربها بالأسلحة المحرمة دوليا وأخلاقيا، وارتكاب فضائح "أبو غريب"، ومجازر حديثة والإسحاقي، يطل علينا بابا الفاتيكان "بنديكت السادس عشر" بمقولات من شأنها أن تمنح جنود هذه الحرب شعورا بأنهم يمارسون عملا شرعيا فيما تجنيه أيديهم في حق المسلمين من آثام يندى لها جبين الإنسانية، وأضاف البيان "فما دام النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما استشهد البابا بنص سابق لم يأتِ إلا بأشياء شريرة وغير إنسانية؛ يكون ثمة مبرر ديني لجنود الحملة الصليبية التي يقودها الرئيس بوش في أن يعملوا قتلا وفتكا بشعوب تتبع هذا النبي وتؤمن بالرسالة التي جاء بها"، وقالت هيئة علماء المسلمين في العراق: "إن هذا الخطاب فيه إساءة كبيرة لمشاعر المسلمين، وفيه من حيث شعر البابا أو لم يشعر تحريض على الإرهاب بحقهم، من قِبل مؤسسة دينية عالمية، تعلن دائما أنها محبة للسلام، وتدعم السلام، وإن شخصا في مثل مقامه الديني لا ينبغي له أن يطلق تصريحات يمكن استغلالها لسفك مزيد من دماء الأبرياء، رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا". وختمت بيانها بقولها "إن هيئة علماء المسلمين، إذ تأسف لهذه التصريحات في هذا الوقت المتأزم بسبب غزو بعض دول الغرب لدول إسلامية، تدعو البابا لإيضاح الغرض من هذا الخطاب بما يقطع على المغرضين إلحاق الأذى بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في العالم... وعلى كل من له خطاب مؤثر في الناس، أن يعبِّد بخطاباته طريق السلام، وأن ينأى بنفسه عن الطرق الأخرى المؤججة للخلاف والخصام". عراقيون يقتلون نصرانيا بعد تصريحات البابا تعرض نصراني بالعراق لأربع طعنات بسكين أسفرت عن مصرعه في الحال في سوق الأشوريين جنوب بغداد مباشرة بعد تصريحات البابا بالتهجم على الإسلام وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفقا لما تم نقله عن مصدر في مستشفى اليرموك. في حين وزّع بيان على عدد من مساجد بغداد لفصيل مسلح غير معروف على الساحة العراقية يطلق على نفسه "كتائب أشبال الإسلام السلفية" هدد بابا الفاتيكان ببدء ما أسماه "ذبح جميع نصارى العراق" خلال ثلاثة أيام إذا لم يعتذر أمام العالم للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين على كلامه الخبيث، حسب نص البيان. رئيس دائرة الشؤون الدينية التركية تصريح البابا باسم العالم المسيحي مشين ومؤسف علّق رئيس دائرة الشؤون الدينية التركية علي برداق أوغلو على تصريح بابا الفاتيكان بنديكتس قائلا بأنه تصريح مشين ومؤسف باسم العالم المسيحي. وأعرب برداق أوغلو عن استغرابه من تصريح البابا قائلا: "إذا كان البابا يعبّر عمّا يكنّه من حقد وعداء فإنه يعاني حالة نفسية خطرة". وطالب برداق أوغلو البابا بسحب أقواله والاعتذار عن ذلك التصريح، مؤكّدا أن الغرب يقيّم دين الإسلام ونبيه والعالم الإسلامي بأسلوب عدائي وأحكام مسبقة بعيدة عن النهج العلمي. وأردف يقول: "لقد شنت الكنيسة حروبا صليبية في الماضي وألّبت شعوب الغرب على الإسلام. وقام علماء اللاهوت المسيحيون منذ القرن الرابع بتقسيم العالم إلى عالم مسيحي وعالم شيطاني، وبقيت العقلية الغربية على هذه الشاكلة التي ترى أن أقدس واجب هو الحرب على غير النصارى. ومازالت فكرة الحرب المقدّسة والذهنية الصليبية تهيمن حتى الآن على عقول رجال الكنيسة. ويبدو أن تصريح البابا مظهر لتلك الذهنية". وأضاف برداق أوغلو: "إننا نقبل النقاش والنقد، لكن إطالة اللسان والتجرؤ على المقدّسات والأنبياء والكتب المنزّلة لا يمكن أن يعتبر إلاّ وقاحة ترمي إلى تأجيج الصراع". برلمان باكستان يدين بالإجماع تصريحات البابا أدان البرلمان الباكستاني بالإجماع تصريحات البابا بنديكت السادس عشر بشأن الإسلام والرسول محمد صلى الله عليه وسلم وطالبه بسحبها، معتبرا كلام البابا مخالفة لمبادئ الأمم المتحدة. وصوت البرلمان الباكستاني اول امس على مشروع قرار يدين تصريحات البابا "المزدرية" للإسلام وطالبه بسحبها بسبب الجرح الذي سببته لمشاعر المسلمين، وقالت المتحدثة باسمه تسنيم أسلم إن أي شخص يصف الإسلام بأنه دين غير متسامح فهو يشجع العنف. جمعية الإرشاد والإصلاح: المؤسسة الدينية المسيحية في مأزق خطير من جهتها، جمعية الإرشاد والإصلاح، قالت إن تصريحات البابا الأخيرة تعبر عن مأزق صارخ وقعت فيه المؤسسة الدينية المسيحية، وهي بذلك تخسر مساحات التقارب التي أحدثها العلماء والمفكرون المسلمون والمسيحيون. وقال بيان الجمعية إن الغرب قد أفصح بذلك عن رغبته في تحريك حرب ضد الإسلام، بعد الصمود الأسطوري لحركات المقاومة في وجه المد الصهيوني، مما دفع بالغرب إلى إقحام المؤسسة الدينية في الصراع وهو مسلك، تقول الجمعية، خاطئ يفتقد للرؤية الإنسانية والحضارية.. ودعت الجمعية إلى كشف دسائس الكنيسة في الجزائر منذ العهد الاستعماري وسجلها الحافل بمحاولات ضرب الهوية الجزائرية.