من لُطف ورحمة الله بنا أن أجرى مآقينا بالدموع التي تُعَد من أعظم النِعَم التي امتن بها علينا، لنعبر بها عما يعترينا من مشاعر مختلفة سواء حزن أو فرح أو خوف أو قلق.. إلخ.. فكثيرا ما نعجز عن التعبير عما ينتابنا بالكلمات أو الابتسامات أو الضحكات أو حتى الصراخ فنذرف الدموع فنهدأ ونستكين لأنها من أفضل وسائل التعبير المريحة والمؤثرة إيجابا على حالتنا النفسية والمزاجية.. إنها دموع الأفراح والأتراح لكن دون جزع أو سخط بل مع الصبر والتسليم والرضا التام بقضاء الله وقدره، فله سبحانه ما أخذ وله ما أعطى.. وقد جرت دموع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لموت ابنه إبراهيم فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت تبكي يا رسول الله؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: (يَا ابن عوف إنها رحمة) ثم قال: (إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يَا إبراهيم لمحزونون). وحينما زار أبو بكر وعمر أم أيمن رضي الله عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي لأن الوحي انقطع من السماء، فهَيَّجَتْهُما على البكاء؛ فجعلا يبكيان لفراق الوحي وانقطاعه. تسيل الدموع فرحا بتحقيق نصر أو نجاح وقدوم غائب وتفريج كرب وانكشاف محنة وبلاء.. فهذا أبو بكر رضي الله عنه لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أذن له في الهجرة، قال: الصحبة يا رسول الله؟ بأبي أنت وأمي ! .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعم)، فبكى أبو بكر رضي الله عنه سرورا وفرحا، قالت عائشة رضي الله عنها: فرأيت أبا بكر يبكي، وما كنت أحسب أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي . ولله در القائل: وَرَدَ الكِتَابُ مِنَ الحَبَيبِ بِأَنَّهُ *** سَيَزُورُنِي فَاسْتَعْبَرَتْ أَجْفَانِي طَفِحَ السُّرُورُ عَلَيَّ حَتَّى أَنَّنِي *** مِنْ فَرْطِ مَا قَدْ سَرَّنِيْ أَبْكَانِيْ يَا عَينُ صَارَ الدَّمْعُ عِنْدَكِ عَادَةً *** تَبْكِينَ مِنْ فَرَحٍ وَمِنْ أَحْزَانِ أما أَجلّ الدموع وأعظمها، الدموع التي تسيل خشية وتعظيمًا لله وطمعًا في مغفرته وعفوه ورحمته جل شأنه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين باتت تحرس في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله).. ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه). للدموع كثيرٌ من الفوائد الصحية ومن بينها: أولًا: تحسين الرؤية: تعمل الدموع على ترطيب أغشية العين مما يحسن الرؤية، فجفاف هذه الأغشية يسبب ضبابية مؤقتة في الرؤية. ثانيًا: تنظيف العينين: كما باقي أجزاء الجسم، يمكن العثور على بكتيريا في العينين أيضا. ولكن للدموع خصائص طبيعية مضادة للجراثيم. حيث تحتوي الدموع على سائل يسمى lisozom يمكنه أن يقتل حوالى 90 إلى 95 بالمئة من البكتيريا التي تتواجد في العين في غضون خمس دقائق. ثالثًا: تخفيف التوتر: عندما نكون مستائين أو تحت ضغط عصبي يحدث في الجسم اختلال وتراكم للمواد الكيميائية، والبكاء يساعد على الحد من ذلك. ومن المعروف أن الشخص الذي يبكي خلال المواقف العصيبة، لديه مستويات أقل من الاكتئاب. وذلك لأن إطلاق سراح الدموع العاطفية يحفز رنتاج هرمونات الغدة الكظرية التي تخفف من إجهاد الجسم. رابعًا: حماية العين ضد المهيجات: تدمع العينان عند تقطيع البصل، لأن البصل يحتوي على أنزيمات معينة تهيج العينين. كما تدمع عندما تدخل جزيئات الغبار إلى العينين،. فهذا النوع من البكاء ببساطة يحمي العينين ويضمن أن يتم غسل الجزيئات الغريبة وطردها خارج العين مع الدموع. خامسًا: الدموع تحافظ على الصحة العامة: الدموع التي تُذرف لأسباب عاطفية تحتوي على 24 في المئة من بروتين الألبومين الزائد عن حاجة الجسم، ما يساعد على تنظيم نظام التمثيل الغذائي في الجسم، كما يساعد البكاء أيضا على مكافحة الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والبدانة ومرض السكر، والتي تصيب الإنسان بسبب ارتفاع مستويات الإجهاد. سادسًا: الشعور بالارتياح: يمنحك البكاء شعورا بالارتياح، ذلك لأنه وبعد ذرف الدموع، يبدأ نظام المخ والقلب في العمل بشكل مثالي ما يعطي الجسم شعورا بالارتياح.