جميع الجزائريين لا يؤمنون بالشعوذة والمشعوذين، لكن الكثير منهم يزورون المشعوذين، بل وبعضهم يمارس السحر ويحترفه. كيف تفسرون أن يلعن هؤلاء المشعوذين والسحرة، ويدعون لهم بالهلاك والمأساة، ثمّ نرى بعضهم يزورهم ويدعون لهم بالبركة ودوام الصحّة والعافية؟ وهل يعلمون صفات المشعوذ أصلا حتى يستطيعون الدعاء له او عليه، وحتى يتجنبونه إذا ما صادفوه يوما، وحتى لا يلعنونه إذا كانوا يزورونه كلّ يوم؟ الجميع يعلم أنّ الشعوذة تؤدي إلى الكفر، ولذلك ينبذها الدين والمجتمع معا، ولكننا نجد الكثيرين يتسابقون إلى زيارة المشعوذين في قضايا ومشاكل العنوسة والزواج والطلاق والإنجاب وكلّ ما يشغل بالهم، فعوض الاتجاه إلى الله، والتقرب منه بالطاعات والحسنات، وبدل زيارة الأطباء المختصين، فإنهم يتجهون إلى الولي او المشعوذ ويتقربون منه بالعطايا والذهب والمال، وكلّ ما يملكون من نفائس. كنت اجلس إلى جانب قريبتي العجوز، عندما راحت تلعن المشعوذين والسحرة، والذين، برأيها، تسببوا في طلاق ابنتها، بعدما حرّضهم أقارب زوج ابنتها على تركها، ولا ادري إن كانت تلك المعلومات التي أتت بها صحيحة أم لا، أو أنّ قريبتي تلك أرادت أن تعزي نفسها وابنتها بذلك الحديث، ولكني اعلم أن نفس المشعوذين الذين راحت تلعنهم كانت ولازالت تزورهم بشكل مستمر، ولا شكّ ستفعل، بل وستكثر من زياراتها في الأيام القليلة القادمة لكي تعود ابنتها إلى زوجها. قريبتي تلك كانت تسكن بساحة الشهداء، وكانت ترتاد كلّ الأولياء الصالحين المعروفين حينها، ومنهم سيدي هلال، وسيدي عبد الرحمن، وتفعل كلّ ما يطلبه منها، ليس الولي طبعا، ولكن من اتخذوا من اسمه علامة ليلعبوا بها على عقول البشر، ويجرِّدوهم من أموالهم وممتلكاتهم. كما أنّ قريبتي تلك زارت في سابق عهدها بعض الأشخاص ممن يدَّعون الرقية تارة والعلاج الشرعي تارة أخرى، ومساعدة البشر على إبعاد العين والسحر، يرتدون لباس الأشخاص المحترمين، وكانت تطلب منهم أن يساعدوها في أمور لا حول ولا قوة لهم عليها. ثمّ هاهي ذي تلعن كلّ المشعوذين وزبانية المشعوذين مرة واحدة، فهي إذا أحد أمرين، إما أنها لا تعرف ما الشعوذة؟ وليست بالنسبة لها إلاّ شيئاً خيالياً وجب لعنُه وفقط، وإمّا أنها تحرِّمها في أمور الباطل وتحللها في أمور الحق، أي أنّ قريبتي تلك تصبح ميكيافلية، وتؤمن بأنّ النتيجة تبرر الوسيلة، فان كانت لا تنوي شرا، فلا بأس من تزور وتستنجد بهؤلاء المشعوذين. لا بدّ أن لا نكتفي بتعليق شعارات نقول فيها أنّ الشعوذة فعل سيء، دون حتى أن نبيّن للناس ما هي تلك الشعوذة، او على الأقل دون أن نحاربها، ونحارب هؤلاء الذين يقفون وراء نشر سمومها بين البشر، ويستهدفون الشيوخ والمسنين وضعاف النفس، مثل قريبتي تلك، ليلعبوا على عقولهم ويسرقوا أموالهم بالباطل، وعلى الملأ، وأمام الناس جميعا.