أيد الله سبحانه وتعالى نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالعديد من المعجزات، التي تنوعت واختلفت بتنوع المواقف والأشخاص، ومن بين تلك المعجزات التي هي كذلك من بركات الحبيب صلوات الله وسلامه عليه معجزة تكثير الطعام وزيادته حتى يكفي جميع الصحابة في حين أنه في الظاهر قد لا يكفي إلا شخصًا واحدًا. إن معجزة تكثير الطعام والشراب قد تكررت فبلغت عشرات المرات، وفي ظروف مختلفة، ومناسبات عديدة ، فيروي لنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه إحدى تلك الوقائع فيقول: قال أبو طلحة لأم سُليم: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء ؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خِماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس. فسأل النبي عن الأمر، ولما علم أن هناك طعاما دعا الصحابة رضوان الله عليهم ليشاركوه الطعام، الذي لا يكفي أصلا إلا شخصًا واحدًا، فذهبوا إلى أبو طلحة في داره، وحينها فوجئ أبو طلحة وشعر بالحرج لأن الطعام الذي عنده لا يكفي إلا رسول الله وقد جاء الصحابة معه، فقال أبو طلحة لزوجته: يا أم سُليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم. فأنطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له النبي: هاتي يا أم سُليم ما عندك من طعام؟ فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففت، وعصرت أم سُليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء أن يقول، ثم قال لأبو طلحة أخل عشرة من الأصحاب ليأكلوا، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال النبي: أدخل عشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، وهكذا حتى أكل الأصحاب كلهم، وكان عددهم يلغ سبعون أو ثمانون رجلاً. وفي غزوة الخندق، أطعم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف نفر من شاة صغيرة وصاع من شعير، فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رأى جوعاً شديداً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى بيته، وأخرج جراباً فيه صاع من شعير، وذبح شاة، وجهز هو وزوجته طعاماً، ثم دعا رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه، فلما رأى جابرٌ النبي - صلى الله عليه وسلم _ وبصحبته أهل الخندق فزع من ذلك المشهد، وذهبت به الظنون كل مذهب، وقال في نفسه: كيف يمكن لهذا الطعام أن يكفي كل هذا الحشد، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم _ ما يدور في نفس جابر رضي الله عنه فأخبره بألا ينزل القدر، وألا يخبز الخبز، حتى يأتيه ويبارك فيه، ثم أكلوا جميعاً وشبعوا، والطعام كما هو. ويحكي لنا عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصديق-رَضيَ اللهُ عَنْهُما- إحدى معجزات النبي في تكثير الطعام فيقول: كنا مع النَّبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وآله وسلم- ثلاثين ومائة شخص، فقال النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وآله وسلم-: (هل مع أحد منكم طعام؟) فإذا مع رجل صاع من طعام فعجنه، ثم جاء رجل بغنم يسوقها فاشترى منه شاة وشويت، وأمر النَّبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وآله وسلم- بسواد البطن أن يشوى. ويقسم عبدالرحمن بن أبي بكر فيقول: (وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا وقد قطع النَّبيّ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- له قطعة من سواد بطنها، إنْ كان موجودًا أعطاه إيَّاها، وإن كان غائباً خبأ له، فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا، ففضلت القصعتان، فحملناه على البعير.