جاء تصنيف كتائب عزّ الدين القسّام تنظيما إرهابيا ليشكّل ضربة قوّية للعلاقات بين مصر وقطاع غزّة الفلسطيني المحاصر، وهي علاقات باتت اليوم في مفترق الطرق، لا سيّما في ظلّ حالة الاحتقان الشديد التي تعيشها غزّة التي كانت تترقّب جرعة أوكسجين مصرية فقابلها النّظام الانقلابي المصري بقرار قضائي لا يخدم إلاّ مصلحة بني صهيون. صنعت عوامل الجغرافيا والتاريخ علاقة خاصّة بين مصر وقطاع غزّة الذي يقع على الحدود المصرية، وظلّ القطاع -وما يزال- يقع في القلب من اهتمام الدولة المصرية، بما نشأ عن القضية الفلسطينية عامّة من تعقيدات سياسية وأمنية وإنسانية. ومع تعاقب الحكومات واختلافها مرّت العلاقات البينية بأطوار متباينة امتدّ قوسها من التبنّي والدعم بالمال والسلاح زمن الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى اعتبار القطاع ومقاوميه ومشاكله في مراحل لاحقة عبئا متعدّد الأوجه. قامت الثورة في مصر لتشهد العلاقات بين القاهرة وغزّة -التي تحكمها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- علاقات مستقرّة زمن الرئيس المعزول محمد مرسي، لكن الانقلاب الذي أطاح بمرسي وجاء بالرئيس عبد الفتّاح السيسي إلى الحكم، ثمّ تلقّي الجيش المصري مواجهات شرسة في سيناء، كلّ ذلك ألقى بالعلاقات بين الجانبين في مرحلة غير مسبوقة من التوتّر الذي يرى متابعون أن المستفيد الوحيد منه هو إسرائيل. وحول عمق العلاقة بين قطاع غزّة ومصر أوضح الكاتب الصحفي محمد جمال عرفة في حلقة الجمعة (6/2/2015) من برنامج (الواقع العربي) أن القطاع يمثّل أهمّية وعمقا خاصّا لمصر على مدار التاريخ، وأشار إلى أن المشاكل بين الجانبين بدأت عقب توقيع اتّفاق أوسلو بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. وحذّر عرفة من تأثير الدعاية الإعلامية التي يقودها تيار إعلامي متطرّف وتسعى إلى (شيطنة) قطاع غزة وتصوّره على أنه يشكّل الخطورة الحقيقية على الأمن المصري، وأكّد أن تدهور العلاقات بين الجانبين يصبّ في مصلحة العدو الإسرائيلي ويعمل على زعزعة الاستقرار في مصر وغزّة، وأشار في الوقت نفسه إلى التغيير الذي طرأ على نظرية الأمن القومي المصري التي كانت تعتبر المهدّد الأساسي لمصر هو العدو الإسرائيلي. من ناحيته، أوضح أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية هاني البسوس أن غزّة كانت تحت حكم الإدارة المصرية، وأن هناك علاقات ثقافية وسياسية تربط الجانبين رغم وجود (الغمامة) التي تظلل علاقات الجانبين في ظلّ النظام الذي يحكم مصر بالعنف في الوقت الحالي، وفق وصفه، ورأى أن غزّة تمثّل العمق الأمني الإستراتيجي لمصر، معتبرا أنه من غير الممكن لأيّ فصيل فلسطيني أن يشكّل تهديدا للأمن المصري أو أن يفكّر في الاشتباك مع الجيش المصري. وأوضح البسوس أن الفصائل الفلسطينية توفّر التوازنات السياسية والأمنية وتمنع دخول الجيش الإسرائيلي إلى سيناء، وأكّد وجود فرص لتعزيز الشراكات الاقتصادية والسياسية والأمنية من أجل خدمة الطرفين. واتّهم النظام المصري بالسعي وراء (شيطنة حماس) وإقصائها من المسرح السياسي رغم أن مصر يمكن أن تستخدم غزّة ورقة للضغط السياسي على إسرائيل، حال وجود رؤية سياسية واضحة لدى القيادة المصرية، ويمكن بالتوافق بين الجانبين العمل على إزالة الاحتلال الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، حسب رأيه. وأشار البسوس إلى أن (الدولة العميقة) في مصر تتعامل مع ملف (حماس) على أساس أمني وتتجاهل بعده السياسي، ووصف قنوات الاتّصال بين (حماس) والسلطة في مصر بالمعدومة والشحيحة.