كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة المقابر، وهي زيارة تُذَكِّر بالآخرة؛ لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يَشْعُر أنه قريبًا سينتقل إلى حياة جديدة، وليس إلى فناء أو عدم؛ لذلك كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الأموات بالسلام والكلام والدعاء؛ مما يُرَسِّخ عند المؤمن أن هؤلاء الأموات في الحقيقة يعيشون حياة أخرى، وهذه بعض الأمثلة لما كان يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقابر؛ فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ). وروى مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم -كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم- يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا، مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، اللهُمَّ اغْفِرْ لأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ). وروى مسلم عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ -فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ-: السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ. -وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ-: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ لَلاَحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ). وفي رواية مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها... قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: قُولِي: (السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ). ولعلَّنا نلحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الأدعية يخاطب الأموات ويدعو لهم بالخير؛ ومن هنا يشعر المسلم أنه يُكَلِّم إخوانًا له سبقوه في رحلة طويلة، وهو لاحقٌ بهم عما قريب، فلْنحفظ هذه الأدعية، ولنشعر بهذه المشاعر الرقيقة.