كلفة حفر بئر في عرض البحر تفوق 100 مليون دولار / ما سر اختيار أهم منطقتين سياحيتين في الجزائر لتنفيذ المشروع؟ / تخطّط الجزائر لحفر أول بئر نفط بحرية لها نهاية العام الجاري مثلما كشف عنه الوزير يوسفي أول أمس، لكن ما يخفى على كثير من الجزائريين أن هذه الطاقة مثيرة للجدل بين الخبراء في العالم على غرار الغاز الصخري، حيث تتسبب في مخاطر إيكولوجية واقتصادية قد تصبح مدمّرة للدول المعنية، خصوصا تلك التي تعاني (تقنيا) على غرار بلادنا. تسعى الجزائر لزيادة إنتاج الطاقة لتعزيز إيرادات الصادرات التي تعتمد عليها الحكومة بشدة لتنفيذ برامج اجتماعية وتمويل خطط للتنمية الاقتصادية، ولذلك اقتحمت الحكومة مجالات أخرى غير تقليدية على غرار التنقيب عن الغاز الصخري في الجنوب، وحفر الآبار النفطية البحرية. وفي السياق قال وزير الطاقة والمناجم يوسف يوسفي، إن الجزائر تخطط لحفر أول بئر نفط بحرية لها بنهاية العام 2015، بعدما زادت طاقة التكرير السنوية إلى 31 مليون طن في نهاية العام الماضي. وبلغ إنتاج المصافي 25 مليون طن عندما بدأت الدولة أعمال تطوير في مصافيها الرئيسية في العام 2012. لكن ما لا يعلمه كثير من الجزائريين هو أن هذه الطاقة مثيرة للجدل في العالم، وخصوصا في دول الخليج أين دق خبراء ناقوس الخطر بسبب المخاطر الإيكولوجية لهذه الآبار التي تتسبب في تلويث البحار والمجمعات المائية والقضاء على الثروة المائية، ذلك رغم أن معظم دول الخليج تستخرج الذهب الأسود بالقرب من الشواطئ (فما بالك بعرض البحر) كما تعتزم الجزائر الشروع فيه. ما سر اختيار أهم منطقتين سياحيتين في الجزائر لتنفيذ المشروع؟ يعتزم مجمع سوناطراك حفر أولى آبار النفط في عرض البحر في ولايتي وهران وبجاية، والتي تمّ تحديدها كمناطق تنقيب بعد إجراء دراسات زلزالية شملت المياه الإقليمية للبلاد. ومن المعلوم أن هاتين الولايتين الساحليتين تعتبران أبرز الأماكن السياحية في بلادنا، حيث تستقطب مئات الآلاف من السياح سنويا، فلماذا وهران وبجاية؟ سوناطراك أوضحت أن تحليل المعطيات الزلزالية ثنائية الأبعاد بعد مسح الساحل الجزائري الممتد على مسافة 1.200 كلم سمح بتوجيه جهود الاستكشاف نحو هاتين الولايتين، وأظهرت معالجة هذه المعطيات التي تحصّلت سوناطراك عليها من مؤسسات دولية متخصّصة في مجال الزلازل البحرية احتمال وجود مخزون نفطي في هذه المناطق، وحسب نفس المصدر فإن المياه الإقليمية لوهران وبجاية تمثّل (فضاء جيّدا للاستغلال من الناحية الزلزالية)، وبعد الانتهاء من مرحلة الاستكشاف الجيو فيزيائي ينتظر أن تشرع سوناطراك في المرحلة المتعلّقة بالجيولوجيا مع حفر أوّل بئر بحري للتنقيب عن النفط في نهاية 2015، ووفقا للمعطيات التي تمّ جمعها في الساحل الجزائري فإن مناطق الاستغلال التي يمكن أن تحتوي على مخزونات نفطية تقع بين عمقي 2.000 و2.500 متر. آبار نفط أم سرطانات عائمة؟ يعرّض استثمار آبار النفط البحر للتلوث عن طريق التسرب سواء في مرحلة التنقيب أم الإنتاج، وتقدر كمية التسرب من البئر المثالي والنظيف بنحو 5 بالألف من كمية الإنتاج. كما يتسرب النفط أيضاً أثناء تحميل وتفريغ الناقلات، وتُقدَّر كمية النفط المتسربة سنوياً في العالم إلى البحار والمحيطات من مصادر التلوث بالنفط بنحو 10 ملايين طن. كما أن استخراج النفط قد يتضمن الكسح، الذي يحرك قاع البحر، مما يقتل النباتات البحرية التي تحتاجها الكائنات البحرية للحياة. وتهدد الحوادث التي تحدث أثناء عمليات الحفر والتنقيب في البحار الكائنات الحية البحرية بصفة عامة في المناطق المتضررة، حيث إنه نظراً لتصاعد وتسامي الكثير من الأبخرة المختلفة من بقعة النفط التي تطفو على سطح الماء، فإن التيارات الهوائية تدفع بهذه الأبخرة بعيداً عن الموضع الذي تلوث بالنفط إلى الأماكن السكنية على الشواطئ والمناطق الساحلية بواسطة الهواء الذي يصبح مشبعاً بها إلى درجة كبيرة وبتركيز عال فوق المقبول مما يؤثر على النظم البيئية البحرية والبرية. كما أن زيت النفط يحتوي على العديد من المواد العضوية التي يعتبر الكثير منها مسمّماً للكائنات الحية، ومن أخطر تلك المركبات مركب البنزوبيرين (benzopyrene) وهو من الهيدروكربونات المسبّبة للسرطان ويؤدي إلى موت الكائنات الحية المائية. خبيرة دولية: على الجزائر الاهتمام أكثر بنظافة الساحل يشهد الساحل الجزائري خلال السنوات الأخيرة تدهورا بيئيا كبيرا، بفعل عدم إيلاء الحكومة الأهمية اللازمة لهذا الجانب، وفي السياق قالت الباحثة في المركز الإقليمي لدول البحر الأبيض المتوسط للبحث والتوثيق والحوادث المسببة للتلوث البحري، (آن لروكس) في تصريحات سابقة، إنه على السلطات الجزائرية تسخير كافة الإمكانيات والتقنيات اللازمة من خلال البرامج الحكومية المقبلة، للتقليل من التلوث خاصة في الشريط الساحلي والمياه الإقليمية التي ارتفعت بها نسبة التلوث في السنوات الأخيرة، داعية السلطات إلى دق ناقوس الخطر والاهتمام أكثر بنظافة الساحل. وأرجعت الباحثة سبب التلوث في البحر الأبيض المتوسط إلى النقل البحري خاصة نقل البترول وغيرها على متن المواد الكيماوية التي تتسبب بشكل مباشر في تلوث المياه بسبب التسربات التي تحدث في الكثير من المرات من البواخر التجارية. وقالت ذات المتحدثة إن الجزائر ليست بعيدة عن التلوث البيئي خاصة في البحر، مشيرة إلى أن موقع الجزائر الجغرافي يجعلها عرضة أكثر للتلوث الخارجي، بالإضافة إلى النقل البحري خاصة نقل البترول، والذي يشكّل واحدا من العوامل الرئيسية للتلوث البحري، خاصة وأن الجزائر بلد يصدر المحروقات بشكل كبير حسب المتحدثة. ودعت لروكس السلطات الجزائرية إلى إعطاء أهمية كبيرة في برامجها للحد من مشكل التلوث البحري الذي تعرفه المياه الإقليمية الجزائرية بصفة خاصة ومياه البحر الأبيض المتوسط، مؤكدة على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تعرّض الجزائر إلى حادثة تحطّم إحدى السفن الناقلة للنفط في عرض البحر خاصة وأن معظم الصادرات تتمثل في البترول. تكاليف باهظة وتقنيات معقدة ولعل ما يزيد من تعقيد وضع الحكومة الجزائرية هو أن استخراج النفط من البحر يتطلب خبرات وتقنيات خاصة تختلف قليلاً عن تلك التي تستخدم على اليابسة، كما أن تكاليف استخراجه أكبر وتتراوح كلفة حفر بئر في عرض البحر لا تقل عن 100 مليون دولار، حسب ما يؤكده عديد المختصين. وثمة عوامل كثيرة تؤثر في اختيار موقع البئر التي سيستخرج منها النفط أهمها: العامل الجيولوجي، أي وجود مكامن الهدروكربونات المكونة للنفط أو الغاز الطبيعي في الصخور تحت سطح الأرض، والعوامل الاقتصادية والقانونية، وتوافر الإمكانات التقنية لاستخراج النفط التي لا يمكن إغفالها عند كل محاولة لاستكشاف مكامنه. فهل تملك الجزائر القدرة الكافية لاقتحام مجال استخراج النفط من البحر (المعقد) وهي التي تعاني تقنيا على غرار جل دول العالم الثالث؟ سؤال قد يستعصى على حكومة سلال الإجابة عنه، لكن الحقيقة الميدانية ستكشف المستور دون أدنى شك.