كشفت تقارير أمنية عراقية عن ارتفاع وتيرة القتل الطائفي (على الهوية) في بغداد إلى مستويات قياسية منذ مطلع شهر مارس الحالي، بمعدل 15 جثة يوميا، يلقى أكثر من نصفها في نهر دجلة ويتم انتشالها من قبل فرق الإنقاذ النهري التابعة للشرطة أو فرق أهلية خاصة تتقاضى أجورا من ذوي الضحية في مقابل انتشال الجثث التي تستقر عادة على أحد جانبي نهر دجلة أو تحت جسوره الثمانية في بغداد. يشير عقيد الشرطة النهرية في بغداد ماجد التميمي في حديث خاص إلى أن (غالبية الضحايا يُقتلون ثم يرمون في النهر)، ووصف طريقة قتلهم ب (الإعدام)، واعتبر أن (القَتَلَة وجدوا في دجلة فرصة مناسبة لإخفاء معالم الجريمة أو التخلص من الجثة، وعادة لا يُعدم شخص واحد بل أشخاص عدة، ومعظم الضحايا هم من الشبان، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاما، وجميعهم من مكوّن معين وهو سبب قتلهم). ويضيف التميمي: (تشير أصابع الاتهام إلى المليشيات بطبيعة الحال، لكنهم ينفون ذلك، ونحن بدورنا لا نستطيع أكثر من نقل الضحايا إلى دائرة الطب العدلي ليتسلّمها ذويهم من هناك)، وكشف عن (اعتياده) رؤية الجثث يوميا، مشيرا إلى أنه (بتنا نعود إلى تناول الإفطار كأن شيئاً لم يكن بعد أن كنا في السابق غير قادرين على التفكير لفظاعة الجرائم). * تحذير صحي لا تخلو أخبار وكالات الأنباء المحلية ومحطات التلفزة، من الإحصاء اليومي للجثث المجهولة، بينما تغيب القنوات الرسمية الحكومية وتلك التابعة للأحزاب والمليشيات، المتهمة بالوقوف وراء تلك الجرائم، عن الملف. وفي السياق، أصدرت منظمة (إخاء) العراقية شبه الرسمية، تقريرا أكدت فيه أن أكثر من عشرة آلاف عائلة بغدادية نزحت إلى خارج العراق وإقليم كردستان، لخشيتها من عمليات الخطف الطائفي. ويلفت مدير المنظمة أيمن الطويل، في حديث مع (العربي الجديد)، إلى أن (الحكومة تحاول التغاضي عن المشكلة لتجنب الاصطدام بالمليشيات الطائفية، كونها المتورّطة الوحيدة في تلك الجرائم، والتي تُرتكب على خلفيات طائفية، لا إجرامية بسبب المال أو خلافات عشائرية، أو ثأرية وغيرها)، ويتابع: (يجعل عدد القتلى الهائل جرّاء المعارك اليومية من مسألة العثور على عشر أو 15 جثة في دجلة أو الفرات، أمرا غير مهم بالنسبة للحكومة، لأنها وضعت نفسها أمام تحدٍّ أكبر، وهو مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، غير أنه في الواقع ستكون تلك الجثث القشة التي تُقصم ظهر البعير، وعامل تفجير الفتنة الطائفية في العراق بشكل أوسع مما هو عليه الآن). وفي هذا الصدد، أصدر عدد من رجال الدين فتاوى تحرّم أكل الأسماك التي تُصطاد من النهر، بعد ثبوت نهشها بعض الجثث. وحول ذلك، يقول إمام وخطيب جامع الفضلاء في بغداد، الشيخ أحمد عبد الكريم الموصلي، في حديث مع (العربي الجديد)، إنه أوصى ب (تجنّب أكل الأسماك التي يتم صيدها من مجرى نهر دجلة، أثناء مروره ببغداد وديالى وصلاح الدين، بسبب وجود الجثث فيه)، وأضاف أن (بعض رجال الدين ذهبوا إلى حدّ التحريم المطلق. مأساة، لقد وقعنا بين مطرقة داعش وسندان المليشيات المتطرفة). كما حذرت وزارة الصحة العراقية أول أمس الأحد من انتشار أمراض خطرة في بغداد بسبب الجثث. وقال المتحدث باسم الوزارة أحمد الرديني في تصريح أوردته وكالة (العراق برس) المستقلّة إن (أمراض جديدة وخطرة بدأت تنتشر في المجتمع العراقي نتيجة عوامل عدة ومنها انتشار الجثث). وقال الرديني إن (إحصاءات الوزارة تشير إلى أن نحو الألف شخص أُصيبوا بمرض حبة بغداد (اللشمانيا) بسبب ظروف النازحين، لأن مخيماتهم مكشوفة لذبابة الرمل، الناقلة للمرض، فضلاً عن أن مرض الجرب انتشر في بغداد بسبب الجثث وتراكم النفايات)، ولفت إلى أن (بعضهم يلجأ إلى العيادات الخاصة بدلا من الحكومية لعلاج المرض). ويقول عضو (تحالف القوى العراقية) طه العبيدي ل (العربي الجديد) إن (جثث دجلة وصمة عار على حكومة (حيدر) العبادي، فهو يعرف القاتل ويعرف من يومئ له بالقتل)، وكشف أن (بغداد وحدها شهدت انتشال أكثر من 55 جثة خلال أسبوعين فقط، بينهم طلاب جامعات وموظفون وعمال)، ولفت إلى أن (بعض الشخصيات بدأت تعدّ العدة للتوجه إلى مراجع دينية في مدينة النجف، وقيادات سياسية في التحالف الوطني لوضع حدّ للظاهرة قبل أن تكون شرارة البداية لعنف كبير لن ينتهي قبل اصطباغ نهر دجلة كله باللون الأحمر). * المليشيات الشيعية تفجّر المساجد فجّرت مليشيات (الحشد الشعبي) الشيعية مسجدا في مدينة الحرية التابعة لقضاء المقدادية بمحافظة ديالى شمال بغداد، بحسب ما أكده شهود عيان، وهو ما يرفع عدد المساجد التي تعرضت للتدمير بعموم المحافظة منذ سيطرة المليشيات على مناطق فيها إلى 30 مسجدا بين تفجير وحرق. وجاء تفجير مسجد (الحاج توفيق عجاج) جرى بمساندة من القوات الحكومية العراقية، حسب أحد شيوخ المدينة طلب عدم الكشف عن اسمه. وقال الشيخ إن ميليشيات الحشد والقوات العراقية الحكومية كانت تتخذ من المسجد مقراً لها قبل تفجيره، مبينا أن عملية التفجير كانت باستخدام عبوات ناسفة وضعت داخله. وفي هذا السياق، كشفت لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في البرلمان العراقي أنها تمتلك وثائق وتقارير مفصّلة عن اعتداء الميليشيات الشيعية على ما يقرب من عشرة مساجد في ديالى ومناطق وسط وجنوب بغداد، مبينة أن هناك مخططات لجهات وأحزاب شيعية نافذة تهدف لتغيير ديموغرافية العراق، مستغلة العمليات العسكرية الجارية في تلك المحافظات. واتّهم أعضاء في مجلس النواب عن محافظة ديالي (عصابات ميليشياوية) بتفجير دور العبادة في ناحيتي السعدية وجلولاء وشروين بروانة، حيث تجاوز عدد هذه المساجد الثلاثين مسجدا، بالإضافة إلى حرق وسرقة عشرات المنازل السكنية. ووثقت منظمات ناشطة في العراق تعرض 190 مسجداً للتخريب أو التدمير أو الاعتداء عليها من قبل الميليشيات الشيعية في المناطق الساخنة، ومنها ديالى، وصلاح الدين، والأنبار، وبغداد، ومناطق أخرى، في حين تستمر عمليات التهجير القسري والاغتيالات الممنهجة التي تستهدف أهل السنة في البلاد لتغيير ديموغرافية المنطقة، كما يقول السكان. من جهتها، أكدت منظمة (هيومن رايتس ووتش)، في أحدث تقرير لها، أن المليشيات الشيعية المتمثلة ب)الحشد الشعبي) أقدمت على ارتكاب انتهاكات على نحو متصاعد بحق أهل السنة في العراق ترقى إلى جرائم الحرب حسب القانون الدولي. وقالت المنظمة في التقرير الذي نشرته على موقعها: إن انتهاكات المليشيات المتحالفة مع قوات الأمن العراقية في المناطق السنية تصاعدت في الشهور الأخيرة، حيث تم إجبار السكان على ترك منازلهم، أو خطفهم أو إعدامهم ميدانياً في كثير من الأحيان. وأشارت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا إلى ما لا يقل عن ثلاثة آلاف شخص فرّوا من منازلهم في منطقة المقدادية بمحافظة ديالى منذ جوان الماضي ومُنعوا من العودة إليها منذ أكتوبر. وقد طالبت العائلات السنية في ديالى والمناطق الأخرى التي تمارس فيها القوات الحكومية والميليشات سطوتها وإرهابها، بإدانة هذه القوات، ودعت المنظمات الدولية إلى التحرك عبر الأممالمتحدة مع وجود أدلة مصورة.