نقلت وكالة رويترز للأنباء، الخميس، شهادات من مواطنين عراقيين من الطائفة السُّنية، تحدثوا عن عمليات قتل في صفوف مدنيين من السُّنة تمت على يد ميليشيات شيعية محمية من طرف قوات الأمن العراقية في محافظة ديالى شرقي البلاد. يروي ناجون الحكاية نفسها.. أخذهم رجال في زي موحد من منازلهم وقسموهم لمجموعات صغيرة واقتادوهم إلى حقل وأجبروهم على الركوع ثم اختاروا البعض وأعدموهم رمياً بالرصاص الواحد تلو الآخر. ترسم روايات خمسة شهود أجرت رويترز مقابلات معهم كل على حدة، صورة لإعدامات وقعت في قرية بروانة شرق العراق، يوم الاثنين، يقول سكان ومسؤولون محليون، إنها خلفت ما لا يقل عن 72 قتيلاً عراقياً أعزل. قال الشهود، إن منفذي الإعدامات مجموعة من أعضاء الفصائل الشيعية وعناصر قوات الأمن. وقد شكك مسؤولون أمنيون وحكوميون عراقيون في الروايات. وقال البعض، إن من الممكن أن يكون مسلحون من تنظيم داعش هم الذين نفذوا الإعدامات. وقالت الحكومة أمس (الأربعاء)، إنها ستفتح تحقيقاً في ما حدث. وقال رافد الجبوري المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إن رئيس الوزراء أمر بإجراء تحقيق عاجل وفي انتظار النتائج. وأضاف أنه لا يريد استنتاج أي شيء الآن، مشيراً إلى أنه حين تظهر نتائج التحقيق ستتضح الصورة بالكامل. وتحاول الحكومة العراقية بقيادة الشيعة مدعومة بضربات جوية تقودها الولاياتالمتحدة صد تنظيم داعش، منذ اجتاح شمال العراق في جوان. وجاءت التقارير عن مذبحة الاثنين، بعد حملة على مدار ثلاثة أيام نجحت خلالها الفصائل الشيعية وقوات الأمن العراقية، في استعادة السيطرة على أكثر من 20 قرية من أيدي تنظيم داعش قرب بلدة المقدادية في محافظة ديالى. ومنذ سبتمبر فر مئات المدنيين إلى الأمان النسبي في بروانة، هرباً من القتال في سنسل على بعد نحو خمسة كيلومترات إلى الجنوب الغربي وقرى أخرى قريبة.
اختطاف وقتل أبو عمر صاحب عمل حر نزح من سنسل. كان في منزله في بروانة يوم الاثنين، نحو الساعة الثالثة والنصف عصراً، حين وصلت عشر عربات هامفي تقريباً تقل بضع عشرات من الرجال. أشار الزي الموحد باللونين الأسود والبني، إلى أن بعضهم مرتبط بفصيل شيعي والبعض الآخر من قوات الأمن الحكومية، بينما بدا آخرون أنهم مدنيون. وقال أبو عمر بالهاتف لرويترز، إنهم جروا سكاناً تصل أعمارهم إلى 70 عاماً من منازلهم وضربوهم وسبوهم بشتائم طائفية. وأضاف أن المقاتلين أخذوا هواتف الرجال المحمولة وبطاقات الهوية الخاصة بهم، ثم كبلوا أيديهم وأوثقوا أبو عمر بحبل مع ابنه المصاب بمرض نفسي ويبلغ من العمر 12 عاماً. وكرروا الشيء نفسه مع ابنيه الأكبر وإخوته الثلاثة. تم اقتياد الرجال إلى حقل على بعد بضع مئات من الأمتار. ويقول أبو عمر إن أكثر من 100 آخرين تجمعوا هناك. أجبروا على الركوع والتحديق في الأرض لنحو ساعتين، بينما كان المقاتلون يختارون أهدافهم ويقتادونهم إلى مكان خلف جدار طيني. وقال أبو عمر: "أخذوهم خلف الجدار. لأقل من دقيقة ثم عيار ناري.. كل ما أمكننا سماعه هو طلقات الرصاص. لم نستطع أن نرى". ويقول الناجون، إن الضحايا اقتيدوا أيضاً إلى أزقة ومنازل وخلف مسجد أو منطقة لتجميع القمامة، ثم قتلوا. أبو مزعل (25 عاماً) مزارع من سنسل نزح إلى بروانة قبل خمسة أشهر. وروى لرويترز شهادة تتطابق تقريباً مع ما قاله أبو عمر. قال إن بعض المقاتلين وضعوا عصابات رأس خضراء كتب عليها اسم الحسين. اصطحبوه هو وابن عمه من منزلهما إلى الحقل، وساروا في طابور رؤوسهم إلى أسفل ووضع كل منهم يديه على كتف من يقف أمامه في الصف. سمع أبو مزعل وهو راكع بجوار ابن عمه البالغ من العمر 35 عاماً، آخرين يتوسلون للمسلحين حتى لا يعدموا، بينما جرهم المقاتلون وقتلوهم. وقال: "رفع ابن عمي رأسه فصفعه أحدهم.. بعد ذلك بخمس دقائق جاءوا وأخذوه بعيداً وأعدموه".
"تساقطوا مثل قطع الدومينو" تعاني ديالى من العنف الطائفي في ظل القتال بين تنظيم داعش والفصائل الشيعية، من أجل السيطرة على المنطقة الإستراتيجية الواقعة إلى الشمال الشرقي من بغداد. وينفذ مسلحون سُّنة تفجيرات انتحارية واغتيالات متكررة، في المقابل تتهم الفصائل الشيعية بقتل السُّنة، بما في ذلك مذبحتان أخريان في ديالى العام الماضي. وقعت المذبحة التي روى قصتها الناجون يوم الاثنين، في وجود قوات الأمن العراقية وهو ما يزيد من شكوك السُّنة في مدى سيطرة بغداد على الفصائل التي تصدرت القتال ضد تنظيم داعش، بعد أن انهار الجيش العراقي تقريباً الصيف الماضي. وقال عبد الله الجبوري (23 عاماً)، وهو خريج جامعي فر من سنسل إلى بروانة منذ شهر، إن الجيش سمح له بالانصراف حين جاءوا إلى منزله يوم الاثنين. وقال شهود آخرون لرويترز، إن الجنود وقفوا يراقبون ما حدث بلا حول ولا قوة وإن بعضهم بكوا بينما كان رجال الفصائل يعدمون المدنيين. وقال الجبوري لرويترز، إنه فر حين رأى عربات الهامفي تدخل بروانة واختبأ في كومة من القمامة. أخذ يراقب بينما أطلقت مجموعة من الجنود والمقاتلين قرب مدرسة النار على صف من 13 رجلاً كانت أيدي بعضهم مكبلة. وأضاف: "رأيتهم يتساقطون مثل قطع الدومينو".
حصار قال الجبوري، إنه سمع دوي أعيرة نارية وصرخات حتى الساعة السابعة مساء تقريباً، حين رحلت العربات. وعثر على جار وابنيه بين الجثث التي كانت عند المدرسة. ثم خرجت النساء والأطفال لتغطية جثث الرجال. وقضى البعض الليل في الشوارع ينتحبون على القتلى. قال الجبوري، إنه عثر على جثة جار آخر خارج منزله أصيب بالرصاص في الرأس والصدر. ورأى جثثاً تحمل آثار الطلقات في الحقل وفي خمسة شوارع مختلفة في القرية. عاد أبو عمر إلى منزله بعد انسحاب المقاتلين لينضم لابنيه. فيما بعد عثر على ستة أشقاء من سنسل أيضاً مقتولين. وكان أحدهم في منزله بينما كان الآخرون خلف الجدار الطيني في الحقل. وقال أبو عمر، إن مندوباً لبيع أدوات التجميل وأربعة معلمين قتلوا في الحقل فضلاً عن ثلاثة أشقاء آخرين وابن عمهم. وقال حقي الجبوري عضو مجلس محافظة ديالى وهو سُّني لرويترز، إن 72 رجلاً على الأقل قتلوا في بروانة يوم الاثنين. وأضاف أن 35 آخرين مفقودون ويشتبه أن رجال الفصائل يحتجزونهم. ودعا ساجد العنبكي وهو عضو شيعي في مجلس المحافظة إلى عدم القفز إلى استنتاجات قبل تحقيق الحكومة. وقال لرويترز، إنه إذا تبين أن من أعدموا "إرهابيين" فلن تكون هناك أي مشكلة، لأنهم في هذه الحالة نالوا ما يستحقونه. وأضاف أنه إذا اتضح أنهم مدنيون، فيجب تحقيق العدالة وإلقاء القبض على من فعلوا ذلك. لكن من تبقوا من سكان في بروانة يخشون من مزيد من العنف. وقالوا لرويترز، إن نفس رجال الفصائل وأفراد قوات الأمن حاصروا القرية في وقت متأخر يوم الاثنين، ومنعوا الجميع من مغادرتها. وقال أبو أحمد (27 عاماً) من سنسل وهو أحد الناجين: "نحن محاصرون منذ أيام.. بلا طعام. بلا أي شيء".