بقلم: محمد قروش أصبحت الجزائر تعيش فوضى تشريعية وقانونية وفكرية على كثير من المستويات نتيجة اختلاط كثير من المفاهيم وانقطاعها عن مرجعياتها الفكرية والدينية والحضارية، وهو ما جعل كثيرا من القوانين تخرج ممسوخة دون مرجعية ولا روح أو معنى بعيدة عن واقع الجزائريين. إن مسؤولية صياغة القوانين أو تحديثها مهمة خطيرة يجب أن تنبع من متطلبات المجتمع وحاجاته وتقوم على دراسة واجتهاد كبير لا يطيقه إلا المختصون في جميع الميادين الدينية والتاريخية والاجتماعية والنفسية، معتمدين في ذلك على استنباط التاريخ وتحليل الواقع في إطار ارتباط وثيق بمراجعنا وأصولنا الحضارية وخاصة النصوص التي لا تقبل اجتهادا أو تحويرا أو تغييرا بالنسبة لنا كمسلمين وهي القرآن والسُنّة النبوية الشريفة. يبدو أن رياح (التفلسف) حتى لا نقول (الاجتهاد) قد ضربت عقول كثير من الجزائريين الذين يحاولون (التحوير) والتغيير في كثير من القوانين باسم التطوير والتحديث عن طريق تقليد ونسخ قوانين وتشريعات مطبقة في دول أخرى لا تنتمي إلى حضارتنا ولا تعتد بمرجعياتنا الأساسية في تفكيرها وتسيير مجتمعاتها دون الرجوع إلى الأسس الدينية والفكرية والثقافية الثابتة في تاريخنا وحضارتنا العربية الإسلامية، وهو ما جعل هذه القوانين تولد ممسوخة ليس لها من قرار في واقعنا. وقد عرف علماؤنا الكبار (الاجتهاد) بأنه (بذل الجهد من أجل استنباط واستخراج الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية كالقرآن والسُنّة والإجماع والقياس وغيرها) وحددوا شروط المجتهد بأن يكون متبحرا مطلعا على العلوم الإسلامية اللازمة لاستنباط الأحكام الفقهية كعلم أصول الفقه وعلم الرجال وعلم المنطق وعلم الدراية وعلم الحديث والتفسير وغيرها من العلوم، كما اشترطوا أن يكون المجتهد مسلما عاقلا بالغا مشهودا له بالعدالة والتقوى، وأكثر من كل ذلك أن يكون ذا علم ومعرفة في المجال المجتهد فيه. إن التشريعات والقوانين يجب أن تحاط بكثير من الدراسة والتمحيص والمناقشة من قبل العلماء الدين والمجتهدين وعلماء الاجتماع والنفسانيين والمؤرخين والأطباء والقانونيين وغيرهم من المختصين الذين يضعون هذه القوانين في أطرها الشرعية والتاريخية والسوسيولوجية والنفسية الخاصة ومراعاة المجموعات التي ستطبق في واقعها. أما إصدار القوانين بطريقة التقليد والنسخ واللصق من مجتمعات أخرى بعيدة عن انتماءاتنا ومحاولة فرضها وتطبيقها على مجتمعاتنا فذلك هو الخراب بعينه الذي سينتج مجتمعا ممسوخا هجينا ليس له أي ارتباط مع الواقع لأنه مقطوع عن جذوره ومقوماته الأساسية التي عاش عليها قرونا طويلة.