بقلم: ماهر أبو طير* في كل الأزمات الطاحنة التي مرت على الإنسان العربي خلال المئة عام الأخيرة، من حروب واحتلالات ونكبات ومذابح، وفقر وبطالة وجوع، وجد هذا الإنسان ملاذا في مكان ما، في كل هذه الدنيا، عن مكانه المبتلى. الفلسطينيون خرجوا وهاجروا إلى دول الجوار وكل الدنيا، ويحمل هؤلاء إكثر من مئة جنسية في العالم، ويتحدثون ربما بعشرات الألسن واللغات. السوريون وجدوا أماكن متعددة، أيضا، والعراقيون تسربوا إلى دول الجوار وأوروبا وأميركا، والأمر ينطبق على البقية بشكل أو آخر، من المشرق إلى المغرب. والقصة ليست قصة الاحتلالات أو خراب الدول فحسب، بل إن الجوع أو الاضطهاد السياسي أو البطالة أطلق حالة من الهجرة إلى دول غربية وعربية، والعربي وجد مرارا ملاذات في دول عديدة في دول عربية أخرى، أو في أنحاء الدنيا. هذه الأيام لم تعد هناك ملاذات، هذه هي الفكرة والهجرة إلى أوروبا وأمريكا لا تساوي رأسمالها، لأن من فيها يعانون من أوضاع صعبة، بل إنك تجد الغربيين يفرون إلى دول خليجية للعمل، والعربي لايحصل على تأشيرة أساسا، وإذا حصل عليها، يذهب إلى بلد، من أجل أن يعمل في مطعم أو محطة وقود، فلا يأتي بنفقاته، والقصة تمتد إلى الدول العربية الثرية التي باتت بشكل طبيعي جدا تجد بدلاء أقل كلفة، عن العرب، فيتم تشغيلهم، بأجور أقل. معنى الكلام أن كل الخراب الحالي في العالم العربي، كل الحروب، كل الفتن الدموية، كل الجوع والفقر والاضطهاد، كل هذا الحياة غير الإنسانية، لم يعد لها حلول ولا أطواق نجاة أمامها، فالهجرة غير متاحة والبوابات مغلقة، وفي حال فتحها، فهي مفتوحة نحو جوع جديد، أو قل هجرات غير مجدية، وكأن هذا القرن، قرن الموت في المكان، دون ملاذات وبدائل آمنة. هي محنة إذن، فالإنسان العربي مشكوك به، جراء تشويه سمعة العرب والمسلمين، وإذا حظي بشفاعة وسافر بعد حصوله على تأشيرة، فلن يجد سمنا ولا عسلا، بل يجد جوعا آخر في دول تفيض بديونها وخراب حياتها الاقتصادي، وهو أيضا لم يعد يجد ملاذا في ذات عالمه العربي، وهذه الأيام قد يموت العراقي ولايجد ملاذا في سورية، والسوري قد يموت ولايجد ملاذا في مصر التي لا ترحب به. هي إغلاقات إذن لألف سبب، لاأمن وكراهية وسوء أوضاع اقتصادية مثلث الإغلاقات في وجه العربي، لم يعد هناك متنفس أو ملاذ لأي إنسان، لا بعقد عمل، ولا بتأشيرة، ولا بدخول طبيعي إلى مدينة عربية آمنة تكفيه شر مدينته المبتلاة. وكأن المنطقة تلعن من فيها، بحيث يكون قدر الباقين فيها قسراً أن يموتوا غرباء في أوطانهم، ولم تعد هذه الدنيا، تمنح الإنسان فيها، ملاذا ليهرب ويعيش، وحيثما وليتم وجوهكم فثمة باب موصد لسبب أو آخر. هو قرن تصفية الحسابات والإغلاق لغايات التعذيب والفرز وختم الشهادات.