تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للكثير من حوادث الإيذاء والمحن والتي كان من أبرزها حادثة الإفك، وكان من فضل الله ورحمته أن كشف زيفها وبطلانها، وأبقى دروسها وفوائدها، لتكون عبرة وعظة للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فقد حاول المنافقون الطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم بالافتراء على السيدة عائشة رضي الله عنها بما يعرف في كتب السيرة ب(حادثة الإفك)، والذي كان القصد منها النيل من النبي صلى الله عليه وسلم ومن أهل بيته الأطهار، لإحداث الاضطراب والخلل في المجتمع الإسلامي. وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الإفك وملخص القصة كما وردت في كتب الحديث والسيرة وهي: (أن المنافقين استغلوا حادثة وقعت لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في طريق العودة من غزوة بني المصطلق، حين نزلت من هودجها لبعض شأنها، فلما عادت افتقدت عقدا لها، فرجعت تبحث عنه، وحمل الرجال الهودج ووضعوه على البعير وهم يحسبون أنها فيه، وحين عادت لم تجد الرَكْب، فمكثت مكانها تنتظر أن يعودوا إليها بعد أن يكتشفوا غيابها، وصادف أن مر بها أحد أفاضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه فحملها على بعيره وقد ذكرت السيدة عائشة أنه حين وجدها ذلك الصحابي كانت نائمة فأدار ظهره لها وبدأ يدعي بصوت عالٍ حتى يلفت انتباهها وبعد أن استيقظت على صوته فقد أنزل لها الجمل حتى تركب عليه وأكمل مسيرته، وقالت السيدة عائشة إنه لم يتكلم معها طوال الطريق وهذا الصحابى كان يعلم أنها زوجة رسول الله وبنت أبي بكر الصديق وأوصلها إلى المدينة، فاستغل المنافقون هذا الحادث، ونسجوا حوله الإشاعات الباطلة، وتولى ذلك عبد الله بن أبي بن سلول، وأوقع في الكلام معه ثلاثة من المسلمين، هم مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحَمنة بنت جحش فاتُهِمت أم المؤمنين عائشة بالإفك). وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بما كان يقال إيذاء شديدًا، وصرح بذلك للمسلمين في المسجد، حيث أعلن ثقته التامة بزوجته وبالصحابي ابن المعطل السلمي وقد حرص الرسول على أن لا تقوم الفتنة بين المسلمين وقتها فقد أبدى سعد بن معاذ استعداده لقتل من تسبب فى هذا الأذى لرسول الله والسيدة عائشة وقد أظهر سعد بن عبادة معارضته بسبب كون عبد الله بن أبي بن سلول من قبيلته، ولولا تدخل النبي صلى الله عليه وسلم وتهدئته للصحابة من الفريقين لوقعت الفتنة بين الأوس والخزرج. ومرضت السيدة عائشة بسبب تأثرها بهذا الكلام الذى يقال عليها وبسبب إيذاء الرسول فستأذنت منه في الانتقال إلى بيت أبيها، وفي تلك الفترة فقد انقطع الوحي لمدة شهر فقد عانى الرسول خلال هذه الفترة معاناة شديدة حتى أمر الله الوحي بالنزول وتبرئة السيدة عائشة وقد كرم الله السيدة عائشة بنزول آية قرآنية تبرئها وفي هذا تكريماً وتعظيماً لها فقد نزل قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}..[النور- 11]. الفرحة بالحقيقة فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أو كلمة تكلم بها أن قال: (يا عائشة، أما والله فقد برأك) فقالت أم السيدة عائشة لها: قومي إليه، فقالت السيدة عائشة: والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله عز وجل. ولقد ظهر في هذه الحادثة فضل عائشة رضي الله عنها، فقد برأها الله من الإفك بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، يتعبد المسلمون بتلاوته، فكم ارتفعت منزلتها رضي الله عنها بذلك، وقد كانت تقول كما روى البخاري: (ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى)، ومن ثم فمن اتهمها بعد ذلك بما برأها الله به، فهو مكذب لله، ومن كذب الله فقد كفر. ومن الحكم والفوائد المترتبة على هذه الحادثة، تشريع حد القذف وأهميته في المحافظة على أعراض المسلمين، فعندما وقعت حادثة الإفك أراد الله عز وجل أن يشرع بعض الأحكام التي تساهم في المحافظة على أعراض المؤمنين. ومن الفوائد الهامة من هذه الحادثة، التوقف عند أمر الله عز وجل بالطاعة، وإن كانت مخالفة لرغبة الإنسان وهواه، وعدم ترك النفقة على الأقارب والفقراء وإن أساءوا، والحث على العفو والصفح عمن أساء إليك، فقد ظهر ذلك في موقف أبي بكر رضي الله عنه، الذي كان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره، فلما أنزل الله براءة عائشة رضي الله عنها قال أبو بكر: (والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال في عائشة، فأنزل الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}..[النور:22]، فقال أبو بكر: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي)، فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقها عليه.