قبل عدة سنوات، كتبت الروائية والشاعرة العربية غادة السمان رواية بعنوان "الجسد حقيبة سفر" وهو عبارة عن مجموعة من يوميات ومذكرات الكاتبة في رحلاتها ما بين عدد من المدن الاروبية، ومما جاء في تلك الرواية التي كتبت ما بين أواخر سنوات الستينيات والسبعينيات، مذكراتها عن موضة استحضار الأرواح عبر الكمبيوتر التي شاعت بقوة بين شباب اروربا في ذلك الوقت، ومما لا زال محفورا من كتاباتها في الذاكرة، كيف يمكن لأكثر ما وصلت إليه البشرية من تقدم وتحضر أن يسخر لخدمة أكثر ما عرفته البشرية من بدائية وتخلف "السحر والشعوذة"؟. وبعدها بسنوات كثيرة وفي الألفية الثالثة، نجد أن الأجيال الحالية من شبابنا، لازالت مأخوذة بذلك العالم القديم والمظلم، وتحاول بشتى الطرق استكشافه والغوص فيه، حتى وان تطلب ذلك الاستعانة بآخر التكنولوجيات الحديثة، وان كانت التعويذات السحرية ووصفات السحر الأسود، وطرق استحضار الجن والعفاريت والشياطين في القديم محصورة ما بين فئة قليلة من خدَمة السحر والسحرة، فإنها اليوم صارت متاحة لجميع الناس، ومن كافة الفئات، وعبر جميع مناطق العالم، ولا يحتاج الأمر إلى بخور أو عطور أو شموع، ولا حتى إلى أواني قديمة مكسرة، أو غرفة مظلمة متسخة، ولا يتطلب أيضا الكثير من التركيز وإغماض العينين وتلاوة بعض التعويذات والكلمات المبهمة، وإنما لا يتطلب إلا ضغطة زر واحدة، وكلمة بحث واحدة أيضا، على الشبكة العنكبوتية، ليجد الشخص أمامه آلاف المواقع والمنتديات التي تعطيه آخر، عفوا أقدم ما اعتقدت البشرية أنها قد تخلصت من خرافاته منذ زمن. المضحك - وشر البلية ما يضحك- كيف يمكن للكمبيوتر أن يتحول إلى مشعوذ القرن الواحد والعشرين، وأن تتحول الانترنت، إلى وسيلة لجلب المعلومات والأخبار، والغريب أن هذه المواقع لا تكتفي بتقديم خدمات بسيطة كمساعدة الأشخاص على تجاوز محنهم، أو استرجاع ما أخذ منهم، أو جلب واسترجاع الأشخاص الذين يحبونهم، وغيرها من الأمور الأخرى التي تدخل حسب هذه المواقع ضمن ما يسمى بالسحر الأبيض والسحر الوردي، وغيرها من الأسماء المضللة، بل إن هنالك من المواقع من تقدم خدمات التفرقة والشتات وإيذاء الآخرين، وحتى طرق ووسائل استحضار العفاريت والعياذ بالله، وتسخيرهم لتلبية طلبات الأشخاص الراغبين في ذلك، والحقيقة التي قد يدركها الكثيرون انه لا يمكن لهؤلاء أن يخدموا من يطلبونهم دون أن يكون على الأشخاص المترددين على هذه المواقع القيام ببعض الأشياء والأمور التي تدخل في نطاق الشرك بالله عز وجل وتزعزع وتضعف إيمانهم، وذلك كل التفصيل الممكن إيراده والشرح الوافي والكافي لذلك، وتحرص هذه المواقع على سهولة ما تقدمه وانه بالإمكان ممارسته في أي مكان وبوسائل بسيطة، هذا بالإضافة إلى أنها غالبا ما تضع أرقام هواتف أو ايميلات للتواصل مع الأشخاص الراغبين في مزيد من الأسئلة والاستفسارات، في عالم السحر والروحانيات، وكثيرا ما تضم هذه المواقع منتديات مختلفة وأقسام متعددة ومشتركين من مختلف البلدان العربية، والمثير من كل ذلك، أن المواقع "الروحانية" المغربية هي الأكثر انتشارا مقارنة بغيرها، حيث يعلم الكثيرون أن السحر المغربي من أقوى أنواع السحر، ولذلك فان هذه المواقع المغربية الخاصة بالسحر والدجل والشعوذة هي أكثر ما يجلب متصفحي الانترنت، والراغبين في اكتشاف هذا العالم المظلم. هذا بالإضافة إلى أنها تقوم بطرح عدد من كتب السحر الأسود والكتب الشهيرة المؤلفة في هذا المجال لتحميلها عبر الانترنت، وبطبيعة الحال فان هنالك الكثير من الأشخاص الذين قد يجدون ما يريدونه في هذا المواقع، فيسعون من خلاله إلى تدمير غيرهم وتدمير أنفسهم، أو أن الفضول يقود أشخاصا آخرين إلى تجريب ما يجدونه فيها، خاصة من المراهقين والأطفال وأصحاب النفوس الضعيفة، فيجدون أنفسهم بعد ذلك في عوالم غريبة ومخيفة، وقد يتطور الأمر بهم فيصلون إلى مراحل خطيرة جدا، لتكون مخاطر الانترنت التي يستدعي الأمر منا الدعوة إلى الحذر منها والانتباه لها ومراقبة أبنائنا أثناء تصفحهم للانترنت، غير مقتصرة على المواقع الإباحية أو مواقع التحريض على العنف والإرهاب والدموية، وإنما حتى بالنسبة لهذه المواقع الخاصة بتعليم السحر الأسود وغيرها.