بقلم: محمد قروش إذا كان من حقنا أن ننتقد بعض مواقف الدول الخليجية وخاصة السعودية في ما يتعلق بمسؤوليتها عن تدهور أسعار النفط والأزمة الخانقة التي أصبحت تعيشها كثير من الدول وعلى رأسها الجزائر بسبب ذلك ؛ فإنه من حقنا أن نطرح عدة تساؤلات عن مسؤولياتنا نحن في الوصول إلى هذه الوضعية الكارثية اقتصاديا والتي جعلتنا تابعين لقرارات دول أخرى تكاد تعصف باقتصادنا وببلادنا. إن السعودية ودول الخليج بوصفها أكبر الدول المتحكمة في أسواق النفط العالمية قد استطاعت خلال السنوات الأخيرة الاستفادة من مداخيل النفط الكبيرة واستغلالها في تطوير اقتصادياتها وإدخالها الى الأسواق العالمية من خلال مشاريع إعمارية وصناعية ومالية ضخمة، وهو ما مكنها اليوم من تجاوز صدمات البترول، بل أكثر من ذلك استطاعت تحويل هذا المنتوج إلى سلاح قوي للمناورة الاستراتجية مع الدول العظمى، وهو ما يسمح لها اليوم من التلاعب بهذه الأسواق كما تشاء. لكن في مقابل ذلك نجد أن دولا مثل الجزائر التي عاشت الطفرة الكبيرة في أسعار النفط لمدة تزيد عن 10 سنوات ماضية، لم تستطع استغلالها في إحداث تحول اقتصادي ومالي يذكر، حيث أن أغلب المداخيل النفطية كانت تحول مباشرة لتلبية فواتير الاستهلاك التي استفاد منها دول الخارج أكثر من فائدتها على الاقتصاد الوطني المترهل الذي بقي يعيش تدهورا كبيرا دون وسيلة لإنعاشه بأموال المحروقات الكبيرة. صحيح أن الجزائر حاولت أن تتوجه بشكل كبير إلى تلبية المتطلبات الاجتماعية والسياسية أكثر من توجهها نحو تطوير آليات الاقتصاد، إلا أن هذا المنحى قد ضرب البلاد في الصميم، وجعلها تعيش زلزالا اقتصاديا رهيبا نتيجة تراجع الأسواق البترولية، وهو ما قد يؤدي في حالة استمراره إلى أزمات كبيرة يكون من الصعب استعادة توازنها -حسب- المؤشرات الاقتصادية الحالية. إن سياسة (اصرف ما في الجيب وانتظر ما في الغيب) توجُه أضرّ كثيرا بالاقتصاد الوطني وجعله رهينة التقلبات السياسية والإستراتجية العالمية، مما فوت على الجزائر وضع قواعد اقتصادية تقوم على الاستثمار البشري والفلاحي والصناعي والتجاري، وهو ما لا يمكن تداركه في ظل الأوضاع الحالية إلا بمعجزات كبيرة قد يدفع ثمنها المواطن البسيط الذي سيجد نفسه محروما من كثير من المتطلبات بدافع الأزمة والتقشف مما سيؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد وهو ما لا نتمناه للجزائر.