بقلم: محمد خالد الأزعر* في لحظة فارقة واحدة، كشف المهووسون الصهاينة الإسرائيليون عن توجهاتهم العنصرية تجاه كل من الفلسطينيين العرب من جهة وبعض مواطنيهم اليهود من جهة أخرى. حدث ذلك حين تزامن قرار وزير الدفاع موشى يعلون بمنع العمال الفلسطينيين من ركوب الحافلات التى يستخدمها مستوطنو الضفة، مع انتفاض يهود الفلاشا وتظاهرهم احتجاجا على التمييز الجاري بحقهم على أكثر من صعيد. بهذه السلوكيات العنصرية المزدوجة، الموجهة إلى أبناء المجتمع الأصيل وبعض المنتمين للرحاب اليهودية، يؤكد فريق من النخب الصهيونية الملتاثة، تفوقهم في مراتب التمييز العنصري قياسا بالنازيين.. إذ لايعرف عن هؤلاء الأخيرين أنهم مارسوا عنصريتهم أثناء الرايخ الثالث ضد جماعة من الآريين وعليه، فإن الصهيونية تبدو جديرة بكونها أعلى مراحل العنصرية. هذا المقام يوجب الإشارة إلى أن تجليات العنصرية الصهيونية المزدوجة ومظاهرها، لاتعود إلى أيامنا هذه فقط .. ففي ثلاثينات القرن الماضي وأربعيناته، مد بعض الصهاينة الآباء المؤسسين حبال الود والتعاون مع النازيين والفاشيست طمعا في إجبار يهود أوروبا على مغادرة مواطنهم الأم. وفي إطار هذا التآمر، كان الشرط الصهيوني الأبرز، هو أن تكون فلسطين بالتحديد وحصريا هي وجهة المغادرين مع السماح لهم باصطحاب أموالهم ومتاعهم بين يدي هذه المغادرة النهائية. للإنصاف، أعرب بعض الصهاينة، الأكثر حنكة ومراسا، عن دهشتهم من يعلون وقراره البغيض.. الأمر الذي ساق رئيس الوزراء نتنياهو إلى التدخل ووقف تنفيذ القرار. لكن الإنصاف يقتضي أيضا التنويه إلى أن هذه الغضبة جاءت على خلفية الوعي بالأضرار الجسيمة التى يلحقها تصرف يعلون العنصري الفج بصورة إسرائيل الدولة. يقول بن درور فى يديعوت أحرونوت (21/5/2015) إن (..الفصل بين اليهود والفلسطينيين، كما هو الحال في شارع الشهداء بمدينة الخليل، يلحق ضررا هائلا بإسرائيل، أكبر بكثير من منفعته الأمنية.. هذا ليس أبارتهيد ولكن العالم ينظر إليه كأبارتهيد!..). كأن سياسات التمييز العنصري مسموح بها لدى أصحاب هذا المنطق، شريطة ألا يشعر بها الخلق، كي لا يتوسلون بها للتشهير بإسرائيل. المعنى ذاته يردده ايلاخ سيجان في معاريف ( 21/5/2015) .. فهو يعتقد أن (.. المشروع التجريبي للسفر المنفصل للفلسطينيين والإسرائيليين في الباصات، لاينطوي على الأبارتهيد كما كان في جنوب أفريقيا، ولكنه يقدم ذريعة لأبو مازن ورفاقه لوسم سياسات إسرائيل بالأبارتهيد..). ويصل التبجح بأصحاب هذه الآراء إلى التشديد على أن (.. إسرائيل خالية من القوانين العنصرية..). من الناحية الفقهية، ينحدر العنصريون عموما إلى الدرك الأسفل، حينما يعتنقون الفكر العنصري نظريا ويطبقونه عمليا وهم يحسبون أنهم أناس أسوياء.. ففي هذه الحالة يمسي التمييز العنصري مكونا عضويا، هيكليا، في طباعهم. وتقديرنا أن الشطر الأعظم من الصهاينة الإسرائيليين يعيشون هذه الحالة بالفعل.. الحالة التي تدفعهم إلى الاستعماء عن جدار الفصل الاستيطاني العنصري .. وتقسيم الحرم الإبراهيمي في الخليل ومطاردة المعالم العربية الإسلامية والمسيحية في القدس لصالح عمليات التهويد، والرغبة العارمة في تخصيص طرق ووسائل نقل ومهن ومصادر مياه وموارد اقتصادية، بل وأحياء بعينها للفلسطينيين تمييزا لهم عن اليهود .. يضطلع العنصريون الإسرائيليون بكل هذه الإجراءات ونحوها مع المجتمع الفلسطيني، ويشتكي يهود الشرق والفلاشا من ممارسات تمييزية مقيتة، مع أنهم يزعمون التحسب للفضائح التي قد يسببها لهم إعلام عصر الفضاءات المفتوحة. ترى ما الذي كان هؤلاء فاعليه من موبقات عنصرية أخرى، لو أنهم غفلوا أكثر عن هذه الفضائح ؟ لكن أحد مشكلات العنصريين الإسرائيليين أن عنجهيتهم تستدرجهم أحيانا إلى حيث يغفلون عن مراقبة أهوائهم ومواقفهم وألسنتهم ، إنهم كالمريب الذين يكاد يقول خذوني !..