ساعات معدودة، ويهل علينا الشهر الفضيل، شهر الخيرات والنفحات، والذي تشتاق إليه أرواحنا، وتهفو إليه قلوبنا، وتنتظره أنفسنا، وتسأل الله تعالى أن يبلغناه إياه، ويوفقنا فيه للصيام والقيام والعتق من النيران، ونسأله تعالى أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام. ونحن على أبواب رمضان هذا العام، قد يشعر المسلم باليأس؛ لكثرة الفتن، وقوة المؤامرات المدبرة من الأعداء، ومع تكرار المصائب والمحن في عدة أماكن من بلاد المسلمين، فيصاب المسلم الذي لم يتحصن بالطاعات بالإحباط، وقد يصاب المسلم بالقنوط لكثرة المحن، وتوفر الشهوات، وتعدد المشكلات، وتواصل الابتلاءات، وسهولة الوقوع في المعاصي. ولكن مع قدوم الشهر الكريم بنفحاته العديدة وصفاته الفريدة، وخصائله الكثيرة، سيخرج المسلم من هذه الحالة للأمل والرجاء فالله تعالى يبشرنا فيه بفتح أبواب الرحمات: (إِذَا جَاءَ رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ(سلسلت) الشَّياطينُ) متفق عليه. فهو شهر الكرم والجود، ومغفرة الذنوب، ففيه العطايا الربانية الكثيرة، والمنح الإلهية العديدة، والتي تفتح أبواب الأمل لليائسين، وتبشر القانطين بفتح أبواب الرجاء، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(الزمر53)، مع قرب الفرج وتيسير الأمور، وإخراج العاصين والمذنبين من حالة الكرب لحالة الفرج ومغفرة الذنوب: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)(حديث متفق على صحته) وذلك بعد استشعار الذنب، وانكسار القلب، واستصحاب الندم، وتجديد التوبة، وكثرة الاستغفار وتصفية النفس ومجاهدتها، وتهيئتها ومحاسبتها لتبدأ صفحة جديدة بعد غفران الذنوب، في شهر الرجاء في رحمة الله، والأمان من عذابه. ومع قدوم الشهر العظيم، شهر الجهاد والانتصارات، يحصل إرشاد الحائرين عن أسباب تأخر النصر، فيخرجوا من الحيرة، لأنواع من الانتصار على النفس، يعقبها الأخذ بأسباب النصر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(محمد:7) فيتحقق النصر على الأعداء، كما انتصر المسلمون الأوائل، على الرغم من ضعفهم وقلة عددهم، (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران/123). فمع قدوم رمضان جديد يحذونا الأمل، وتأمل نفوسنا الرجاء، بأن يكون رمضان هذا العام علامة فارقة، ونقطة مفصلية مضيئة في علاقة أفضل وأرقى وأحسن مع الله تعالى، ومع حسن التعامل مع الناس، والإقبال على الله تعالى للوصول للتقوى، والتنافس في الخيرات، والتقرب إليه سبحانه الله تعالى بأداء ما افترضه على عباده، والحرص الطاعات التي اختص بها رمضان، كالصيام والقيام، والصدقة والدعاء، خاصة وقت السحر، فهو أحد أهم الحلول لمواجهة المشكلات والخروج من حالة اليأس أو الإحباط. وأيضا للوصول للأمل يتذكر المسلمون أن الانتصارات العظيمة، كغزوة بدر وفتح مكة، أو المعارك الكبرى الفاصلة في تاريخ الأمة كمعركة القادسية، وحطين، وعين جالوت، كانت في رمضان، بعد توحيد صفوف الأمة، ونبذ التنازع والفرقة، وجمع الكلمة، والاعتصام بمنهج الله تعالى وطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والإكثار من ذكره سبحانه، وترك التنازع، والصبر وإخلاص العمل لله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ، وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) الأنفال. فبهذه الذكريات، وتلك القواعد ينتقل المسلم بفضل الله تعالى من حالة اليأس أو القنوط، إلى الثقة في نصر الله عز وجل، وتفتح له أبواب الرجاء والأمل.