الحاضر الأول في رمضان لتحضير "المطلوع" طاجين "الفخار" تحفة تراثية حاضرة منذ آلاف السنين
لا يخلو بيت جزائري من طاجين الفخار الذي يستعمل كثيرا في تحضير المطلوع والكسرة خلال رمضان، فحضوره يزداد بكثرة خلال رمضان ليبقى تراثا ماديا أمازيغيا له قيمة خاصة إذ يعود حسب عديد المؤرخين إلى حوالي 3000 سنة. وفي الجزائر تختلف صناعة الطاجين من منطقة إلى أخرى رغم وجود عامل مشترك واحد وهو اللجوء إلى جلب المادة الأولية وهي الطين من مناطق معينة، ويمكن أن تحقق هذه الحرفة حسب الحاجة، فاطمة من منطقة المعاضيد بولاية المسيلة لأهلها عائدا ماليا كونها غالية الثمن في الوقت الحالي، وتعرف مناطق الحضنة بصناعة نوع من الطاجين أقرب في تصميمه من مثيله بمناطق الهضاب العليا والقبائل وهو معروف بشكله الدائري ومساحته الملساء، كما أن هذه الأخيرة سميكة أكثر من نظيرتها في الطاجين المصنوع بمناطق الأوراس. أنامل من ذهب تحوّل الطّين إلى تحف وتراعى في صناعة الطاجين عديد الخطوات أهمها على الإطلاق اللجوء إلى جلب أحسن أنواع الطين الأسود الخالي من الشوائب كالملح مثلا، وكثيرا مايؤدي سوء اختيار نوعية الطين إلى تشقق الطاجين قبل وضعه في نار كثيفة ليتحول لونه إلى أحمر ويزيده ذالك صلابة أكثر. ويأتي في المرحلة الثانية تحضير عجينة الطين التي يصنع منها الطاجين فهي تعجن بعناية من طرف العارفات بصناعة هذه الأداة حيث يراعين أن لا تبلل كثيرا هذه العجينة الطينية وإلا تصبح عبارة عن طين ذائب يصعب تصنيعه أو التحكم فيه، فيما تقوم النساء الأوراسيات برحي أجزاء من طاجين قديم وتحويله إلى دقيق من الطين لخلطه في عجينة الطين حالما ثبت أنها مبللة أزيد من اللازم. ويجري حين تحضير الطاجين اتباع عديد الخطوات تبدأ بإنجاز قاعدة الطاجين ثم جوانبه المحيطة في شكل دائري قبل أن تقوم الصانعات بوضع مقابض الطاجين في الوقت الذي تكتفي فيه نظيراتها بإنجاز محيط الطاجين. وتقوم النسوة بعد ذلك بتحويل مساحة الطاجين إلى ملساء باستعمال وسائل جد بسيطة ومتوفرة في الطبيعة على غرار صدفة الحلزون حيث تغطس في الماء وتمرر على كامل أجزاء الطاجين وهو في مرحلة يقترب ضمنها أن يكون يابسا. في حين يحل حجر الصوان ببعض المناطق محل صدفة الحلزون للقيام بهذه العملية. وفي مرحلة أخيرة وبعد أن يجف الطاجين ويصبح متماسكا يتم إضرام نار كثيفة يوضع عليها الطاجين مقلوبا وذلك حتى يزيد صلابة ويتحول لونه من أسود إلى قرميدي أي بلون القرميد حاليا.
تسميات تختلف بين "المسرّح" و "بوحبّة"
هناك نوعان من الطاجين في أغلب مناطق الوطن وهما (المسرّح) وتطلق عليه هذه التسمية كونه أملس المساحة التي يوضع فيها عجين الخبز و (بوحبة) وهو عبارة عن تجاعيد دائرية على مساحة الطاجين وهذا الأخير يخصص أكثر لخبز المطلوع. والغريب في الأمر أنه رغم ظهور طاجين الحديد بأشكال مختلفة غير أنه لم يحل محل طاجين الفخار في البيوت الجزائرية الذي يسميه البعض بالطاجين والآخر ب(فان) في مناطق الأوراس فيما يسمى طاجين في منطقة القبائل. فهذا الأخير يمكن من طهي الخبز أو ما يعرف بالكسرة على أحسن وجه فهو لا يلفح الخبز حتى يتحول إلى يابس ولا يطيل طهيه ليكون بذلك طريا. فطاجين الطين يحافظ على وسطية في الطهي قلما توجد في باقي وسائل طهي الخبز على غرار التنور والفرن البلدي في مناطق شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط. ويذكر في هذا السياق بأن الطاجين ليس فقط أداة هامة وفعالة في طهي الخبز بل هي أيضا عملية يمكن نقلها إلى المكان المراد شريطه المحافظة عليها من عوامل الكسر عكس الأفران العربية الأخرى التي لا يمكن نقلها كونها تبنى في مكان واحد، وقيل قديما في بعض مناطق الوطن أن (من لا تحسن صناعة الطاجين بلهاء ومن لا تحسن صناعة الزربية ناقصة الأنوثة ومن لا تحسن طهي الكسرة وجب تجنب الزواج منها).