لطالما سوقت أفلام هوليوود قراصنة البحر على أنهم أبطال يستثيرون إعجاب شرائح عريضة من الشباب وتعاطفهم، فلا يجدون أية غضاضة في تقليدهم في ملابسهم وحركاتهم وقصات شعرهم، بل وحتى في دُعاباتهم. هذا النوع من التعاطي الهوليوودي مع القراصنة أسهم في خلق صورة خيالية عن القراصنة في أذهان عُشاق أفلام الخيال والمغامرات البحرية المليئة بالتشويق والإثارة، فصار من يتشبه بالقرصان “جاك سبارو- جوني ديب” في فيلم “قراصنة الكاريبي” في خفة دمه وروح نكتته وعدم اكتراثه بخوض المخاطر والصعاب مثار غبطة وإعجاب حقيقيين. يشير الواقع إلى أن هذه الصورة الهوليوودية مغايرة تماماً لحقيقة القراصنة عبر التاريخ، فأعمالهم كانت دائماً محط إدانة وتجريم من قبل الأمم والمجتمعات والشعوب، فهم قُطاع طرق بَحرية في نظر الشعوب، ومجرمون في نظر القانون الدولي. انبعاث القرصنة على أيدي الصوماليين جعل الكثيرين يتساءلون عن تبعات ذلك ومدى إسهامه في سيادة العصر الذهبي لقراصنة القرن الحادي والعشرين من القرن الأفريقي. بين الأمس واليوم إن هذه الصورة الخرافية لقرصان يمتشق أكثر من سيف ويجوب البحار والمحيطات طولاً وعرضاً براية مرسوم عليها عظام وجماجم كعلامات خطر تبعث الخوف والرعب في قلوب ربابنة السفن التي يعترضها لنهب ما على ظهرها من كنوز وذهب، وسقوط البطل القرصان في حب أجمل حسناواتها لا تمت بصلة إلى الواقع الحقيقي للقراصنة. ولعل عمليات القرصنة التي شهدها العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على أيدي القراصنة الصوماليين قد أسهم في خلخلة هذه الصورة النمطية عن القراصنة في أذهان الجمهور، خاصةً منهم عُشاق أفلام القراصنة. فالأمر لا يتعلق بكنوز مخبأة في قيعان الجزر وأعماق المحيطات ومخازن السفن. فلا أحد من القراصنة الصوماليين يُشبه “جاك سبارو” أو “بلاك بيرد”، بل أن معظمهم صيادون ضعيفو البنية وجديو الملامح هدفهم الحصول على الفدية، دون الاكتراث بكنوز بحرية أو السقوط في غراميات مع إحدى الحسناوات الراكبات في السفن المختطفة. القرن الأفريقي يمر عبر خليج عدن أكثر من 25 ألف سفينة تجارية سنوياً، غالبيتها لا تحتوي على أسلحة. وقد أصبح هذا الخليج من أكثر الممرات البحرية استهدافاً من قبل القراصنة، فالصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لصيادين صوماليين مسلحين يحملون قاذفات صواريخ ومزودين بأنظمة التموقع الجغرافي العالمي وهواتف متحركة، وآخرين يلبسون نظارات ويجوبون البحر بقوارب صغيرة وأسلحة خفيفة، وصور أخرى للنهاية السعيدة للقراصنة الصوماليين وهم يتسلمون رزماً من الأموال هي مبلغ الفدية الذي طلبوه لإطلاق سراح المحتجزين على ظهر السفينة التي اختطفوها تظهر حقيقة الموقف. هذه هي إذن صورة قراصنة القرن الأفريقي في القرن الحادي والعشرين. تهديد جديد يقول المستشار الأمني كريسبيان كوس من مجموعة “أوليف” الأمنية الموجود مقرها في لندن “أعتقد أن معظم الناس يظنون أن جميع القراصنة يشبهون الممثل جوني ديب” ورفاقه في فيلم قراصنة الكارايبي”. لكن القراصنة الصوماليين الذين أصبحوا يشكلون خطراً على الأمن البحري العالمي اليوم هم مجرد صيادين مأجورين من قبل أُمراء حرب وقادة عصابات مسلحة بسطوا سيطرتهم على مناطق بحرية شاسعة، مستفيدين من غياب ردعهم وملاحقتهم، ومن الفراغ القانوني في أماكن نشاطهم للقيام بأعمال قرصنة”. فعمليات القرصنة الصومالية التي استهدفت سفناً أميركية وغربية وعربية محملة بالنفط والبضائع التجارية وغيرها هي نماذج وأمثلة من عدوى القرصنة الصومالية التي انتشرت في عدد من المضايق والممرات البحرية، وأصبحت تشكل أحد التهديدات العالمية الذي لا يقل خطورة عن تهديدات التلوث البحري والإرهاب. غياب القانون كان القبطان ريتشارد فيليبس من مدينة أندرهيل بولاية فيرمونت الأميركية من بين أوائل الربابنة الأميركيين الذين تعرضوا للاختطاف من قبل قراصنة سنة 1804 في التاريخ المعاصر. وقد مرت عقود عديدة شهدت شبه هدنة من قبل القراصنة، إلى أن عاودت عمليات القرصنة ظهورها سنة 1991 في القرن الأفريقي نتيجة للحروب والقلاقل التي تشهدها الصومال وبعض الدول المجاورة. فالاضطرابات ومظاهر عدم الاستقرار التي خيمت على الصومال منذ تسعينات القرن الماضي أضعفت قدرة الحكومة الصومالية على السيطرة على تحركات العصابات الناشطة براً وبحراً، ودفع القراصنة إلى توسيع عملياتهم، مستفيدين من غياب القانون وعدم وجود أية قوة تردع نشاطاتهم. من صيادين إلى قراصنة ويقول البعض إن عدم تمركز قوات أمنية في سواحل الصومال جعلها عُرضةً لعمليات الصيد الجائر من قبل سفن صيد أجنبية، وهو ما استفز الصيادين وجعلهم لا يترددون في قبول عروض قادة العصابات الذين أعلنوا الحرب على السفن القادمة من آسيا وأوربا واتَّهموها بالصيد الجائر في المياه الصومالية، ثم بتفريغ نفايات سامة في المياه الإقليمية الصومالية بشكل غير قانوني، وهو ما أدى- حسب أقوالهم- إلى نفوق جزء كبير من الثروة البحرية التي كان يتخذها الصيادون الصوماليون مصدر رزقهم الوحيد، خصوصاً منها أسماك التونة وبراكودا وسمك الخرمي الأحمر. عقد ذهبي بدأت بعض عصابات القرصنة الصومالية في تسليح أفرادها بهدف اعتراض السفن الأجنبية. ثم وسعت عملياتها مع الوقت وأصبحت تنفذ أعمال خطف السفن التجارية من أجل الحصول على فدية كبديل لعملياتها البرية السابقة لجني الأرباح المالية. وازدادت الهجمات في خليج عدن والسواحل الصومالية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، إذ ارتفع عددها من 41 عملية سنة 2007 إلى 111 عملية عام 2008، ثم تزايدت بشكل دراماتيكي سنتي 2009 و2010 عقب الأزمة الاقتصادية العالمية، وذلك حسب إحصاءات المكتب البحري الدولي. وأصبح القراصنة يحتجزون كل سنة المئات من طواقم السفن التجارية ويعترضون عشرات السفن ويتلقون أموالاً طائلة مقابل الإفراج عن طواقم السفن وحمولاتها. كعكة بحرية أشارت مصادر إلى أن القراصنة الصوماليين تقاضوا مبالغ فدية تُقدر ب 30 مليون دولار مقابل احتجازهم 42 سفينة سنة 2008 فقط، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن المبلغ الحقيقي وغير المصرح به أكثر من ذلك بحوالي ثلاثة أضعاف (80 مليون دولار). وقال مراقبون دوليون إن القراصنة يأخذون 30% فقط من مجموع الفدية المحصل عليها، بينما يذهب 20% منها إلى قادة العصابة، و30% لرشوة المسؤولين المحليين، فيما تُستثمر ال20% الباقية في تحديث الأسلحة والذخائر والوقود وتوفير الإمدادات الغذائية والسجائر. وقال المستشار الأمني كوس إن القراصنة الصوماليين يطورون أساليبهم وأسلحتهم يوماً بعد يوم، إذ صاروا يشنون عملياتهم وهجماتهم في فترات ليلية، وهو ما يعني حصولهم على كاميرات الرؤية الليلية ومعدات أخرى أكثر تطوراً. وكان مسؤولون أميركيون قد أشاروا عقب توالي هجمات القراصنة الصوماليين في شرق أفريقيا إلى احتمال وجود صلات بينهم وبين مجموعات إرهابية، وإلى استفادة القراصنة الصوماليين من شتات المهاجرين الصوماليين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم، والذين يلعبون دوراً كبيراً في تسهيل عمليات القراصنة وتلقي مساعداتهم المالية واللوجستية والمعلوماتية، لاسيما عند التفاوض حول مبلغ الفدية وكيفية تسلمها. عن موقع "أون لاين أثانس" * أشارت مصادر إلى أن القراصنة الصوماليين تقاضوا مبالغ فدية تُقدر ب 30 مليون دولار مقابل احتجازهم 42 سفينة سنة 2008 فقط، بينما أشارت مصادر أخرى إلى أن المبلغ الحقيقي وغير المصرح به أكثر من ذلك بحوالي ثلاثة أضعاف (80 مليون دولار). * قال المستشار الأمني كوس إن القراصنة الصوماليين يطورون أساليبهم وأسلحتهم يوماً بعد يوم، إذ صاروا يشنون عملياتهم وهجماتهم في فترات ليلية، وهو ما يعني حصولهم على كاميرات الرؤية الليلية ومعدات أخرى أكثر تطوراً.