وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجّ عَمِيق هذه شروط وجوب الحج وأركانه من الكتاب والسنة الحمد لله الذي جعل للمسلمين فرائض يتقربون بها إلى مولاهم وفرض عليهم عبادات وطاعات ليزدادوا قربا من خالقهم ومولاهم ويفتح لهم باب التوبة بهذه الأركان والسنن والنوافل ليكفر عنهم سيئاتهم ويطهر ذنوبهم ويعودوا طائعين إلى مولاهم ونحمده سبحانه أن شرع لعباده لحكم عديدة حج بيته الحرام والاعتمار إليه في وفد سماه وفد الله ليشعروا بقربهم من مولاهم ويعودوا من رحلة الحج بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور بل ويعود من الحج وكأنه مولود جديد. رحلة الحج والعمرة هي الرحلة الإيمانية التربوية التي تربط الحجاج بذكريات إيمانية عبقة فهي تذكر بتاريخ الأنبياء السابقين كإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وتجعلهم يقتدون بخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليهم جميعا صلوات ربي وسلامه. والمسلم الذي اشتاقت نفسه للحج وعقد العزم على السفر لأداء هذا الركن العظيم يحاول أن يقبل على الحج بنفس طيبة ويتهيأ له جيدا ويتعلم مناسكه بهمة عالية ويتزود له بالتقوى وينوي الحج مخلصا لوجه الله تعالى ويجدد التوبة ويستعد بالنفقة الطيبة والمال الحلال ويتعلم الأمور المهمة قبل أن يخرج لرحلة الحج فتكون عبادة الحج بلا منغصات فينال بذلك مغفرة الذنوب ومحو السيئات ويحصل على مزيد من الحسنات ويمنح جرعة إيمانية عالية تجعله يعود من الحج زاهداً في الدنيا راغبا فيما عند الله تعالى. الحكمة من مشروعية الحج وفضله شُرع الحج لما فيه من الأجر العظيم والمنافع الكثيرة فالحج مؤتمر إسلامي كبير يلتقي فيه المسلمون ويشعرون بحاجتهم للوحدة والاتحاد حين يلبسون لباساً واحداً يقفون على صعيد واحد ويتوجهون لرب واحد لا فرق بين غني وفقير ولا أسود وأبيض إلا بالتقوى فكلهم سواسية جاؤوا لتحقيق الوحدة والأخوة الإسلامية والتعاون في الخير وتكبدوا مشاق السفر لمحو الذنوب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) متفق عليه. فضل الحج: فالحج هو أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد إذا كان الحج مبرورا كما في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) متفق عليه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. ومن منافع الحج: محو الذنوب ونفي الفقر وتكفير السيئات قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وحسنه الألباني). والحجاج والعمار وفدوا على بيت الله فاستحقوا التكريم والمغفرة واستجابة الدعاء فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ)(رواه النسائي وغيره وصححه الألباني وفي رواية وحسنها بعض العلماء عند ابن ماجه): (الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ). لماذا يقصد الحجاج بيت الله الحرام: للحصول على المنافع العديدة والفوائد الكثيرة وأيضا استجابة لدعاء خليل الله إبراهيم عليه السلام بعد تركه لأم إسماعيل (الأم المستسلمة لأمر ربها) في وادي لا زرع فيه ولا ضرع ثم قال: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَاد غَيْرِ ذِي زَرْع عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم :37. ولأن الله سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام أن يعلن في الناس التوجه لزيارة المسجد الحرام لأداء شعائر الحج والعمرة لما في ذلك من تعظيم لشعائر الله تعالى: (وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجّ عَميِق لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّام مَّعْلُومَات )الحج 27 28 وأيضا لأخذ الدروس والمواعظ وتذكر التاريخ العظيم لمن بنى البيت ورفع قواعده. ففي هذه الرحلة الإيمانية يزداد المسلم قربا من خالقه ومولاه ويتعلم دروساً تربوية عديدة وترتفع درجة إيمانه وتحل مشكلاته النفسية أو المعنوية والمادية أيضا وسيتضح هذا مع استعراض هذه الرحلة التربوية وبيان صفتها وشروطها والأمور التي ينبغي للحاج والمعتمر الاهتمام بها. شروط الحج أو العمرة: الشرط الأول: الإسلام: أن يكون الحاج مسلماً فالكافر لا يجب عليه الحج. الشرط الثاني: العقل فالمجنون لا يجب عليه الحج ولا يصح منه. الشرط الثالث: البلوغ ويحصل البلوغ في الذكور إما بالاحتلام أو بالإنزال أي إنزال المني أو نباتُ شعر العانة وهو الشعر الخشن يَنبت حول القُبل (الفرج) أو تمام خمس عشرة سنة ويحصل البلوغ في الإناث بما يحصل به البلوغ في الذكور وزيادة أمر رابع وهو الحيضُ فمتى حاضت فقد بلغت وإن لم تبلغ عشر سنين. حج الصغير: يصح الحج من الصغير الذي لم يبلغ ويقوم بكل أعمال الحج ويتجنب محظورات الإحرام فإذا فعل شيئاً منها فلا فدية عليه ولا على وليِّه ولا يجزئه ذلك عن حجة الإسلام. الشرط الرابع: الحرية فلا يجب الحج على مملوك لعدم استطاعته. الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن أو يملك الزاد والراحلة وذلك بأن يكونَ عنده مال يتمكن به من الحج ذهاباً وإياباً ومع بقية النفقة اللازمة لإتمام الحج ويكون هذا المال فاضلاً عن قضاء الديون الحالة أو غير المؤجلة وفاضلا عن النفقات الواجبة عليه وفاضلاً عن حاجته. والمرأة يضاف لها شرط سادس يدخل ضمن الاستطاعة وهو: أن يكون للمرأة مَحْرَمٌ فلا يجب أداء الحج على من لا محرم لها لامتناع السفر عليها شرعاً إذ لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج ولا غيره بدون محرم لورود الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك. والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم: صونُ المرأة عن الشر والفساد وحمايتها من أهل الفجور والفسق فإن المرأة قاصرةٌ في إدراكها للمخاطر ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وهي مطمعُ الرجال فربما تُخدع أو تُقهر فكان من الحكمة أن تُمنع من السفر بدون محرم يُحافظ عليها ويصونها ولذلك يُشترط أن يكون المَحرَم بالغاً عاقلاً فلا يكفي المحرم الصغير أو المعتوه وبعض النسوة تأتي للحج بدون محرم مع رفقة آمنة فتلاقي من المصاعب والمتاعب ما الله به عليم وتندم لا حقا على فعل ذلك مع نقص في الأجر. والمَحرَمُ زوج المرأة وكل ذَكر تَحرمُ عليه تحريماً مؤبداً بقرابة أو رضاع أو مصاهرة. أركان الحج 1 . الأول الإحرام: وهو نية الدخول في نسك الحج أو العمرة وهو الركن الأول في الحج أو العمرة. ويكون من الميقات (سيأتي التفصيل فيه). 2 . والثاني الطواف بالبيت سبعة أشواط. 3 . الثالث: السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط. وهذه الأركان الثلاثة هي المطلوبة في العمرة وهي تؤدي في أي وقت من العام ويضاف للحج ركنه الأعظم وهو: 4 . الوقوف بعرفة أو التواجد بعرفة في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة.