تظهر فضائل الحجّ إلى بيت الله الحرام في بيان حكمة المشروعية الّتي قال الله فيها: {وأذِّن فِي النّاس بِالْحَجِّ يَأتُوك رِجالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِنْ كُلّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذْكُروا اسْمَ اللهِ فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأنْعَامِ} الحج: الآية 28. منذ أن أمَرَ الله عزّ وجلّ خليله إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام بأن يُؤذِّن في النّاس بالحجّ، والقلوب تهفو إلى هذا البيت وذاك المكان والوفود تتوارد عليه من كلّ فجّ عميق، تلبية لنِداء الله سبحانه وتعالى. يقول ابن عبّاس رضي الله عنهما: “لمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذِّن في النّاس، قال يا ربّ وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليَّ البلاغ، فنادى إبراهيم: “يا أيّها النّاس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فحجُّوا، فسمعه ما بين السّماء والأرض، أفلا ترى النّاس يجيئون من أقصى الأرض يُلبُّون”. ومنافع الجدّ كثيرة، منها منافع دينية ومنها دنيوية، والّتي تستفيد منها مكة وأهلها استجابة لدعاء سيّدنا إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} إبراهيم:37، ويستفيد من هذه المنافع الحجّاج والمسلمون بوجه عام. وقد رَتَّب الشارع الحكيم على أداء هذه العبادة الثّواب والأجر العظيم؛ ما يُثير هِمّة المسلم ويشحذ عزمه ويجعله يُقْبِل عليها بصدر منشرح وعزيمة وثَّابة، وهو يرجو ثواب الله ومغفرته وما أعَدَّه لحجّاج بيته الكريم، فجاءت النّصوص المتكاثرة في فضائل الحجّ والعمرة. الحجّ يهدم ما قبله عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: “مَن حجَّ فلم يَرْفُث ولم يفسُق رَجَع كيوم ولدته أمُّه” رواه البخاري. الحجّ المبرور جزاؤه الجنّة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “العمرة إلى العمرة كفّارة لمَا بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة” متفق عليه. الحجّ من أفضل أعمال البرّ روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عندما سُئِل: “أيّ العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثمّ ماذا؟ قال: حجّ مبرور”. يقول أحد السلف موضّحًا سبب تفضيل الحجّ وجعله في هذه المرتبة: [نظرتُ في أعمال البرّ، فإذا الصّلاة تجهد البدن دون المال، والصّيام كذلك، والحجّ يجهدهما فرأيته أفضل]. الحجّ جهاد عن عائشة رضي الله عنها قالت: “يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال: لكُنَّ أفضل الجهاد حجّ مبرور” رواه البخاري. وكان الصّحابة رضي الله عنهم يتنقّلون بين أنواع الجهاد؛ فكان عمر رضي الله عنه يقول: “إذا وضعتم السُّروج فشُدُّوا الرِّحال في الحجّ فإنّه أحد الجهادين”. الحجّاج والعُمّار وفد الرّحمن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم” رواه ابن ماجه. الحجّ من أسباب الغِنَى ومُضاعفة النَّفَقة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خُبث الحديد والذّهب والفضة” رواه أحمد وغيره. الحاج في ضمان الله وحفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “ثلاثة في ضمان الله عزّ وجلّ: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله، ورجل خرج غازيًا في سبيل الله تعالى، ورجل خرج حاجًا” رواه أبو نعيم.