قال الله تعالى في كتابه الكريم: ”وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ” الحجّ27-28. من الأسئلة الّتي يمكن لكلّ إنسان أن يطرحها السّؤال التالي: ما الفائدة من وراء تشريع الحجّ، وما يجنيه الحاج من أدائه لهذا الركن من منافع؟ فالحجّ مدرسة إيمانية عظيمة، يتلقّى فيه المؤمنون الدروس الكثيرة والفوائد الجليلة والعبر المفيدة في شتى مجالات الحياة.. والحجّ يُقوِّي الإيمان، ويعين على تجديد العهد مع الله، ويساعد على التّوبة الخالصة الصّدوق.. وفيه إظهار العبودية وشكر النِّعمة، وتعميق الأخوة الإيمانية.. وهو يطهِّر النّفس، ويعيدها إلى الصّفا والإخلاص، ممّا يؤدّي إلى تجديد الحياة ورفع معنويات الإنسان، وتقوية الأمل وحسن الظنّ بالله تعالى. والحجّ تربية على الاستسلام والخضوع لله تعالى وحده فيتربّى العبد في الحجّ على الاستسلام والانقياد والطّاعة المطلقة لله ربّ العالمين، سواء في أعمال الحجّ نفسها من التجرُّد من المَخِيطِ والخروج من الزِّينة، والطّواف والسّعي، والوقوف، والرّمي، والمبيت والحَلق أو التّقصير وغيرها.. وهو تعويد على النّظام والانضباط.. والحجّ فتح باب الأمل لأهل المعاصي وتربيتهم على تركها ونبذها في تلك المشاعر، حيث يتركون كثيرًا من عاداتهم السَّيِّئة خلال فترة الحجّ وفي المشاعر. وللحجّ منافع وفوائد عظيمة، فهو مؤتمر عام للمسلمين، يَستفيدون منه فوائد دينية وتربوية وأخلاقية بالممارسة الفعلية للعلاقات الاجتماعية، وهو فرصة يتداول فيه المسلمون أوضاع بلادهم وشؤون شعوبهم وهمومهم وآمالهم... فهو شعار الوحدة فإنّ الحجّ جعل النّاس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فلا فضل لأحد على أحد. ومن هذه الفوائد والمنافع: أنّه قيام بأحد أركان الإسلام الّتي لا يتم إلّا بها، وهذا يدلّ على أهمّيته ومحبّة الله له، وأنّه سبب للفوز بالجنّة، وسبب لمغفرة الذّنوب كما قال صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمُّه” رواه البخاري، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”العمرة إلى العمرة كفّارة لمَا بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة” رواه البخاري. كما أنّ الحجّ سبب للتّقوى وتزكية النّفس، ومرضاة الله، إلى جانب أنّه سبب لتنمية الشّعور لدى الحاج بالعِزةٍ والفخر للانتماء إلى هذه الأُمّة، وإظهار التذلُّل لله تعالى، وذلك لأنّ الحاج والمعتمر يترك أسباب الترف والتزيّن ويلبس الإحرام ويظهر فقره لربِّه، وسبب لتعظيم وإظهار شعائر الله، بسبب ما يحصل فيه من إقامة ذِكْر الله وتعظيمه مثل التَّلبية والطّواف بالبيت وبالصّفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمُزدلفة، ورمي الجمار وما يتبع ذلك من الذِّكر والتَّكبير والتَّعظيم، وفي الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ”إنّما جعل الطّواف بالبيت وبالصّفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذِكْر الله”. والحجّ سبب لتربية المسلم على تحمُّل المشاق والسّعي لمرضاة الله، وأنّه سياحة إيمانية روحانية جميلة، وهي رحلة العمر لكلّ مسلم لا يمكنه نسيانها البتة، وأنّه نوع من الجهاد في سبيل الله، ولذلك ذكره الله تعالى بعد ذكر آيات الجهاد، وثبت في الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لعائشة حين سألته هل على النّساء جهاد؟ قال: ”نعم، عليهنّ جهاد لا قتال فيه، الحجّ والعمرة”. وللحجّ من الثّواب الجزيل والأجر العظيم لِمَن قام به على الوجه المشروع، فقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ”الحجّ المَبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة”، وقال: ”مَن حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الحُجَّاج والعُمَّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم”. ومن منافع الحجّ ما يكون فيه من اجتماع المسلمين من جميع الأقطار وتبادل المودّة والمحبّة والتّعارف بينهم، وما يتّصل بذلك من المواعظ والتّوجيه والإرشاد إلى الخير والحثّ على ذلك، وكذلك ظهور المسلمين بهذا المظهر الموحّد في الزّمان والمكان والعمل والهيئة، فكلّهم يقفون في المشاعر بزمن واحد، وعملهم واحد، وهيئتهم واحدة، إزار ورداء وخضوع وذلك بين يدي الله عزّ وجلّ. وأنّه يؤدّي بلا شك إلى تعارف أبناء الأمّة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم، بحيث يُشعِر الحجّ بقوّة الرّابطة الأخوية مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض ”إِنَّمَا 0لْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” الحجرات:10، ويحسّ النّاس أنّهم حقًّا متساوون، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلّا بالتّقوى، كما أنّه سبب للتّواصل بين المسلمين وتقوية أواصر الأخوة والمحبّة بينهم. وما يحصل في الحجّ من مواسم الخير الدّيني والدّنيوي وتبادل المصالح بين المسلمين، ولذلك قال الله تعالى: ”لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ” وهذا يعم منافع الدّين والدّنيا. وأنّه سبب في الغنى وبسط الرِّزق، فعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ”تابِعُوا بين الحجّ والعُمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكِير خَبَث الحديد”، وأنّ ما يَحصُل من الهدايا (الأضاحي) الواجبة والمستحبّة من تعظيم حُرُمات الله، والتّنَعُّم بها أكلًا وإهداء وصدقة للفقراء، وأنّ في تأديته شُكرًا لنِعمة المال والبدن، وهما أعظم ما يتنعّم به الإنسان من نعم الدّنيا. كلية الدراسات الإسلامية/ قطر