طالبت صحيفة »الغارديان« البريطانية مصر بالبدء الفوري في مفاوضات مع دول حوض النيل تجنبا لاندلاع حروب مياه متوقعة في المنطقة، وذلك في الوقت الذي وصف فيه الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري، الأزمة الحالية بأنها »سحابة صيف«. وشددت »الغارديان« في تقرير نشرته في عددها الصادر أمس على ضرورة البدء في عصر جديد من الشراكة والتفاهم في المنطقة، لوقف ما وصفته حالة الحنق والغضب من استئثار مصر بنحو 87 ٪ من مياه النيل، الأمر الذي أعطى مؤشرات قوية باحتمالية دفع المنطقة إلى العنف والحروب في حالة فشل التوصل إلى اتفاق. وأشارت الصحيفة إلى أنه في جويلية الماضي وقبل مؤتمر الإسكندرية الذي كان مخصصا لإعادة التفاوض بشأن حصص مياه النيل، كانت هناك مشاعر غضب ضد مصر من دول حوض النيل، وحينها وصف محللون وخبراء رفض مصر التفاوض على اتفاقية دول حوض النيل ب »الخطأ والعجرفة«. وأضاف التقرير أنه حتى بعد اجتماع وزراء مياه دول المصب الغاضبة في شرم الشيخ لمحاولة التوافق على تقسيم مياه النيل مرة أخرى، استمرت مصر في رفضها قائلة »إنها لا تستطيع الاستمرار في الحياة دون حصتها بسبب النقص المتوقع في مواردها المائية خلال السنوات الخمس المقبلة«. واعتبرت الصحيفة أن هناك أمام مصر طريقاً لحل لمشكلة نقص حصتها المتوقع، عن طريق تركيز جهودها على تحلية مياه البحرين الأحمر والمتوسط، لتقليل الاعتماد على مياه النيل، الذي يعتبر مصدر 95 ٪ من مياه الشرب والري في مصر، مؤكدة أن البنك الدولي يمكنه المساعدة في تمويل إنشاء مولدات تحلية المياه في مصر، بالقدر الذي يساعد على زيادة إنتاجها من المياه أو الحفاظ عليها بنفس المعدَّل، دون حرمان دول حوض النيل الأخرى من تنمية وتحسين إنتاجها الزراعي. وفي ذات السياق، أشارت الغارديان إلى أن المفكرين المصريين يدعمون رفض الحكومة توقيع معاهدة جديدة، حيث يظهرون اعتراضهم في الصحافة المحلية ويرددون تأكيدات الحكومة أن موارد المياه المصرية هي مسألة »أمن قومي«، ويجب ألا تتزحزح عن موقفها. وألمحت الصحيفة إلى قول أحد النواب في البرلمان المصري، أن الحروب المستقبلية ستكون على المياه، وأن مصر مستعدة لخوض هذه الحرب إذا ما تمَّ فرضها عليها. ونقلت صحيفة »الشروق« المستقلة عن »الغارديان« قولها: »إن من حق المسؤولين المصريين التمسك بالاتفاقيات القديمة لعام 1959، لأنهم يعرفون أن توقيع اتفاقية جديدة سيقلل كثيرا من حصة المياه المخصصة لمصر والتي تقدر بنسبة 87 ٪ بموجب معاهدة 1959 مع السودان، التي تخصص 55.5 مليار متر مكعب من المياه بين مصر والسودان، لا تحصل الأخيرة منها سوى على 14.5 مليار متر مكعب«. وفي الوقت نفسه، حسب الصحيفة، تشعر بقية دول حوض النيل بالظلم، حيث يقول ديرجاتياس ندويمانا وزير البيئة لدولة بوروندي إن بلاده »تريد تطوير البنية التحتية وإقامة مشروعات اقتصادية جديدة أو عمل خطوط ري جديدة، لكن ذلك غير متاح بالنسبة لهم بسبب استئثار مصر بمياه النيل، فضلا عن توفر الدعم المالي الكافي لدولتهم لدعم المشروعات على مجرى النهر«. وأشارت الصحيفة إلى أنه لا يخفى عن أحد أن الممول الرئيس لدول حوض النيل هو البنك الدولي، وقد أعلن بوضوح أنه لن يقدم يد المساعدة إلى أي مشاريع مستقبلية إلا بعد موافقة مصر على توقيع اتفاقية جديدة. وبالعودة إلى التاريخ فإن اتفاقيات 1929 و1959 كانت تحت رعاية بريطانيا، حينما كانت تحتل مصر، وتؤكد الصحيفة البريطانية إذا كانت مصر تريد بحق أن تصبح زعيمة اقتصادية وسياسية حقيقية للمنطقة فعليها أن تتخلص من هذه الاتفاقيات التي رعتها الدولة المحتلة وأن تصل مع دول حوض النيل لاتفاقية تتخطى الحدود. سحابة صيف في هذه الأثناء، أعلن الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري أن مصر حريصة على التفاوض مع دول حوض النيل باعتبارها »دولا شقيقة« وأن علاقتنا بها أزلية. ووصف الأزمة الحالية بأنها سحابة صيف، باعتبار أن »ما يجمعنا مع دول حوض النيل أكثر بكثير مما يفرقنا، فهناك عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية تقربنا من بعض«. واستطرد وزير الري قائلا: إن الاتفاقيات المسبقة دخل عليها بند خطير جدا اسمه بند الأمن المائي، حيث أكد أن لكل دول حوض النيل الحق في تحقيق أمنها المائي، وكانت لمصر بعض التحفظات عليها. وأكدت مصر والسودان أن الأمن المائي حق للجميع بشرط عدم التأثير سلبا على الحقوق والاستخدامات لأي دولة أخرى من حوض النيل، حيث وافقت6 دول وكانت اثيوبيا هي الوحيدة التي رفضت، وكان ذلك في عام2007، وبعد ذلك جاء الاجتماع الذي عُقد في مدينة عنتيبي في جوان عام2007، حيث تم الاجتماع مع الدول ال7 ففوجئنا بأنها جميعا رفضت بعدما كانت ست دول موافقة ودولة وحيدة رافضة. ووجدنا بعد شهور قليلة في عنتيبي بأوغندا أن الدول كلها رفضت مطلب مصر والسودان، وطلبت هذه الدول أن يؤجل النظر في ذلك إلي ما بعد إنشاء المفوضية، فرفضت مصر والسودان، وتم وضع صيغة أخرى تشير إلى أن الأمن المائي يجب ألا يؤثر تأثيرا محسوسا على أي دولة أخرى، وأشار إلى أن مفهوم الأمن المائي نفسه غير معروف، وأنه لم يستخدم في أي اتفاقية في العالم، بالإضافة إلى أن القانون الدولي لتنظيم الأنهار لم يرد فيه مايسمى الأمن المائي. شراء المياه كانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن دول منابع حوض النيل السبع تدرس حاليا اقتراحا يدعو إلى مطالبة دولتي المصب »مصر والسودان« بشراء مياه النيل إذا كانت تسعى لمواصلة الاستفادة من مياه النهر، وذلك رغم تأكيد كبار المسؤولين المصريين على عدم تفريط مصر في قطرة مياه واحدة. وقالت صحيفة »جيما تايمز« الإثيوبية في عددها الصادر الجمعة، إن هناك رأيا عاما تزداد قوته في دول منابع النيل يطالب بضرورة دفع مصر ثمن استخدام مياه النيل. ونقلت الصحيفة عن مصادر فى كينيا، إحدى دول منابع النيل، القول إن أغلب الكينيين يرون أن من حق بلادهم وباقي بلاد منابع النيل الحصول على مقابل لمياه النيل التي تصل إلى مصر والسودان. وطالب أغلبية الكينيين بالتعامل مع مياه النيل كما تتعامل الدول مع البترول الذي يتم استخراجه من أراضيها وبالتالي يجب أن تشتري مصر ما تحتاج إليه من المياه من دول المنابع على اعتبار أن كلا من البترول والمياه مصادر طبيعية للدول. وأشارت الصحيفة إلى اعتزام دول المنابع السبع التوقيع على معاهدة جديدة بشأن تقاسم مياه النيل رغم رفض دولتي المصب وهما مصر والسودان لهذه الاتفاقية الجديدة بسبب »تجاهلها« الحقوق الطبيعية للدولتين في المياه وفقا لقواعد القانون الدولي. وتحل الاتفاقية الإطارية الجديدة، التى تعتزم دول المنبع توقيعها يوم 14 ماي، محل اتفاقية عام 1929 التي وقعتها مصر وبريطانيا بالنيابة عن مستعمراتها دون مشاركة معظم دول حوض النيل واتفاقية 1959 بين مصر والسودان، التي تعطي لمصر حق استغلال 55 مليار متر مكعب من مياه النيل من أصل 83 مليار متر مكعب تصل إلى السودان ليتبقى للخرطوم 18 مليار متر مكعب من مياه النيل. وتشهد مصر أزمة في مياه الشرب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضى، وكانت قد طالبت بزيادة حصتها من النهر، بعد أن أصبحت الحصة الأساسية التي تقدر ب 55 مليار متر مكعب، لا تكفي احتياجات المواطنين ومشروعات التنمية المختلفة، واشترطت للتوقيع على الاتفاقية الجديدة أن تتضمن في البند الخاص بالأمن المائي، نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصتها وما أسمته »حقوقها التاريخية؟« في مياه النيل، قبل أن تواجه برفض جماعي لدول المنبع، بدا وكأنه مرتب ومتفق عليه قبل الاجتماع. وينحصر الخلاف بين دول حوض النيل في ثلاثة بنود فقط بعد الاتفاق على 39 بندا في الاتفاقية الإطارية، وهذه البنود تتعلق بالإخطار المسبق قبل قيام أي مشروعات، وتوفير الأمن المائي للدول، والتصويت على القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية، وهذا بهدف الإبقاء على حق الفيتو لمصر.