صدق الله العظيم حين وصف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. وفي موسم الحج تجلت رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحجيج ورأفته بهم، بعد أن تحملوا المشاق والتعب من أجل آداء الفريضة، فكان كلما سأله أحد الحجيج عن أمر فيه تيسير عليه إلا وقال له: "إفعل ولا حرج". فتروي لنا كتب السيرة كيف كان الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ييسر على الحجيج ولا يضيق واسعًا ويضع لهم من الحلول ما ييسر عليهم آداء المناسك وعبادة ربهم، ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجلفقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اذبح ولا حرج"، فجاء آخر فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال له: "ارمِ ولا حرج" فما سئل الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: "افعل ولا حرج". وفي ذلك تنبيه لمن يتصدرون للفتوى الآن في موسم الحج وقد يضيقون على الناس في مناسكهم بما يشق عليهم تعنتًا منهم وجهلًا، رغم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أرأف بالناس من أنفسهم، وكان يرفع الحرج عنهم. ويعد هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصلًا يجب أن يعتمد عليه في فقه مناسك الحج، وعلى من يتعرضون للإفتاء خلال موسم الحج أن يأخذوا بهذا الأصل فيما لا نص فيه، ويعتمدوه في فتواهم حتى لا يشقوا على الناس، لأن في فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسحة وسعة وتيسير، وهي سمة من سمات ديننا الإسلامي الحنيف، يقول الله سبحانه وتعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. وبذلك كان شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحج الأكبر: "إفعل ولا حرج" .. ليرسي بذلك خلق الرحمة بين الناس، بل حتى في غير الحج، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يوصي سيدنا معاذ بن جبل أبو موسى الأشعري عندما بعثهما إلى اليمن قائلًا: "يسروا ولا تعسروا"، وكان صلى الله عليه وآله وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم.